تعثر مسار تنقية كتب التراث الإسلامي وأزمة المؤسسات الدينية

تعثر مسار تنقية كتب التراث الإسلامي وأزمة المؤسسات الدينية


12/07/2018

أحمد جمال

كشف اعتراض شوقي علام مفتي الديار المصرية، على إحدى الرسائل البحثية بالأزهر مؤخرا، لاعتمادها على مراجع لشخصيات متطرفة، عن فشل وتقاعس المؤسسات الدينية والمثقفين والمجتمع في القيام بدورهم للمساهمة في تنقية التراث الديني الذي بات قضية مهمة في مصر بغرض وضع حد لتنامي التطرف والإرهاب.

واعترض علام على تضمين إحدى الرسائل العلمية التي كان مشرفا على مناقشتها، بمؤلفات منظّر فكر التطرف الإخواني سيد قطب، واعتبر الاعتماد على مراجع المتطرفين في الدراسات العلمية “يهدم الرؤية الصحيحة للدين الإسلامي، ويكرس التطرف الفكري الذي يعاني منه المجتمع بأسره”.

واكتفى المفتي بانتقاد ما قام به الباحث من دون عرض رؤية واضحة للمواجهة، وفي ذلك تعبير عن الرؤية القاصرة التي تسير وفقها المؤسسات الدينية في مواجهة الأفكار المتطرفة، إذ تعتمد على رسم صورة شكلية ولا تقوم بتدخل عميق لاستئصال المشكلة.

ولم تكن واقعة المفتي الوحيدة التي تشهدها مصر، فقد سبقتها واقعة كان شاهدا عليها وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، حيث أبدى غضبه من اعتماد أحد الباحثين على آراء مؤلفات تدعم الفكر المتطرف، من خلال التأكيد على أن “فكرة الوطن تسوّق إلى الإلحاد، وتقضي على الأديان السماوية”.

وفي كلية أصول الدين فرع جامعة الأزهر بمحافظة أسيوط (جنوب)، قدّم أحد الباحثين رسالة للحصول على الماجستير، امتدح فيها “الفكر الدعوي للمستشار علي جريشة”، إحدى أبرز قيادات العنف في تاريخ جماعة الإخوان، كما ألغت مؤسسة الأزهر رسالة بحثية تناقش أشعار يوسف القرضاوي.

ويشير خبراء الإسلام السياسي إلى أن التوجهات الإخوانية والسلفية تشبّعت من ينابيع الفقه الإسلامي القديمة الموجودة بالأزهر، وركزت على الولاء والسمع والطاعة وتكفير الآخر واستباحة دمه، وبالتالي فإن جماعات الإسلام السياسي وظفتها لخدمة أفكارها ودفعت أعضاءها تجاه التعلّم منها.

وذهب هؤلاء للتأكيد على أن تنقية كتب التراث من الصعب أن يجري تطبيقها بين ليلة وضحاها، وأن تطهير مؤسسة الأزهر من جماعات الإسلام السياسي التي مازالت تسيطر على القاعدة العظمى من العاملين والفاعلين فيها، لا بد أن يسبق أي عملية تجديد للأفكار.

وفي كل مرة تثار فيها مسألة تنقية كتب التراث يراوغ الأزهر بتشكيل لجنة لتطوير المناهج بغرض تنقيتها من الأفكار المتطرفة، من دون أن تكون هناك مراجعة حقيقة للآلاف من كتب التراث الموجودة داخل المكتبة الخاصة بجامعة الأزهر

وقال أحمد سالم، أستاذ الفلسفة بجامعة طنطا (شمال القاهرة)، إن المشكلة الأساسية التي تواجه تنقية كتب التراث ترتبط برفض المؤسسات الدينية التجاوب مع المبادرات الحكومية التي طرحت، وأن إجراء مراجعات فقهية وإنتاج فقه جديد يقوم على العقل ويتفاعل مع الحداثة أمران يستحيل حدوثهما في ظل قناعة شيوخه بأن كتب التراث تعتبر خطا أحمر. وأوضح سالم لـ”العرب”، أن المعوق الرئيسي يرتبط باستمرار تفاعل مؤسسة الأزهر مع مؤلفات علمائه القديمة والتي أسس بعضها لخلق التنظيمات المتطرفة على أنها أصول فقهية يجب أن يتعلّمها الطلاب خلال دراساتهم الشرعية والعلمية، وبالتالي فإن المؤسسات الحكومية عليها دور رقابي في تجفيف منابع المؤلفات التي تروّج بشكل أساسي للإرهاب قبل أن تكون هناك مراجعة فكرية لكتب التراث القديمة.

وباتت المواقف المتعددة التي تتكرر كاشفة عن بقاء الوضع عمّا هو عليه في أزمة تجديد التراث، وهي مسألة جدلية تلقي المزيد من الاتهامات على الأزهر وتقاعسه عن أداء دوره في محاربة التطرف. ويبرهن ذلك على تعامل الأزهر مع مسألة تنقية كتب التراث والمقررات العلمية في إطار سياسة إرضاء السلطة، وليس من أجل تطبيق رؤية إصلاحية يؤمن بها.

ويطرح فشل تنقية كتب التراث عدة تساؤلات بشأن الجهة التي يجب أن تفرض خطوات لمواجهة التطرف الفكري، ومدى قدرة النخب المثقفة ودعاة التنوير على تقديم رؤية نقدية لهذه المرجعيات تساهم في خلق رأي عام مؤيد لها في مواجهة جمود موقف الأزهر.

ويبدو أن مسألة تنقية كتب التراث تواجه أزمة على جميع المستويات، بدءا من الأزهر الذي لا تتوفر لديه الرغبة في الإصلاح، مرورا بمؤسسات الدولة التي تركز جهودها على المواجهة الأمنية للإرهاب من دون أن يوازيها اهتمام بالمواجهة الفكرية للتطرف، وانتهاء بالقائمين على عملية التنوير ونقد الأفكار المتطرفة ومن فشلوا في إقناع المواطنين العاديين بأهميته.

ويرى مثقفون أن ما يزيد الأمر صعوبة هو ترهّل الجهاز الإداري وانعكاس ذلك على مؤسسة الأزهر، وهي غير مؤهلة للقيام بمهمة تنقية المحتوى وإنتاج آخر حديث يركز على مخاطبة الجمهور الرقمي، بحيث يجري ترويجه عبر الإنترنت، بعد أن أصبح تشكيل وجدان الشباب في غرف خفية على الإنترنت، وليس من خلال المؤسسات الدينية التقليدية.

وتسبّبت قوانين ازدراء الأديان والتضييق على الحريات، التي أصدرها البرلمان المصري مؤخرا، بشكل عام في الحد من الأفكار النقدية لأفكار التراث القديمة، بعد أن كانت تعد بمثابة الضاغط الأكبر على الأزهر لمراجعة بعض أفكاره التي حاول توظيفها لخدمة موقفه في صراعه الخفي مع المثقفين.

وأصبح كل منتقد للفكر التراثي القديم معرّضا للاتهام بازدراء الأديان. وهو ما أدى إلى تراجع الزخم بشأنها، بل إن الأمر وصل إلى اتهام بعض شيوخ الأزهر مطالبي تنقية التراث، بترسيخ الإرهاب والتطرف.

ولا يخلو الأمر من مواءمات سياسية، لأن العلاقة بين الدولة والمؤسسات الدينية باتت من معوقات التجديد والتطوير، بسبب وجود مصالح مشتركة بين الجانين تتمثل في رغبة الأنظمة التي تواجه أزمات في الاستعانة بالهيئات الدينية لدعمها، مقابل أن تحصل الأخيرة على دعم يتجاوز ما يتم صرفه على المؤسسات التعليمية للتواجد بشكل موسع داخل المجتمع. ويعتقد خبراء أن الجهود الفاعلة من قبل مؤسسة الأزهر لتنقية تراثها القديم لن تحدث إلا في حال تخلي المؤسسات الحكومية عن دعمها، وأن أي ضغوط تمارسها الحكومة لمواجهة الأفكار المتطرفة عبر المؤسسات الدينية لن تحدث صدى لإدراكها حاجة النظام السياسي لها في ضبط حركة المجتمع.

وقال عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عبدالغني هندي، إن المشكلة لم تعد متعلقة بتفاعل الطلاب مع كتب التراث القديمة فحسب، بل ترتبط بالأفكار المغلوطة التي طرأت على هذا التراث، من خلال كتابات وضعها مفكرون قبل عقود مع بدايات ظهور جماعات الإسلام السياسي. وأضاف أن التواجد القوي للتنظيمات الإسلامية داخل جامعة الأزهر جعل هذه الكتب تحلّ محل التراث القديم، من حيث تنامي الاستعانة بها كمرجعيات فقهية، واستمرار تواجد هذه العناصر يمنع محاولات تخليص المكتبة الإسلامية من الكتب التي عملت على توظيف الآراء الفقهية لخدمة الوصول إلى الحكم.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية