دورية في كابول.. عاصمة الهجمات الانتحارية اليومية

دورية في كابول.. عاصمة الهجمات الانتحارية اليومية


12/07/2018

ترجمة: علي نوار


بلا موارد، بدون تدريب بالكاد وفي حالة من الضغط الشديد، يقف أفراد شرطة العاصمة الأفغانية كابول كحاجز أخير في مواجهة الانتحاريين وضحاياهم من المدنيين.

يؤكد مراسل صحيفة "الموندو" الإسبانية، الذي عايش بنفسه أحد الهجمات في كابول "الأمتار الـ 400 التي كانت تفصلني عن الانفجار أنقذت حياتي".

يوضح الملازم أول، عبدول أياز محمودي، المسؤول عن قيادة فصيلة في المنطقة 101 أسمايي، بجادّة دار الأمان، حيث يوجد مقر البرلمان: "لا تتوفّر هنا حواجز توقف مرور السيارات المفخّخة، مثلما هو الحال في محيط المنطقة الخضراء"، هذه نقطة أمنية بسيطة ومكشوفة، وفيها يعني عمل عناصر الأمن شيئاً واحداً؛ الانتحار، حتى بالنسبة إلى ما يربو عن 20 جهادياً فجّروا هذا المكان من قبل.

أحد الأفراد الموزعين للخدمة في شاشداراك: قد يدركك الموت في أية لحظة فخطأ واحد من شأنه أن يكون قاتلاً

يوضح فرد الأمن ميرزا: "الحيلولة دون وقوع هجوم هو مسألة حظ، التدريب يلعب دوراً بالطبع، لكن كلّ شيء بين يدي الله، عملي هو حماية الناس، حتى لو كان الأمر سيكلفني حياتي"، بينما يعطي الإذن لسيارة بالعبور بعد أن تحقق من هوية سائقها والركاب المرافقين وتفتيش حقيبة العربة، ملثماً ويغطي وجهه بقناع، فيما يحمل بندقية طراز (إم 16) التي تعود لحرب فيتنام، حصل عليها كهدية من مخلفات عسكرية أمريكية، ويضيف: "ننفذ نوبات من ثماني ساعات، لكن الأمر منوط بالقادة".

اقرأ أيضاً: عبد الرشيد دوستم: من عامل بشركة بترول إلى أبرز أمراء الدم بأفغانستان

480 دقيقة على الأقل، كل ثانية منها قد تكون الأخيرة التي تسبق الانفجار التالي، ينتظر هؤلاء الشرطيون بمعدل يومي محاولة اعتداء جديدة من جانب القيادات الإرهابية، كابول مدينة مترامية الأطراف تنتشر نقاط التفتيش في جميع شوارعها ومداخلها ومخارجها، لكن هنا، مثلما هو الوضع في المنطقة الدبلوماسية ووسط المدينة، في أحياء مثل: شاشداراك، وشاري ناو، وماكرويان، أو وزير أكبر خان، تقع الاعتداءات الأكثر دموية، مثل ذلك الذي حدث في نيسان (أبريل) الماضي، وأودى بحياة 25 شخصاً، من بينهم تسعة صحفيين.

اقرأ أيضاً: تحقيق: طالبان تسيطر على 70% من أفغانستان ونفوذ داعش يتسع

تعدّ الهزارة، وهي أقلية عرقية تعيش في حي دشت برچی غربي العاصمة، أحد الأهداف المعتادة، سواء لحركة طالبان أو تنظيم داعش في خراسان، اللذين يفضلان استهداف مساجد مثل مسجد الإمام زمان، حيث قتل ما يزيد عن 100 شخص، منذ تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي؛ لذا نتوقف عند نقطة أمنية على المدخل الرئيس للحي.

تضمّ هذه النقطة الأمنية غرفة صغيرة معدنية زرقاء اللون، تبرز من فتحة صغيرة فيها فوّهة بندقية، بحيث يتمكن الشرطي من مراقبة حركة السير، هذا حاجز مثالي لوقف المهاجمين المسلّحين المترجّلين، لكنّه يصبح فخّاً قاتلاً، إذا كان المهاجم يرتدي حزاماً ناسفاً، يطلقون عليها (الخواتم الفولاذية).

اقرأ أيضاً: أفغانستان: عمل إرهابي يستهدف منظمة "لننقذ الطفولة"

يوضح أحد عناصر الأمن: "نكون عادة اثنين متمركزين هنا، لكنّ هناك قدراً أكبر من الوجود الأمني داخل الحي"، فيما يوفق وضعية جسمه داخل المكان كي يستطيع توفير قدر أكبر من الحماية للهزارة كما يطلبون.

نقاط التفتيش المرعبة تنتشر بالمدينة لتوفر التأمين للمنشآت الخاصة بالمجتمع الدولي

المنطقة صفر: القلب الدبلوماسي

نقاط التفتيش الملعونة، التي تجعل الشعر ينتصب لأن الموت يحوم في أرجاء المكان كافة، هي التي تنتشر وسط المدينة لتوفر التأمين للوزارات والمنشآت الخاصة بالمجتمع الدولي، تتواجد عادة في محيط المنطقة الخضراء والمركز الدبلوماسي، وتحظى بعناصر قوات النخبة، وكذلك القوات الخاصة في الشرطة، لكن الرصاصات يكون لها تأثير محدود على العربات أو سيارات الإسعاف المفخخة.

اقرأ أيضاً: سيّاف: إيران وراء العمليات الإرهابية في أفغانستان

لذا؛ تجري سنوياً زيادة ارتفاع أسوار المنظمات الأجنبية والسفارات، يحاولون الحصول على قليل من الشعور بأنهم يعيشون في أمان خلف الجدران الخرسانية والإسمنتية، لكن ذلك لم يؤدّ سوى إلى تكوّن فقاعة اجتماعية أفغانية تخلو من الأفغان، واقع موازٍ، وهو ما عكسه بكل وضوح الاعتداء بعربة مفخخة، في أيار (مايو) الماضي، الذي أسفر عن مقتل 300 شخص تقريباً، وتدمير أجزاء من سفارات عدة، بات واضحاً أن ما ينقص هو متفجرات أكثر شدة.

اقرأ أيضاً: كابول: داعشي يقتل العشرات في مركز انتخابي أفغاني

يعيش الجنود والشرطيون المكلّفون بالخدمة في نقاط التفتيش هذه حالة من التوتّر الهائل، هم على دراية كاملة بأنهم هدف، يقول أحد الأفراد من الإدارة الوطنية للأمن وتم توزيعه للخدمة في نقطة شاشداراك الواقعة على المدخل الشمالي للمنطقة الخضراء: "قد يدركك الموت في أية لحظة، خطأ واحد من شأنه أن يكون قاتلاً"، يخدم هذا الجندي في واحد من المداخل الرئيسة للقاعدة العامة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهي أيضاً منطقة تحوي الشركات الخاصة، ومنازل العسكريين والسياسيين، فضلاً عن القصر الرئاسي (حيث يعيش غاني)، هؤلاء جميعاً هم أهداف للجهاديين، تعرضت هذه النقطة تحديداً للهجوم في أربع مناسبات، منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهنا قتل الصحفيون.

جندي في واحد من المداخل الرئيسة للقاعدة العامة لحلف الناتو (جوالار / هانز لوكاس)

طريق القنابل

مهدّدة، هذه هي أدق كلمة تصف نقاط التفتيش على الطريق الرابط بين مطار كابول والمنطقة الدبلوماسية، وصولاً إلى النقطة الأمنية الفاصلة بميدان مسعود، هذا هو ما يطلق عليه (طريق العربات المفخخة)، نظراً لأن الجهاديين ينشطون عليه بين الحين والآخر طلباً لقتل أنفسهم، بينما يستقلون عربات مليئة بالمتفجرات، كما أنّ هذه المنطقة تشهد قدراً كبيراً من التحرّكات البرّية لممثلي المجتمع الدولي، لكن كلّ هجوم في طريق المطار يؤدي لسقوط أعداد ضخمة من المدنيين صرعى.

اقرأ أيضاً: داعش في أفغانستان الآن .. تعرف على الأسباب

في الميدان، التقت (الموندو) فردين من شرطة المرور، يرتديان أزياء موحدة بالية مصنوعة من الصوف الرمادي، فضلاً عن أنها شعثة ومتسخة، مهترئة التلابيب، أما القبعات، فهي بيضاء اللون على الطراز السوفييتي، يقطعها شريط أحمر يبدو أكثر انبساطاً من وجهي الرجلين، وبسؤالهما عما إذا كان شعوراً بالخوف يخالجهما، قال أصغرهم جميعاً: "لا"، بنبرة يكسوها الفجر، بينما يشده الآخر، ذو اللحية البيضاء والذي يحمل بيده دفتراً للمخالفات هو مصدر دخله الأساسي، من ذراعه كي يبعده. لا يروق له وجودنا، ويشير لنا أن نواصل المسير، لكن قبل أن نرحل أكد لنا الشرطي الشاب: "أسوأ هجوم هو ذلك الذي لم يقع بعد، ولا تدري عنه شيئاً"، لا ندري لم ارتسمت على وجهه ابتسامة حين قالها.

هدف الإرهابيين هو المزيد من الجدران الملطخة بدماء المدنيين الذين يوقعهم حظهم العاثر في المكان والوقت الخطأ

على يمين الميدان، يتمركز الحاجز الأمني المؤدي إلى الدائرة الداخلية بالعاصمة، نحو حي وزير أكبر خان، على بعد أمتار معدودة من المستشفى العسكري الذي تسللت إليها، في آذار (مارس) 2017، مجموعة من تنظيم داعش في خراسان، تخفّى أفرادها في أزياء أطباء وطاقم تمريض وقتلوا 30 شخصاً، تفضي نقطة التفتيش نفسها أيضاً إلى شارع وزير، الذي يضم عدداً من مداخل المنطقة الخضراء.

الهدف الأثمن للإرهابيين، بالتالي، المزيد من الجدران التي تتطاير عليها دماء المدنيين الذين يوقعهم حظهم العاثر في المكان والوقت الخطأ، حين تنفجر عربة مفخخة، تتواجد الكثير من المتاجر والشركات هنا، تشارك في نقاط التفتيش هذه كل من الإدارة الوطنية للأمن والجيش والشرطة، بعربات مدّرعة ونصف مدّرعة مزودة بمدافع رشاشة عيار 50 ملم، مثبّتة على الجزء الخلفي منها، كما أنّ بعض الحواجز تم تعزيزها بكلاب مدرّبة، تحظى نقاط أمنية قليلة في كابول بهذا القدر من الإجراءات الأمنية، اللازمة لكشف العبوات المتفجرة.

اقرأ أيضاً: فرنسيون يقودون تنظيم داعش في أفغانستان

بيد أنّ "نقاط التفتيش الثابتة هذه لم تعد كافية، تنفذ وحدتي دوريات لتمشيط المنطقة وتنصب كمائن متحركة للقبض على العناصر الإجرامية"، حسبما أوضح الملازم أياز محمودي، الذي وفد من منطقة دار الأمان؛ لأن كابول لا تعيش تحت وطأة تهديد إرهابي بلا انقطاع فحسب؛ بل تشهد كذلك عنفاً طائفياً داخل أوساط الحكومة، فضلاً عن الجرائم المرتبطة بتهريب المخدرات، لا يجب أن نتناسى أنّ أفغانستان هي المنتج الأول للأفيون على مستوى العالم؛ لذا يقرر مراسل (الموندو) الخروج لمرافقة الشرطيين في دوريتهم.

"نحن متواجدون بالتقاطع القريب من الجامعة الأمريكية"، يوضح متين، وهو أحد الشرطيين الذين أرافقهما على سطح الجزء الخلفي المكشوف من عربة خضراء تابعة للشرطة، يراقب كلّ منهما الجانب القريب منه في الشارع بحثاً عن أي تهديد محتمل، بينما يحملان بندقيتيهما طراز (إيه كي 47) في وضع الاستعداد وينمّ اقتراب إصبعيهما من الزناد عن ذلك.

اقرأ أيضاً: مسؤول روسي يكشف عدد الإرهابيين شمال أفغانستان

كل مواطن هو مشتبه فيه، وكل سيارة أيضاً، يبلغ التوتّر أقصى مداه لأنّ الإرهابيين يرتدون عادة أزياء محلية تقليدية.

يضيف متين "هذه المنطقة تكرّر استهدافها، فقدنا هنا عدداً كبيراً من رفاقنا"، لكنّ هذا الجانب من المدينة لا يشهد فقط اعتداءات ضخمة؛ بل عمليات اختطاف أيضاً، فعلى مسافة أمتار معدودة من هنا، جرى اختطاف الأستاذين تيموثي ويكس، وهو أسترالي الجنسية، وكيفين كينج الذي يحمل الجنسية الأمريكية، كانا يعملان لصالح الجامعة الأمريكية، قبل أن يتعرّضا للاختطاف في آب (أغسطس) عام 2016، لا يزال الاثنان في قبضة الجهاديين، ولا ترد بشأنهما أيّة معلومات منذ مقطع الفيديو ذلك الذي بثّ في كانون الثاني (يناير) عام 2017.

اقرأ أيضاً: أفغانستان تعتقل قائد العمليات ومسؤول التجنيد لداعش

تتكوّن الدورية من ثلاث عربات، تحمل جميعها أفراد أمن مدجّجين بالسلاح، وعربتين رباعيتي الدفع، نطوف أرجاء الأزقة التي يسهل أن يتوه المرء فيها، لا يفوّت الشرطيون أي تفصيل، يراقبون كل نافذة، كل شارع "مثالي لنصب كمين، وهناك الكثير منها"، يقول أحد الشرطيين، بالقرب من قصر (دار الأمان) العتيق، يبدأ المذياع في إعطاء التعليمات، "انتباه! فلتتوقف الدورية"، هذه هي الإشارة، يقفز الشرطيون عن السيارة التي لا تزال تتحرّك، قبل أن تقف في وسط نهر الطريق، وفي غضون خمس دقائق كان هناك كميناً متحركاً منصوباً.

اقرأ أيضاً: تعليم الفتيات في أفغانستان: معركة ضد الجهل والإرهاب

يكشف لنا رجل أمن "إذا كان من بينهم انتحارياً، فينبغي محاولة إيقافه"، عالماً بأنّ "إيقافه" قد يعني أن يكلّفه الأمر حياته، نقص الموارد وضعف التدريب الأساسي والخوف والإرهاق والتوتّر والضغط الناجم عن العيش كلّ يوم على حافّة الموت والتفكير في العائلة والأحبّاء، يمتزج كل ذلك في اللحظة التي يفتّش فيها هؤلاء الشرطيون ملابس وحقائب وسيارات، تعدّ شرطة كابول بمثابة وقود للمدفع، ورغم كلّ ذلك، فإنهم لا يتراجعون عن فكرة العودة لمواقعهم دون أن يعرفوا ما إذا كانوا سيبيتون الليلة بمنازلهم وسط ذويهم أم في المشرحة الباردة.


عمل للصحفي أمادور جوايار، صحيفة (الموندو) الإسبانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية