بعد وفاة شيخ العشيرة المحمدية.. هل ستظلّ صوفية بنكهة سلفية؟

مصر والصوفية

بعد وفاة شيخ العشيرة المحمدية.. هل ستظلّ صوفية بنكهة سلفية؟


15/02/2018

توفّي مساء أمس الأربعاء، الدكتور محمد عصام الدين زكي إبراهيم، رائد العشيرة المحمدية، شيخ طريقة العشيرة المحمدية الشاذلية، عن عمر يناهز 75 عاماً. بعد أن تولّى قيادة المشيخة سنوات طويلة منذ تسلّمها في تشرين الأول (أكتوبر) 1998، عقب وفاة والده السيد محمد زكي، الذي تتلمذ على يديه عدد كبير من علماء التصوف الحاليين، أمثال؛ الدكتور علي جمعة، المفتي الأسبق، شيخ أحدث الطرق الصوفية التي أسَّسها، ووافقت عليها المشيخة العامة للطرق الصوفية مؤخراً، باسم "الشاذلية العليّة"، والدكتور أسامة الأزهري، المستشار الديني للرئيس المصري، والدكتور محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر.

عقب وفاة الدكتور محمد عصام الدين، تحدّث أقطاب الطريقة عن خلافة ابنه أحمد له، إلّا أنّ آخرين رأوا أنّه لا يستحق ذلك، في وجود الشيخ محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر، الذي يطلقون عليه، مجدد المنهج الصوفي في مصر، والقطب الشاذلي الجديد، ما جعل محبّي ابن شيخ الطريقة الراحل، يفتحون النار على مستشار شيخ الأزهر، ويصفونه بالباحث عن "الولاية والقطبانية".

عموم الطرق الصوفية تتهمها بأنّها فرع إخواني وأنّه لا يجوز الاعتداد بها داخل المجلس الأعلى للطرق الصوفية

"العشيرة المحمدية" التي سيدور فيها صراع حول وراثتها، هي طريقة صوفية بنكهة سلفية، وهذا ما جعلها تثير جدلاً كبيراً، فعموم الطرق تتهمها بأنّها فرع إخواني، وأنّه لا يجوز الاعتداد بها داخل المجلس الأعلى للطرق الصوفية، أما مشايخها؛ فهم يتّهمون باقي الطرق بأنّهم حادوا عن طريق التصوف السليم، وما تسبّب في هذه الإشكالية؛ الاندماجية والتوفيقية العجيبة، التي قام بها أتباع الطريقة بين المنهج السلفي والصوفي.

الراحل محمد عصام الدين رائد العشيرة المحمدية

يقول مؤسّس الطريقة، الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم، في إحدى رسائله إلى تلميذه التي جمعتها العشيرة عام ٢٠١١، في كتاب تحت اسم "يا ولدي": "التصوّف الشرعي هو التسلّف الإسلامي، والعكس، لا فرق في الأصل بينهما أبداً، فكلاهما دعوة أخلاق أو ربانية أو مجاهدة، أساسها القرآن، وما صحّ عن رسول الله، والذي يراجع إسناد كبار علماء الحديث الشريف، لا يوشك أن يجد فيهم واحداً إلّا وهو موصول السند بالسادة الصوفية".

أمّا موقف "العشيرة المحمدية" من الطرق الصوفية، فيوضحه الشيخ زكي إبراهيم، قائلاً: "من الحق أن نفرّق بين التصوّف والتمصوف، فالتصوف هو الإسلام الإيجابي الشامل في أرقى مراتبه، وإن اختلفت الأسماء والمسالك، فكلّها تبدأ بالتوبة، وتنتهي بالمعرفة، أما التمصوف فهو ذاك الشبح الدخيل، الذي أساء إلى الإسلام وأهله، وما زلنا نعاني منه حتى الآن، ثم لندع هنا أهل التصوف الفلسفي ورجاله، فلهم مجال آخر، إنّما نتحدث عن التصوف الخلقي والتعبدي والإنساني، ويجب أن تتأكّد من أنّ ما عسى أن تجده في التصوف الواعي المستنير أحياناً، بما قد يشبه الانحراف في ظاهره، فهو إمّا مؤوَّل لا محالة، أو مدسوس على أهل الله، فمن قال إنّ هذه البدع والمنكرات الصريحة، وهذا الانحراف المخزي هو من التصوف الصحيح، فقد ضلّ وغوى، ونحن نخدم بكلّ طاقتنا هذا التصوّف الحقّ المنقَّى من الزّيف والزيغ، وإليه ندعو، بقدر ما نكافح هذا المتصوف الوقح بما فيه من جهلوت وكهنوت".

مشايخ العشيرة المحمدية يتّهمون باقي الطرق الصوفية بأنّهم حادوا عن طريق التصوف السليم

لم يختلف موقف أتباع "العشيرة المحمدية" من السلفية، وهو ما يقول عنه الشيخ المؤسس: "نحن حين ننقّي التصوف من مستغفله ودخيله، وننقّي التسلّف من اندفاعه ومجازفته وتهوّره وتوقحه وتنطّعه، إذا نقّيناهما هكذا، فلن تجد بينهما خلافاً أبداً".

تابع: "إنّنا نفرّق بين التسلّف والتمسلف، وقد قرّرنا أنّه لا فرق في الأصل بين التسلّف والتصوف، فكل صوفي سلفي أصلاً، وقد لا يكون العكس، أما التمسلف فهو التهور، والتوقّح الذي ينقل أحكام الحلال والحرام إلى الإيمان والشرك، والذي يحكم مجازفة على كل أهل القبلة بالشرك والكفر والردّة، ثم هو يعمى عن الخير، ولا يتتبّع إلا النواقص والعيوب، في شعوبية وعصبية مجنونة، ولا يأخذ الأمور إلّا من وجهها المظلم".

الشيخ محمد زكي إبراهيم رائد الإصلاح الصوفي

جاء في العدد السادس من المجلة الدورية التي تصدر عن "العشيرة المحمدية"، التي تضم بعض الدراسات الخاصة بالصوفية: إنّ تلاميذ الشيخ المؤسس للعشيرة المحمدية، يرون أنّ التقريب الذي تدعو إليه العشيرة، لا يعني ذوبان منهج الصوفية في آخر، إنّما إزالة الشوائب التي لحقت بكلّ منها، ومن ثمّ سيتّضح للجميع أنّ تلك المذاهب خارجة من منبع واحد، قائلين: "حين ننقّي التمسلف من اندفاعه ومجازفته وتهوّره وتوقّحه، وننقّي المتصوف من مستغفله ومدسوسه وانحرافه، فلن نجد بين التسلف والتصوف خلافاً أبداً، فلا يمكن أن يكون صوفياً من لم يلتزم الكتاب والسنّة على نهج السلف الصالح، ولا يمكن أن يكون سلفياً من لم يلتزم الورع والزهد والتوكّل، وغير ذلك ممّا اتّسم به الصوفية".

في العدد نفسه: "التصوّف يخضع من هذا الجانب إلى النظر العقلي، ويبقى جانب الوهب أو الذوق أو الوجدان، بوصفه ثمرة تهذيب النفس بالشريعة وتربية القلب بالطريقة (أي الإيمان)، فهو لا يخضع للنظر العقلي، لكن لا يعني ذلك أنه ليس منضبطاً من الناحية العلمية، كما يظنّ البعض، ممّن اعتقدوا أنّ التصوف هو الجانب العاطفي في الإسلام؛ إذ إنّ المذهب العاطفي أدنى مرتبة من المذهب العقلي "يمثّل مرحلة من مراحل التراجع في تاريخ الفكر البشري".

هل تقترب من الإخوان المسلمين؟

رغم هذه التوفيقية بين (التمسلف) و(التصوف)؛ فالعشيرة هي طريقة معتمدة كصوفية رسمياً، بالقرار الجمهوري المصري، رقم 750 لسنة 68 (من الهيئات ذات النفع العام)، ومشهرة بالشؤون الاجتماعية برقم 675، أسّسها الشيخ محمد زكي إبراهيم، رائد الإصلاح الصوفي، عام 1930م.

المكتب الفنّي للعلاقات والإعلام للطريقة، أصدر منشوراً ظهر فيه أنّ الطريقة تقترب بشكل ما مما تفعله جماعة الإخوان، وبطريقة البنّا نفسها، قال البيان: إنّ العشيرة هيئة إسلامية، من أكبر الهيئات الإسلامية بمصر والعالم، ما تسعى إليه، هو بناء الإنسان المسلم والمجتمع المسلم، على قواعد الربانية والتزكّي، والمحبة والسماحة، حتّى يؤدّي حقّ ربّه وأسرته وأهله، ووطنه ودينه، باعتبار أنّ ذلك كلّه عبادة، وتخدم العشيرة مذهب التصوف الإسلامي ورسالته، علمياً وعملياً، بصفة عامة، ولا نظر فيها إلى شيخ معين أو طريقة محدّدة، فالكلّ دائر في محيط التصوف الإسلامي، وهي هيئة تخدم كلّ الطرق الشرعية، وتحتويها في محيط الكتاب والسنة، وتنقّيها من شوائبها ومعايبها المختلفة، بكل الحكمة والسماحة، وتستمرّ بكلّ الطاقات والإمكانيات في المحافظة على أن تكون العشيرة المحمدية، خطّ الدفاع الأول عن التصوف الحقّ في العالم الإسلامي كلّه، وهي مرجع براهينه وأدلته الحاسمة، فهي حجة التصوف الشريف، اليوم وغداً، كما أنّها سوط عذاب على التصوف الباطل وأهله.

يرى موقع صوت السلف وهو لسان حال الدعوة السلفية بمصر أنّ العشيرة المحمدية تهدم الدين وتنشر البدعة

ومنهج العشيرة، وفق البيان، هو "الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والتزام الوسطية الإسلامية، والتماس العذر في الخلافات الفرعية، والبعد عن الفتن والشكليات"، أما أهدافها فتتضمن "تقديم أفضل مستوى من الخدمة الإسلامية العامة لجميع أفراد وطوائف الأمة، والعمل على سيادة شرع الله، والعمل على ضمّ أكبر عدد من كرام الشخصيات الصوفية، أو المحبّة للتصوف، أو المرتبطة بطريقة من مختلف الطرق الصوفية، إلى الهيئة العليا للعشيرة المحمدية، ومجلسها الإداري، كما قال الإمام الرائد: "كن كما شئت، مذهباً ومشرباً، لكن كن محمّدياً".

الأهداف، التي وضعها الشيخ محمد زكي إبراهيم، هي ذاتها، تقريباً، التي وضعها حسن البنا، وبالبحث في الهدف الأخير، سنرى أنّ الطريقة ضمّت بالفعل كبار الشخصيات، وفي مجلس إدارتها الحالي: محمد عصام الدين، محمد زكي إبراهيم، والدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، والدكتور أحمد زكي بدر، وزير التعليم الأسبق، والدكتور جودة المهدي، نائب رئيس جامعة الأزهر، ومحمد فؤاد شاكر، أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس، والدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية المصرية السابق، والأستاذ الحالي في الأكاديمية العالمية لدراسات التصوف وعلوم التراث، التي أنشأتها العشيرة المحمدية.

الطريقة تصدر مجلة "المسلم"، ومجلة "الدراسات العلمية الصوفية المحكمة"، التي جاء في عددها الأخير، عن الصوفي في العشيرة، أنّه يمتاز عن عامة المسلمين، فالقاعدة الإسلامية هنا هي (العمل)، فإذا عمل الصوفي بمقتضى ما يتعيّن عليه، كقدوة وداعية، امتاز بمقدار جهده، شأن كلّ متخصص، وإلّا فهو دون كلّ الناس، إذا انحرف أو شذّ؛ بل إن تجاوز، فالصوفية يجعلون (خلاف الأولى) في مرتبة (الحرام) اتّقاء الشبهات، واستبراء العرض والدين، وهم يعرفون كيف أنّ السلف كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال خوف الوقوع في الحرام، فهم يؤمنون بهذا، ويحاولون العمل به، وهذا هو الصوفي، وأما إذا كان المراد بأنّ مادة التصوف لم تُعرف إلّا بعد هذه المدة، فالخطأ هنا يستحيل إلى خطيئة؛ فمادة التصوف، من حيث العبادة والخلق، مفتوحة على أوسع معاني العبادة والخلق، الموجودة والمشهودة في الكتاب والسنّة، شأن بقية مواد مختلف العلوم، فإذا لم يكن لفظ (التصوف) موجوداً في هذا العهد، فقد كانت العبادات والأخلاق وتربية النفس ووسائل العلاقة بالله، والارتفاع بإنسانية الإنسان، كلّ هذه مسجّلة في دين الله، وهي التصوّف (سمّاه الناس كذلك) فالاسم حادث، والمادة قديمة بقدم الكتاب والسنّة، شأن بقية علوم الدين سواء بسواء.

الأهداف التي وضعها الشيخ محمد زكي إبراهيم هي ذاتها تقريباً التي وضعها حسن البنا

سلفية صوفية

ويرى موقع "صوت السلف"، لسان حال الدعوة السلفية بمصر، أنّ العشيرة المحمدية "تهدم الدين، وتنشر البدعة"، ونقل في مقال: إنّ رائد العشيرة المحمّدية في كتابه "من هم أهل السنة؟"، رأى أنّ السنّة، في اصطلاح علماء الدين، هي: قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أو عمله، أو إقراره، فهي شعب ثلاث، من عمل بإحداها، ولو مرة واحدة من عمره، أصبح من أهل السنّة، وهذا خطأ فادح.

توفى قائد العشيرة وها نحن ننتظر من يخلفه على قيادة طريقة يقول عنها الصوفيون: إنّها سلفية الصوفية

الغريب؛ أنّ "العشيرة المحمدية" رأت التقريب بين المذاهب، وهو ما قال عنه رائد العشيرة في إحدى رسائله إلى أحد تلاميذه: "أهل القبلة جميعهم إخواننا، فلا خصومة شخصية أبداً بيننا وبين أي مذهب من مذاهب أهل "لا إله إلّا الله"، سواء كانوا أحنافاً، أو مالكية، أو شافعية، أو حنابلة، أو ظاهرية، أو هادوية، أو زيديين، أو إمامية، أو سلفية، فإنّ الاختلاف في الفروع ضرورة طبيعية، كما يستحيل استحالة مادية جمعت الناس كلّهم على مذهب واحد".

رائد العشيرة كذلك دافع عن ابن تيمية، دفاعاً مستميتاً، وقال: "بمناسبة شيوع هيستريا تكفير المسلمين وتبديعهم، وتشريكهم وردتهم وتفسيقهم، أحياء وأمواتاً، من قبل العاملين باسم ما يسمى السلفية، الذين يعدّون كلّ المسلمين من غير جماعتهم، إما مشركين، أو كافرين، أو مرتدّين، أو وثنيين، فنحن نقدم لهم نصوصاً من كلام إمامهم الأعظم أحمد بن تيمية، إذا كان لم يقنعهم حديث رسول الله الذي قدّمناه؛ حيث يقول ابن تيمية:

"من البدع تكفير الطّائفة وغيرها من طوائف المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم، وهذا الأمر عظيم"، وذلك فيما نقله عنه تلاميذه في مجلة "دراسات التصوّف".

توفى قائد العشيرة، وها نحن ننتظر من يخلفه على قيادة طريقة، يقول عنها الصوفيون: "إنّها سلفية الصوفية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية