الشعوب الواعية حصن منيع للدول الحديثة

الشعوب الواعية حصن منيع للدول الحديثة


13/06/2018

محمد حسن الحربي

المؤسسات الدينية في البلدان العربية، حاولت وعلى مدى عقود، أن تكون هي المرجعية الوحيدة التي تعتمد عليها المؤسسات السياسية، في اكتساب شرعيتها في الوجود والممارسة، وأن تكون المصدر الحقوقي الوحيد الذي (يشرعن) كل مواقفها وقراراتها، ونجحت المؤسسات الدينية في هذا الهدف، وجذرت لنفسها أكثر. في المقابل، وعلى مدى عقود أيضاً، لم تحاول المؤسسات السياسية العربية، أن تبحث عن بديل يحل محل المؤسسات الدينية، ويقوم بأدوراها، ومنها منح الشرعية المطلوبة، على الرغم من أن البديل كان واضحاً وممكناً.

المؤسسة السياسية العربية، في خلال تلك العقود، لنقل منذ خمسينيات القرن الماضي، كانت تمارس عملية الخروج المدروس على المؤسسة الدينية، وتتجاهلها، في عملية مد وجزر، ولا تستمع إليها، فتقوم الأخيرة بالاحتجاج، والطلب إليها العودة والبقاء معها على خط واحد في عملية الحكم، فكانت السلطة السياسية تلبي هذا الطلب، وتعود بلا تردد، تجنباً لإثارة أية بلبلة قد تؤثر على هيبتها في نظر رجل الشارع، واستمر الحال على هذا المنوال طويلاً. هذا التوافق أو الاتفاق، بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية في الوطن العربي، كان سببه الأول، تدني مستوى الوعي ونسبة التعليم لدى المواطن العربي.

معلوم أن التعليم تأخر في البلدان العربية، بضمنها بعض بلدان منطقة الخليج والجزيرة العربية، حيث بدأ فيها التعليم في نهاية عقد الأربعينيات من القرن العشرين، وذلك لعدة عوامل، من بينها وجود الاستعمار الأجنبي، الذي كان يحرص على عدم تواصل العرب فيما بينهم، كما أنه أسهم في تخلّف العملية التعليمية زمناً طويلاً، حتى في شكلها البدائي غير النظامي.
حينما تطورت المجتمعات العربية بفعل الوعي والتعليم، تطورت المؤسسة السياسية العربية، كذلك، وأدركت أن الخلاف مع المؤسسة الدينية أمر حتمي لا يمكن تجنبه، ليس فقط بسبب ما اعتورها من تكلس وجمود، بل لأنها ستشكل حجر عثرة في وجه التطور السياسي والتنمية الاجتماعية، وبالتالي الانفتاح على العصر ومواكبة مقتضياته. وهنا تجلى البديل على نحو أكثر وضوحاً من ذي قبل، متمثلاً باللجوء إلى الشعوب والتمترس بها حصناً منيعاً، واكتساب شرعيتها منها على نحو مباشر، مضحّية بعلاقتها الواهية مع المؤسسة الدينية، تاركة إياها أمام خيار واحد لا غيره، أن تجري عملية تحديث جذرية لنفسها ولخطابها، لربما تؤهلها لتلبية مقتضيات الراهن المعاصر.

في هذه الأثناء، اكتشفت المؤسسة الدينية العربية، عبر مجسات استشعارها، مصيرها المحتوم بفعل تطور الوعي لدى رجل الشارع ومؤسسة الحكم معاً، فقررت إفشال هذا التطور والاتجاه، وقطع الطريق على تنفيذه، فلجأت باسم الدين، إلى خطة تحشيد قطاعات واسعة من المجتمعات العربية، للوقوف في مواجهة الدولة ومؤسساتها، ومناهضتها باستخدام العنف المسلح، فوجدت فيما يزيد على الثلاثين أو الأربعين عاماً من الآن، انتشار أعداد كبيرة من التنظيمات الإسلامية المتشددة في غير مطرح في الوطن العربي، والنطاق الإقليمي، وما لبثت أن تطور الأمر بها إلى التوسع، فنقلت عملياتها المسلحة إلى بلدان أوروبية، كبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا. مقطع القول: إن الشعوب هي الحارس الأقوى لمؤسسة الحكم، والسور الأشد منعة لمكتسبات الدولة ومقدراتها، في وجه أية قوى غاشمة تريد النيل منها، داخلية كانت هذه القوى أم خارجيةً، وهذه حقيقة أدركتها بعض الدول العربية مؤخراً، لكن نصف رغيف خير من الصبر على الجوع.

عن "الاتحاد"

الصفحة الرئيسية