القيادي المنشقّ البشبيشي: أفكار الإخوان خبيثة وفاسدة

القيادي المنشقّ البشبيشي: أفكار الإخوان خبيثة وفاسدة


20/10/2017

وصف القيادي الإخواني المنشقّ طارق البشبيشي أفكار جماعة الإخوان المسلمين بـ"الخبيثة والفاسدة" وتشبه في سلوكها "عصابات المافيا".

ورأى أنّ الصدام مع الجماعة في مصر كان "حتميّاً" بعد ثورة يناير؛ لأنّها تنظيم "لا يعترف بالوطنية"، مشيراً إلى أنّ مستقبل الإخوان ليس بيدهم؛ لأنهم جماعة "وظيفية"، فمستقبل التنظيم مرتهنٌ، وفق البشبيشي، بيد من يوظّفونهم ويموّلونهم ويراهنون عليهم في تحقيق أهدافهم في تفتيت الوطن العربي ونشر الفكر الإرهابي لغايات بسط النفوذ.

"حفريات" التقت القيادي الإخواني طارق البشبيشي الذي ارتقى في الجماعة حتى أصبح عضواً عاملاً وله دور رئيسي في محافظة البحيرة المصرية، إلا أنّ تحولات الثورة المصرية، وتطوّرات الحالة الإخوانية دفعته لإعلان استقالته من التنظيم، ليخوض بعدها صراعاً نقدياً مع العناصر النوعية، التي قرّرت السير في طريق آخر، وهو العمل المسلّح.

هنا نصّ الحوار:

* أخبرنا عن كيفية التحاقك بتنظيم الإخوان المسلمين؟
- دخلت التنظيم الإخوانى تقريباً عام 1984؛ حيث كنت أحافظ على الصلاة في المسجد الموجود بالحيّ الذي أسكن فيه بمنطقة شبرا بدمنهور، وتعرّفت على أحد الكوادر الإخوانية الماهرة في ما يسمى "الدعوة الفردية" (التجنيد)، واستطاع إقناعي بصداقته، ثم دعاني لجلسة قرآنية في منزله، وكنت أيامها في الإجازة الصيفية للدراسة الجامعية؛ حيث كنت ملتحقاً بكلية الزراعة بدمنهور، وكنت في السنة الثانية بالكلية، وتوطّدت العلاقة، وطلب مني أن أدعو زملائي في الدراسة المقربين جداً مني لحضور الجلسة القرآنية في بيته، وفعلت ذلك، وبعد مرور شهرين أو ثلاثة أشهر قام بتسليمنا (مجموعة كلية الزراعة) إلى المسؤول عن النشاط الطلابي في الجامعة، وهو شخص خطير جداً، ويجيد السيطرة على العقول، وبدأت بعد ذلك في الانغماس أكثر بأنشطة الجماعة داخل الجامعة.
* هل تغيرت شخصيتُك في البداية حين التحقت بالإخوان، على سبيل المثال العزلة الشعورية؟
- تأثرتُ بلا شك؛ حيث كنت من القلائل داخل التنظيم الذين يميلون للعمل العلني، لكنني كنت لا أحب مبالغاتهم في السرية، ولم أكن أميل إلى كثير من أدبياتهم مثل؛ تفسيرات سيد قطب للقرآن، أو حتى تطرف حسن البنّا في مسألة الأحزاب السياسية والمرأة. وكنت أحبّ الفن والاستماع للطرب؛ باختصار كان لي قلبان، قلب إخوانى وآخر مصري، كنت أقاوم بقدر الإمكان عملية العزلة الشعورية التي يصنعها التنظيم لأتباعه، لذلك اخترت أن أعمل داخل الجماعة في الأنشطة ذات الطبيعة الاجتماعية وليست التنظيمية السرية، مثل؛ أعمال نشر الدعوة (نشر فكر الإخوان) في المجتمع، وقسم البر، ثم استقرّ بي الحال للعمل بالقسم السياسي ما يقرب من 20 عاما، هذه كانت بعض ملامح شخصيتي وعلاقتي بالتنظيم.

يعتمد الإخوان في تمويلاتهم على عمليات غسيل الأموال وإخفائها في أنشطة عادية تجارية وتحويلات بنكية بسيطة

* هل ارتقيتَ في التنظيم فأصبحت عضواً عاملاً، أو عضواً بمجلس الشورى؟
- نعم، كنت عضواً عاملاً، وهي أعلى درجة تربوية عندهم، وذلك منذ العام 2000 تقريباً، ثم بدأت الفروقات والاختلافات بوجهات النظر بعد 25 يناير 2011؛ حيث كنت أعارض حالة الجنون التي ضربتهم بعد زوال نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، إنّهم كانوا يريدون السيطرة على كل شيء، وعارضتُ فتح مقرات علنية بصورة مبالغ فيها في كل شارع. كنتُ أقول لهم: لماذا لا تحترمون قلق الشعب المصري من الجماعة فهو لم يعتد بعدُ على وجود التنظيم بهذا الشكل مرة واحدة؟! كأنهم كانوا يصرون على صدمة الشعب.
حاولتُ أن أناقشهم وأخبرتهم لماذا لا تتدرّجون وتحترمون الوقت وتحرك الزمن؟! وكانوا يقولون لي يبدو أنّك لم تدرك ما جرى، نحن أكبر قوة على الأرض ولن يستطيع أحد إقصاءنا، ثم لماذا نتحفظ في الإعلان عن وجود التنظيم في الشارع.
ومن بدأ انتقادي لهم يزيد وقلقهم مني يزداد أيضاً، زادت الهوة خاصة الشعورية والنفسية بيني وبينهم، عارضتُ على صفحتي على "فيس بوك" بصورة واضحة وعلنية كثيراً من قراراتهم السياسية؛ خاصة التي تتسم بالرعونة، وإشعال الفوضى، ومهاجمة مؤسسات الدولة، لاسيما  المؤسسة العسكرية والقضائية. تعرضتُ للتحقيق بسبب هذه الآراء أكثر من مرة، وفي لحظة معينة كان عليّ الاختيار بين انتمائي لبلدي، وبين انتمائي للإخوان، فأنا مصري، وأحب أن أكون مصرياً مثل كل الناس، وهم يريدون مني أن أوافقهم على كل قراراتهم وسلوكياتهم السياسية التي تثبت أنّهم تنظيم فوق قُطْري، لا يعترف بالوطنية المصرية، فتركتُهم وأصبحت بمرور الوقت من أشد أعدائهم عندما رأيت سفكهم لدماء المصريين، وخيانتهم لمصر، واستقواءهم بالقوى الدولية، وتشويههم للجيش، وكل الموبقات التي فعلوها، أصبحت عدواً لهم؛ لأنّهم أصبحوا أعداء خطيرين لبلدي.

لم يكن البشبيشي وهو منخرط في التنظيم يميل إلى كثير من أدبيات الإخوان كتفسيرات سيد قطب للقرآن، وتطرّف حسن البنّا

* لماذا لم تختَر السير في طريق وسطي ما بين الإخوان وغيرهم، حزب الوسط، حزب مصر القوية لـ "أبو الفتوح"؟
- لأنني أعرف أنّ" أبو الفتوح" أحد رهانات التنظيم الدولي، وله علاقات كبيرة بالإخوان في الغرب، لكن ما عطل صعوده وأضعف الرهان عليه هو استماتة إخوان مصر في معاداته وتحجيمه، وإضعاف موقفه في الخارج، خاصة في لندن.
أبو الفتوح نسج كثيراً من علاقاته الخارجية نتيجة عمله في لجنة الإغاثة الإسلامية التابعة لنقابة الأطباء، وأعتقد أنّه على علاقة بالمخابرات الإنجليزية والأمريكية، واستطاع أن يقنعهم أنّه أردوغان مصر، فكانوا يخططون لتصعيده إلى السلطة بعد انهيار نظام مبارك، لكن هذا الأمر لم يوافق عليه إخوان مصر، وأفشلوا هذا المخطط ثم فشلوا هم أيضاً.

* عطفاً على ذكر مبارك، ألم يساعد هذا النظام الجماعة في التوغل والانتشار؟
-  في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي استغلّت الجماعة حالة الهدنة الطويلة بينها وبين نظام الرئيس حسني مبارك، فانتشرت كالنار في الهشيم في أرجاء مصر كلّها، وكوّنت تنظيماً قوياً وأموالاً ضخمة، كان ذلك عن طريق وسائل متعددة مثل؛ التواجد في المساجد، والانتشار بين أوساط الطلاب في الجامعات، وحتى المدارس الثانوية، وفي مراكز الشباب أيضاً عن طريق السيطرة على بعض الألعاب الرياضية مثل؛ لعبة الكاراتيه وكرة السلة، وفي النقابات كذلك كانوا يعتمدون على مهارة كوادرهم في الانتشار وتجنيد أكبر عدد ممكن من الأنصار والأعضاء، وكان قادتهم يقولون لنا: (الأستاذ مصطفى مشهور يوصيكم بالانتشار في كل بقعة، وعلى كل المستويات، ومع كل الفئات، فربما لا تعود مثل تلك الأيام). كنا لا نتفهّم كلامه لكنّه بحكم سنّه وتجربته يعلم بأنّ الصدام حتميّ، وأنّها فقط مسألة وقت.

* اهتمّت الجماعة خلال هذه الفترة بالتمويل فكيف كانوا يتلقّونه؟
-  الإخوان تنظيم كبير ومتشعب في العالم، ويعتمد في تمويله على كثير من استثماراته في الغرب، وجميع أجهزة مخابرات الدول التي ينشط بها يعلمون ذلك، ويعطونه ضوءاً أخضر لتمويل فروع التنظيم، خاصة في مصر، وكان من أهداف الجماعة التاريخية السيطرة على أحد البلدان الخليجية الغنية، وهو ما حدث بالفعل فسيطروا رسمياً على قطر وأموالها، ووظفوا تلك العوائد النفطية الضخمة في تمويل أنشطة التنظيم.
أما كيف يتلقون هذه التمويلات فهذا الأمر معقّد ومتشعّب ويعتمدون فيه على عمليات غسيل الأموال وإخفائها في أنشطة عادية تجارية، ويضخّون الأموال أيضاً بحسابات بنكية متناهية الصغر، حتى يصعب متابعتها، وكثير من العاملين في الخارج المنتمين للتنظيم يرسلون الأموال لذويهم في مصر، لكنّ كثيراً من تلك الأموال هي أموال التنظيم يتم تسليمها لقيادات إخوانية بالداخل.

من يستخدم الإدارة الإخوانية في تفتيت المنطقة وإضعاف دولها لن يترك الإخوان وسيظلّ يدعمهم ويمولهم

* ما تتحدث عنه يجعلني أشبّه التنظيم بعصابات المافيا أو الماسونيين الجدد؟
-  نعم، فمرض الإخوان الرئيس هي فكرتهم المشبوهة وتحديها للعصر والمستقبل، فهي فكرة تشبه أفكار الماسونية السرية التي تستهدف السيطرة على العالم، وتشبه في سلوكها عصابات المافيا، فكرة الإخوان غير قابلة للمراجعة؛ لأنها تقوم على التنظيم السري، فلو قام فريق منهم بعمل مراجعات؛ أي تفنيد الأفكار الرئيسية التي تقوم عليها الفكرة مثل؛ الأممية وشرعية وجود تنظيم سري داخل الدولة، ومسألة الخلافة، وغيرها من الأفكار الحاكمة. لو قاموا بمراجعة وتفنيد هذه الأفكار فلن تكون هناك جماعة الإخوان؛ أي ستتلاشى، وهم يعلمون ذلك.
* هل راجعت الجماعة يوماً ما أفكارها؟
- لا توجد أي مراجعات لدى الإخوان لا في الماضي ولا في الحاضر، ولا في المستقبل، فالفكرة خبيثة وفاسدة، ولو أنّ المجرم قام بمراجعة سلوكه، فلن يكون مجرماً؛ أي سيترك العصابة التي كان يعمل بها.
* هل هناك انشقاق بالفعل في التنظيم المصري بسبب الأفكار؟
- قصة الانشقاق بدأت بتكليف من مكتب إرشادهم ومجلس شورى التنظيم مع قرب قرار فض معسكر رابعة، فكلفوا محمد كمال بعمل تنظيم مسلح، لكنّهم لم يعلنوا أنّهم يرعون ذلك التنظيم، وكان ذلك من باب توزيع الأدوار، لكن لا يوجد انشقاق أبداً عن الفكرة الإخوانية، ومن ترك التنظيم كان بصورة فردية، ومنهم من هو مؤمن بأفكار الإخوان، لكن يخاف من السجن، أو الهروب والتشريد. هناك بعض الانشقاقات الحقيقية، لكنّها لا تعدو أن تكون حالات فردية لا ترتقي لأن تصبح ظاهرة.

* كيف ترى مستقبل الجماعة إذاً عقب قرار العمل المسلح؟

-  مستقبل الإخوان ليس بيدهم فهم جماعة وظيفية، مستقبل الإخوان مرتهنٌ بيد من يوظّفونهم ويراهنون عليهم في تحقيق أهدافهم، أدركُ أنّ من يستخدم الإدارة الإخوانية في تفتيت المنطقة، وإضعاف دولها لن يترك الإخوان، وسيظلّ يدعمهم ويموّلهم، مستقبل الإخوان مرهون بقدرة وفاعلية الدولة المصرية في تحجيم التنظيم وشلّ حركته وتفكيكه، ولو استمرّت الأمور في مصر على هذا الصدام، فسيضعف التنظيم تماماً، ولن تكون له قوة على الأرض، أو أي قدرة على التجنيد والانتشار، لكن هذا سيتطلب أعواماً، أمّا مسألة اللجان النوعية فهي من حماقة الإخوان المصاحب لتاريخهم، فرغم الفشل الذريع الذي مُني به حسن البنا في نهاية الأربعينيات بعد تكوينه للتنظيم الخاص المسلح، وانكشاف أمره، قاموا بتكرار الحماقة نفسها في الخمسينيات، وكانت أبرز الأعمال محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في ما يعرف بحادث المنشية؛ حيث فشلوا، وتمّ القبض عليهم وإيداعهم السجون، وكرّروا الفعل نفسه في الستينيات عن طريق سيد قطب، وفشلوا أيضاً وأُعدِم الرجل، والآن يكررون نفس الفشل عن طريق لجانهم النوعية التي لن تستطيع أبداً مواجهة دولة بحجم مصر.

* ألا توافقني الرأي أنّ السلفيّين لهم أهداف تاريخية للسيطرة على الدول؟
-  لا يوجد للسلفين تنظيم سري محكم مثل الإخوان. السلفيون ليست لديهم أهداف تاريخية للسيطرة على الدول مثل؛ أهداف الإخوان، فالعلاقة متوترة دائمًا بين الإخوان والسلفيين، لكنّ الإخوان استطاعوا تشويه السلفيين وإضعافهم في مصر؛ انتقاماً لمساندتهم ثورة 30 يونيو، وخيرطة الطريق التي انبثقت عنها.

سيطر الإخوان رسمياً على قطر وأموالها ووظفوا تلك العوائد النفطية الضخمة في تمويل أنشطة التنظيم

* كيف تقرأ مستقبل الإخوان بمصر؟
- أتوقع حماقة إخوانيّة مستمرّة، وإصراراً من الدولة المصرية على تحجيم التنظيم. ولا أتوقّع أيّ تراجع للجماعة، فهم تنظيم يقتات على المظلومية وابتزاز مشاعر المجتمع، وبعض قياداتهم متغطرسة وشديدة العناد وتعشق السلطة والسيطرة بأي شكل.
كما لا يوجد أيّ انشقاق إخواني حقيقي، لكنها بعض الملاسنات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومجموعة القيادي الإخواني محمود عزت تسيطر تماماً على ما تبقّى من التنظيم، وتشرّد وتنتقم من لا يخضع له، وكثير من المعارضين تراجعوا مخافة الانتقام منهم وتشريدهم ومنع رعايتهم خاصة في الشتات.

البشبيشي: تركتُ تنظيم الإخوان وأصبحت من أشدّ أعدائهم عندما رأيت سفكهم لدماء المصريين وخيانتهم لمصر واستقواءهم بالقوى الدولية

* هل ترى أنّ المشكلة الإخوانية لها حل عن طريق الطابع الديني والأزهر، على سبيل المثال؟
-  المشكلة أساسها التراجع الكبير في ثقافة العقل العربي والمصري، حالة التخلف الثقافي، وانهيار التعليم، والانفجار السكاني، كلّها أوبئة تلتهم عقول الناس، أريد أن أقول إنّ المسألة أعقد بكثير من مجرد تجديد خطاب ديني، نحن نحتاج إلى ثورة ثقافية ننتظر القدر الذي يصنعها.
أما دور الأزهر فهو محدود وداخل دائرة التراجع الثقافي؛ لأن القائمين لن يخرجوا أبداً عمّا يعانيه العرب والمسلمون والمصريون من معوّقات ثقافية وفكرية، وهذا الكلام ينطبق أيضاً على الإعلام.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية