عن السرقات الأدبية والقوانين الرخوة لحماية الملكية الفكرية

عن السرقات الأدبية والقوانين الرخوة لحماية الملكية الفكرية


03/01/2018

في كتابه "مقتنيات وسط البلد"، يروي الكاتب والروائي المصري الراحل مكاوي سعيد، تحت عنوان "السينمائي"، قصّة شاب قروي حضر إلى القاهرة ليعمل في مجال السينما، وبدأ حياته العملية "مشهلاتي" (شخص يقوم عنك بمهام بسيطة مقابل المال)، لكنّ طموح ذلك الشاب كان أكبر من ذلك. حتّى جاء اليوم الذي غيّر حياة ذلك الشاب، حين تحدّى العاملين في مكتب المنتج السينمائي الشهير الذى يعمل به، أن يكتب سيناريو فيلمٍ كاملٍ في 6 ساعات، وطبعاً قوبل تحدّيه هذا بسخرية الجميع، لكنّه مع ذلك أحضر مجموعة من الأفلام الأجنبية المسجلة، وجلس في غرفة يشاهدها، ثم خرج عليهم وهو يحمل بين يديه سيناريو فيلمه الأول. لكن تبيّن للحضور، بعد ذلك، أنّ الشاب القروي دمج أحداث الأفلام التي شاهدها ليكوّن منها جميعاً سيناريو فيلمه الجديد، ما عدّه الناس وقتثذٍ سرقة. وقد أصبح الشاب عضواً في نقابة السينمائيين، وله بعض الأعمال التلفزيونية، إلى جانب أنّه كتب، في السنوات الأخيرة، أحد أفلام واحدٍ من أشهر ممثلي الكوميديا، كما أكّد الكاتب في "مقتنيات وسط البلد".

وزيرالثقافة المصري: الجامعات المصرية تحتل المركز الأول في سرقة البحوث العلمية على مستوى العالم

وذكر سعيد في كتابه، أنّ ذلك الشاب القروي لم يقبل أن يُتهم بالسرقة، والمسألة برأيه لم تتعدَّ كونها "تفتيح مخ"، و"فهلوة"، وبرّر ذلك بأنّ السيناريو الذي كتبه مختلفٌ تماماً عن الأفلام التي اقتبسه منها، وذلك مجهودٌ يمنحه الحقّ في امتلاك ما سرقه.

مؤخراً، مع ثورة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، التي ضخّت بيانات ومعلومات لا تحصى، باتت عملية النسخ والاقتباس سهلةً، وازدادت الاتهامات الموجَّهة لأدباء بسرقة أعمالهم الروائية، التي نالوا بها مراتب متقدمة، وحازوا بفضلها جوائز مهمّة، مثل: رواية "الفيل الأزرق" لأحمد مراد، الذي اتُّهم بسرقة فكرتها من الفيلم الأجنبي «the tattooist»، أو رواية "313" لعمرو الجندي، وفكرتها مأخوذة من فيلم "Shutter Islan"، ورواية "عزازيل" لـ يوسف زيدان، مأخوذة من رواية "اسم الوردة"، و "ضارب الطبل"، لأشرف الخمايسي، من "انقطاعات الموت"، أيضاً، اتُّهم علاء الأسواني بسرقة فكرة رواية "نادي السيارات" من "حفلة التيس". ثم اتسعت دائرة الاتهامات، حتى أصبحت لا تلقى اهتماماً لدى القارئ، الذي يجد اتهامات السرقة لا تقابلها عقوبات للمؤلف السارق، أو سعي من أجل إعادة الحق لصاحبه الأصلي.

لم تعد السرقة تقتصر على أفكار الأعمال الأدبية بل طالت سرقة ألحان موسيقية وتعريب أغانٍ وأفلام أجنبية

تشعبت اتهامات سرقة حقوق الملكية الفكرية، ولم تعد تقتصر على سرقة أفكار الأعمال الأدبية؛ بل طالت سرقة ألحان موسيقية، وتعريب أغانٍ وأفلام أجنبية، وتقديمها للمشاهد العربي على أنّها تُعرض للمرة الأولى.

في السياق نفسه، ذكر وزير الثقافة المصري، حلمي النمنم، في تصريحات صحفية، أنّ الجامعات المصرية تحتل المركز الأول في سرقة البحوث العلمية على مستوى العالم، مؤكداً أنّه عدم كفاية الإجراءات المتَّخذة للقضاء على هذه الظاهرة.

لكن، ورغم غزارة الكتابات التي تحدثت عن السرقات الأدبية، وسرقة حقوق الملكية الفكرية، لكنّ هذه الكتابات لم تقدّم معياراً واضحاً، نستطيع أن نتحرّى وجود تعدٍّ على حقوق الملكية الفكرية من عدمه. سواء بالاستناد إلى قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري، رقم 82، لسنة 2002، أو الاتفاقات الدولية التي وقعتها مصر والدول العربية، خاصّة ما ورد في اتفاقية "برن" لحماية المصنفات الأدبية والفنية، أو اتفاقية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية "تريبس".

ليست سرقات أدبية

طبقاً لاتفاقية "برن"، والتشريعات المنظمة لحقوق الملكية الفكرية، في الدول أعضاء منظمة التجارة الإعلامية؛ فإنّ معظم الاتهامات الموجهة لأدباء عرب بالسرقة الأدبية ليس لها سندٌ قانوني؛ فالحماية، بحسب هذه التشريعات والاتفاقيات، لا تشمل مجرّد الأفكار، ولو كانت معبَّراً عنها، أو موصوفةً، أو موضّحةً، أو مدرجةً في مصنف، فالمؤلف، بذلك، لو أخذ فكرةً، وعالجها بطريقته، ثمّ قدمها بأسلوب خاصٍّ به، فإنّه يخرج من دائرة الاتهام.

عرّف القانون المصري الابتكار بأنّه البصمة الشخصية للمؤلِّف على المصنف باعتباره نتاجاً ذهنياً خاصاً بالمؤلِّف متميّز به عن غيره

طبقاً للقانون، فإنّ العمل الأدبي الذي تقع عليه حماية نصوص القانون، يجب أن يكون من نتاج الذهن، أياً كانت طريقة التعبير عنه، وتسري حماية حقوق المؤلف على النتاج، لا مجرّد الأفكار، أو الإجراءات، أو أساليب العمل. إذاً، الحماية للإنتاج المادّي المحسوس وليست للجهد الذهني.

لا يكفي أن يكون العمل ذهنياً، بل يُشترط أن يكون مبتكراً أيضاً، وقد عرّف القانون المصري الابتكار، بأنّه "البصمة الشخصية للمؤلِّف على المصنف، باعتباره نتاجاً ذهنياً خاصاً بالمؤلِّف متميّز به عن غيره".

إنّ ما صدر بقرار رئيس مجلس الوزراء المصري رقم 497، عام 2005، في اللائحة التنفيذية للكتاب الثالث من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، الصادر بالقانون رقم 82، عام 2002، لا يشترط لإثبات ملكية المنتج الإبداعي، تسجيل العمل في مكتب حماية حقوق المؤلف المصري، أو إيداع نسخٍ معينةٍ من الكتاب في دار الكتب والوثائق المصرية؛ فتلك مسائل شكلية، وطبقاً لاتفاقية "برن": لا يخضع المؤلِّف لأي إجراء شكلي، من أجل التمتع بملكية منتجه، أو ممارسة حقوقه.

أيضاً، لا تشمل الحماية الأخبار والوقائع الجارية، التي تكون مجرد أخبار صحفية، فتلك نقلها مشروع دون الإشارة لمصدرها، وتتمتع بالحماية فقط إذا تميّز جمعها بالابتكار في الترتيب، أو كانت نتاج مجهودٍ شخصي جديرٍ بالحماية.

قوانين لم تكتمل

منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية، في 15 نيسان (أبريل) عام 1994، برزت إلى جانب أزمة السرقات الأدبية، جدليات أخرى لم تحسم، تتعلق بحماية حقوق المؤلف وقانون الملكية الفكرية، وقد تضمنت الاتفاقية الجوانب المتعلقة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية، المصطلَح على تسميتها اتفاقية "التريبس"، ذلك أنّ المنتج الأدبي له خصوصية تجعل من الصعب تكييف وضعه القانوني، فهو ليس منتجاً مادّياً بالشكل الذي نستطيع أن نتعامل معه تجارياً، مثل البضائع التجارية، ويقرّ، في الوقت نفسه، حقوقاً مالية للمؤلف، تضعه داخل بند حقوق الملكية، لا الحقوق الشخصية اللصيقة بالفرد، وهي مسائل لم تحسمها قوانين دول أعضاء المنظمة حتى اللحظة.

طبقاً لاتفاقية "برن" لحقوق الملكية الفكرية فإنّ معظم الاتهامات الموجهة لأدباء عرب بالسرقة الأدبية ليس لها سندٌ قانوني

إلى جانب ذلك، توجد صعوبات في تحديد مدى حماية بعض التفاصيل الأخرى الخاصة بحقوق المؤلف، مثل عنوان المصنف الأدبي؛ إذ لا توجد مادةٌ صريحةٌ، في الكتاب الثالث من القانون، تذكر حماية العنوان. لكنّ مواد الكتاب الثاني من القانون، تناقش ما يخص العلامة التجارية، ويندرج تحت هذا القانون كلّ ما يميز المنتج عن غيره، سلعةً كان أو خدمةً، خاصّةً الأسماء التي تتّخذ شكلاً مميزاً، ...إلخ.

تفسيراً لهذا القانون؛ هل نستطيع أن نعدّ عنوان المصنف الأدبي علامةً تجاريةً تخضع لأحكامه، أم إنّ العنوان محميٌّ لأنّه جزءٌ من المصنف الأدبي غير منفصل عنه؟

في الفقرة 13، من المادة 140 من القانون المصري، وفي إطار الحديث عن المصنفات المشتقة، أي المصنفات الذي يُستمد أصلها من مصنف سابق، مثل الأغنية التي تعتمد على كلمات الشاعر وموسيقى الملحن، تنصّ المادة على أنّ هذه المصنفات تتمتع بحماية هذا القانون، وذلك دون الإخلال بالحماية المقررة للمصنفات التي اشتقّت منها، وتشمل الحماية عنوان المصنف إذا كان مبتكراً.

المنتج الأدبي له خصوصية تجعل من الصعب تكييف وضعه القانوني، فهو ليس منتجاً مادّياً حتى نتعامل معه تجارياً

بشكل غير مباشر، تحدثت المادة عن وجود حماية لعنوان المصنف الأدبي، شريطة أن يكون مبتكراً، ويقصد بالابتكار: الطابع الإبداعي الذي يسبغ الأصالة على المصنف.

وحتى تلك اللحظة، تتواجد في المكتبات المصرية عشرات الكتابات التي تحمل العنوان نفسه، وتتعدّد أحياناً، لتتجاوز العملين والثلاثة والأربعة، جميعها لها العنوان ذاته، وذلك في الكتب، أو الأغنيات، أو أفلام السينما.

فإذا افترضنا أنّ عنوان المصنف الأدبي هو علامة تجارية، فطبقاً للقانون؛ لا يستطيع أي فردٍ آخر استخدام العنوان نفسه، ويعدّ استخدامه مخالفةً للقانون، يتعرض مرتكبها للمساءلة القانونية.

الكتاب المزور

من القضايا الشائكة أيضاً، فيما يخص حقوق الملكية الفكرية، عمليات تزوير الأعمال الأدبية، وبيعها في الأسواق العربية، وسرقة الحقوق المالية للمؤلِّف والناشر، فطبقاً لتقريرٍ نشرته منظمة الجمارك العالمية، فإنّ حجم التجارة في السلع المزيفة بلغ 760 مليار دولار في العالم، عام 2010، بنسبة أرباحٍ تصل إلى 800%، بينما أرباح الهيروين، في الفترة نفسها، بلغت 400%.  وإذا وضعنا في الاعتبار حجم الخطورة، فإن التجارة في السلع المزيفة أقل خطورةً، وأكثر ربحاً، خاصّةً أنّ أغلب القضايا الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، يصبح لا محل لها من الإعراب، إذا أثبت من وجِّهت إليه التهمة حسن نيته، وأنّه لم يقصد الإضرار بصاحب حق الملكية الفكرية.

وفى السياق نفسه؛ فإنّ واضعي القوانين المنظِّمة لحماية حقوق الملكية الفكرية، لم يراعوا التطور السريع لتكنولوجيا المعلومات، والثورة التي أحدثتها "السوشيال ميديا" في حجم البيانات، حتى أصبحت المسألة في حاجة إلى إعادة تعريف كثير من المفاهيم الخاصّة في حقوق المؤلف، ووضع قوانين أكثر مرونةً، تكون قادرةً على ملاحقة زخم قواعد البيانات على شبكات الإنترنت.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية