القصة الكاملة للصراع بين السلطات الجزائرية والأحمدية

الجزائر

القصة الكاملة للصراع بين السلطات الجزائرية والأحمدية


12/03/2018

ركزت منظمة العفو الدولية "أمنستي" في تقاريرها السنوية عن حقوق الإنسان في الكثير من بلدان العالم، على واقع المحاكمات التي طالت الجماعة الأحمدية في الجزائر، وهي القضية التي تصدرت عناوين الإعلام الجزائري خلال عام 2017، عندما شنت السلطات حملة واسعة ضد المنتسبين إلى هذه الجماعة، وصلت حسب أرقام "أمنستي" إلى محاكمة أكثر من 280 فرداً من الجماعة لأسباب تتعلّق بشكل مباشر بعقيدتهم الدينية.

منظمة العفو الدولية: الجزائر تحاكم الأحمديين لأسباب تتعلق بعقيدتهم الدينية

وبدورها أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بداية العام 2018 تقريراً مطولاً حول استمرار محاكمة الأحمديين بالجزائر. وأكدت المنظمة على لسان المتحدث باسمها إريك غولدستين، أنّ محاكمات جديدة ستُعقد في الأسابيع المقبلة. معلقاً على تصريحات وزير الشؤون الدينية الجزائري للأحمديين بالقول: "الحرية الدينية محمية دولياً، ولهذه الطائفة الحق، حسب القانون الدولي، في حرية المعتقد، وليس من حق الدولة أن تقرر من يمكنه ممارسة الشعائر الدينية ومن لا يمكنه"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.

السلطات الجزائرية تقود حملة ضد الأحمديين

من جهة أخرى ردّت وزارة الخارجية الجزائرية على هذه التقارير التي تتطرّق لعدة جوانب من حقوق الإنسان في الجزائر، مؤكدة أنّ الموضوعية "غابت عنها وأنّها تضمنت مغالطات وادعاءات"، بالمقابل اعترفت السلطات الجزائرية بأنّها تقود حملة واسعة ضد الأحمديين؛ حيث جاء على لسان وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية، أنّ وزارته ستكون طرفاً في مقاضاة أفراد من الطائفة الأحمدية اعتقلهم الأمن الجزائري أثناء صلاة الجمعة في مسكن خاص، مبرراً موقفه بالقول:"إنّ وزاراته تتبع إستراتيجية لمحاربة كل الطوائف الدخيلة على المجتمع"، لافتاً إلى أنّ الأحمديين "ليسوا مسلمين، وإنه في حالة ما اعترفوا بهذا الأمور، فيمكنهم حينها العيش في الجزائر كبقية الأقليات الدينية الأخرى".

هيومن رايتس ووتش: ليس من حق الدولة أن تقرر من يمكنه ممارسة الشعائر الدينية ومن لا يمكنه

ومن أبرز المحاكمات التي جرت عام 2017 تلك التي تخصّ زعيم الجماعة بالجزائر، محمد فالي؛ إذ يواجه ست قضايا أمام المحاكم، وقد أمضى ثلاثة أشهر في السجن. كما حُكم عليه لاحقاً في العام ذاته بالسجن عام مع وقف التنفيذ. كما حُكم عليه لاحقاً في العام ذاته بالسجن عام مع وقف التنفيذ. وكان آخر حكم صدر بحقه هو ذاك الذي نطقت به محكمة كان في عين تادلس بولاية مستغانم شمال غرب الجزائر، في أيلول (سبتمبر) بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة مالية.

التهم الموجهة للأحمديين في الجزائر متنوعة، تبدأ من "الاستهزاء بالمعلوم من الدين بالضرورة أو شعائر الإسلام"، و"المشاركة في جمعية غير مرخصة"،  و"جمع التبرّعات دون رخصة"، و"إقامة شعائر في أماكن غير مرخصة"، و"حيازة وثائق من مصادر أجنبية". أغلب هذه التهم يعاقب عليها بالحبس والغرامة، وأكبر عقوبة تصل إلى خمس سنوات سجناً.

السلطات الجزائرية تعترف بأنّها تقود حملة واسعة ضد الأحمديين

وحسب ما صرّح به فالي لـ"هيومن رايتس ووتش"، فإن الإدانات بحق الأحمديين صدرت في 123 قضية، كانت فيها العقوبات بين ثلاثة أشهر وأربعة أعوام، بينما ما يزال العشرات من المنتسبين للجماعة في مرحلة التحقيق.

من هم الأحمديون؟

بدوره صرح الناطق باسم الطائفة الأحمدية في ألمانيا محمد داود ماجوكا، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية بأنّ "وضعية الأحمديين في الجزائر تزدادا سوءاً يوماً بعد يوم"، مشيراً إلى أنه إضافة إلى الاعتقالات والمحاكمات، يُمنع الأحمديون في الجزائر من إقامة شعائرهم الدينية، أسباب التضييق قد تعود، حسب قوله، إلى رغبة السلطات الجزائرية في "استرضاء عدد من الأئمة الجزائريين المتأثرين بأفكار دينية أجنبية تضيّق على الأحمديين، موجودة في عدة بلدان كباكستان والسعودية ومصر، كما قد تكون هناك دوافع سياسية وراء هذه الحملة"، وتابع قائلاً "لا نمثل ديناً جديداً. نحن مسلمون نؤمن بالأركان الخمسة للإسلام والستة للإيمان، وبالقرآن الكريم آخر الكتب السماوية وبمحمد آخر الرسل وخاتم النبيين".

وزير الشؤون الدينية والأوقاف: الأحمديون ليسوا مسلمين، واذا ما اعترفوا بهذا، فيمكنهم حينها العيش في الجزائر كبقية الأقليات الدينية

تقول الأحمدية عن نفسها إنها "جماعة تمثل النشأة الثانية الموعودة للإسلام"، وإنها "تلك الفرقة الناجية الموعودة التي أنبأ عنها رسول الإسلام"، لأجل "تكميل تبليغ رسالة الإسلام إلى العالم كله".

تعود بدايات هذه الجماعة إلى ميرزا غلام أحمد القادياني، ولذلك تسمى أحياناً بالقاديانية. وُلد القادياني عام 1835 في إقليم البنجاب بالهند، وتصفه الأحمدية بـ"بطل الإسلام، نائب النبي في بعثته الثانية، الإمام المهدي والمسيح الموعود".

ويشير الموقع الإلكتروني للطائفة إلى أنّ القادياني كان متديناً منذ صغره إلى أن بدأ بتأليف كتاب "البراهين الأحمدية"، وهو كتاب كان "بتوجيه من الله تعالى.. إذ أوحى الله لحضرته بمهمة الدفاع عن الإسلام "، حسب المصدر السابق الذي يشير إلى أنّ القادياني تلقى أمراً من الله بأخذ البيعة، وقد بايعه مريدوه عام 1889، وهو تاريخ تأسيس الجماعة الأحمدية. وبعدها بعام، جاءه وحي من الله بأنه هو المسيح الموعود. وبعد وفاة ميرزا غلام، توارث أفراد من سلالته خلافة الجماعة ، إلى أن وصلت الإمامة إلى الخليفة الخامس، ميرزا مسرور أحمد.

غير أنّ الكثير من الهيئات الإسلامية ودور الإفتاء تنفي انتماء الأحمديين للإسلام، ومن ذلك ما قاله مجمع الفقه الإسلامي الدولي عن أنّ الأحمديين "مرتدون خارجون عن الإسلام". الحكم تقريباً ذاته يقوله مجمع البحوث الإسلامية بمؤسسة الأزهر؛ إذ يشير إلى أنّ "الأحمدية تخالف شرع الإسلام".

ماجوكا: الجزائر تضيق على الأحمديين لاسترضاء عدد من الأئمة الجزائريين وبعض البلدان

ويكمن الخلاف الأكبر بين أغلب الهيئات الإسلامية والأحمديين في مسألة نزول الوحي على ميرزا غلام؛ حيث يقول الأزهر إنه لا يمكن أن ينزل الوحي على أحد بعد رسول الإسلام. كما يوجد خلاف آخر جوهري حول مسألة "خاتم الأنبياء"؛ إذ يؤكد الأزهر أنه لا نبي بعد الرسول محمد، بينما يقول الأحمديون إن كلمة "خاتم" تعني "الكمال" وليس آخر نبي.

وبعيداً عن الجدل الديني، لا يتوقف موضوع "الحرية الدينية" في الجزائر على الأحمديين فحسب؛ بل على جميع الأقليات الدينية التي تعتبرها السلطات غير مسلمة. فإن كان الدستور الجزائري ينص في مادته 36 على أنه "لا مساس بحُرمة حرية المعتقد"، فالأحمديون يواجهون اتهامات يؤطرها قانون صدر عام 2006 حول "تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين" ينصّ على شروط متعددة لممارسة هذه الشعائر، منها طلب الترخيص المسبق من السلطات. وقد جاء هذا القانون في سياق حملة جزائرية لمكافحة التبشير المسيحي، لكنه يطال كذلك الجزائريين الذين انتقلوا إلى المسيحية.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية