ما الذي كشفته وثائق "سي آي إيه" عن أسرار الإخوان المسلمين في الثمانينيات؟

ما الذي كشفته وثائق "سي آي إيه" عن أسرار الإخوان المسلمين في الثمانينيات؟


09/09/2018

أفرجت وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" عن مجموعة وثائق خاصة بالإخوان المسلمين في مصر والدول العربية خلال الثمانينيات، وتلقي هذه التقارير الضوء على الظاهرة الأصولية الإسلامية التي صعدت وامتد تأثيرها في جميع أو معظم الدول العربية والإسلامية؛ حيث دخل بعضها في شراكة وتعاون مع الأنظمة السياسية، ومع أحزاب وتيارات سياسية مختلفة، وبعضها الآخر دخل في معارضةٍ سياسية، وأحياناً، عسكرية مع الأنظمة السياسية القائمة؛ مثل أفغانستان وسوريا.

يشير التقرير إلى أنّ الإخوان المسلمين في مصر أصبحوا قوّة رئيسية تتحدى الرئيس حسني مبارك

يشير التقرير، الذي أُعد في 21 نيسان (أبريل) 1986م، إلى أنّ الإخوان المسلمين في مصر أصبحوا قوّة رئيسية تتحدى الرئيس حسني مبارك، آنذاك، لكنّهم لن يُشكلوا تهديداً في العقد القادم، ومن المعلوم أنّها فترة أعقبت اغتيال السّادات على يد مجموعة عسكرية تنتمي إلى جماعة الجهاد، وقد وجد مبارك نفسه في حاجة للتحالف مع الإخوان المسلمين؛ لمواجهة تحدّي الجماعات المسلحة التي تواجه النظام السياسي، وأجهزته الأمنية، بقوّة السلاح، لكنه تحالف لم يوقف قلق النظام السياسي المصري من جماعة الإخوان المسلمين؛ التي دخلت في تحالفاتٍ سياسية مع حزبِ الوفد، ثم حزب العمل.

ويبدو أيضاً أنّ تأثيرها قد امتدّ في الدولة والمجتمع؛ مما جعل الرئيس المصري حسني مبارك يعرض على الإخوان المسلمين المال لعمل قانوني مرخّص وعلني، مقابل أن تتخلى الجماعة عن تحالفاتها ومشروعاتها السياسية، وأن توقف تأثيرها وعلاقاتها في الجيش والأجهزة الأمنية، لكنّ الجماعة، التي وافق نوابها الستة وثلاثون على التجديد للرئيس مبارك لفترة رئاسية جديدة ماطلت في الاستجابة لهذه الشروط، هكذا فقد تبادل الطرفان (الإخوان المسلمون والنظام السياسي) الحذر والتعاون في الوقت نفسه.

اقرأ أيضاً: 5 محن عصفت بجماعة الإخوان المسلمين

ويشير التقرير أيضاً إلى مصادر التمويل في الجماعة، وأهمها التعويضات التي حصل عليها الأعضاء من الحكومة المصرية بعد الإفراج عنهم، وقد ساعدت هذه الأموال، التي جاءت مصاحبةً للاتجاه نحو الخصخصة والانفتاح الاقتصادي، أعضاء الجماعة على إنشاء مشروعاتٍ تجارية واستثمارية، كما دخل كثيرٌ من أعضاء الجماعة ومتمولوها في شراكاتٍ مع الشركة العملاقة "المقاولون العرب"، وأنشأوا هم أيضاً سلسلة من الاستثمارات والأعمال التجارية؛ مثل مجموعة الهلال، وشركات توظيف الأموال، والبنوك الإسلامية، وفي مجالات النشر والتوزيع والإعلام، كما حصلت الجماعة أيضاً على تبرعاتٍ طائلة من أعضائها وأصدقائها في الخليج.

تناول التقرير مصادر التمويل في الجماعة وأهمها التعويضات التي حصل عليها الأعضاء من الحكومة المصرية بعد الإفراج عنهم

يقدّر التقرير عدد أعضاء الجماعة في مصر بنصف مليون عضو، وأنّ الجماعة التي أصبحت الأكثر أهمية وشعبية في الساحة السياسية، وفي الطبقات الوسطى، والنقابات المهنية؛ تسلك في تكتيكات معتدلة، وتميل إلى التعاون مع حسني مبارك ونظامه السياسي. لكنّ الجماعة على المدى البعيد تسعى إلى بناء نظامٍ سياسيّ واجتماعي واقتصادي قائم على أصولية دينية، يصطدم مع الأنظمة والاتجاهات السياسية الحديثة، وتميلُ إلى التهدئة والتعاون في هذه المرحلة لتعزيز نفوذها ووجودها بين الطبقات والمصالح والأعمال في مصر.

وفي هذه الفترة، صعد تأثير الشيخين محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، وكانت مؤلفاتهما ومحاضراتهما تلقى إقبالاً كبيراً بين الشباب الجامعيين المقبلين على الجماعة وبرامجها، فقد كان الغزالي يعمل أستاذاً في جامعة الملك عبدالعزيز في مكة وعاد إلى مصر، أمّا القرضاوي فقد كان، ولا يزال، يعمل في قطر، وكان مرشحاً مهماً لقيادة الجماعة بعد وفاة التلمساني، وربما لو قبل لكان بالفعل هو المرشد، لكنه اعتذر وفضّل البقاء في قطر، وربما تكون قيادة الجماعة وجدت لبقاء القرضاوي في قطر أهميةً أكثر من عودته إلى مصر، فقد كان يساعد في التمويل، والتنسيق لصالح الجماعة في الخليج، وأوروبا، والولايات المتحدة.

ومن قادة الجماعة الذين صعدوا في السبعينيات والثمانينيات وأدرجهم التقرير في ملفٍ مختصر لكل واحد منهم: صالح عشماوي؛ الذي كان يمتلك امتياز إصدار ونشر مجلة الدعوة، وأحمد الملط، وعباس السيسي، ومصطفى مشهور، ومحمد عبدالقدوس، ومحمد فريد عبدالخالق، وصلاح شادي.

اقرأ أيضاً: أم بن لادن والإخوان المسلمون

يتحدّث التقرير عن تنظيمٍ عسكري للجماعة يتكوّن من 3 آلاف عضو مدرّب، لكن ليس ثمة معلومات في التقرير غير ذلك، وربما يشير إلى التنظيم الخاص للجماعة؛ والذي أُنشئ في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين.

كما ويتحدث تقريرٌ صادر في 8 أيلول (سبتمبر) 1982 عن الجماعة في الدول العربية؛ حيث بدأت الجماعة تصعّد وتلعب دوراً سياسياً، واجتماعياً متنامياً في سوريا والأردن والسودان، وفي معظم الدول العربية.

دخلت الجماعة في صراعٍ سياسي وعسكري مع النظام السياسي في سوريا، وفي المقابل فقد دخلت في تحالف وشراكة سياسية مع الرئيس السوداني جعفر النميري، لكن هذا التحالف الذي بدأ عام 1977م قد انهار في منتصف الثمانينيات.

تسعى الجماعة لبناء نظامٍ سياسيّ واجتماعي واقتصادي قائم على أصولية دينية يصطدم مع الأنظمة والاتجاهات السياسية الحديثة

يقدّر التقرير أعضاء الجماعة في السودان بين 60 إلى 300 ألف عضو، لكنّ أهمية الجماعة كانت مستمدة من التأثير السياسي لها، بقيادة حسن الترابي؛ والذي شغل منصب وزير العدل ثم نائب رئيس الجمهورية، ومن امتداد الجماعة وتأثيرها في الجامعات، والفئات المتعلمة، والمهنية.

أمّا الجماعة في الأردن، فقد كانت تضم حسب التقرير 50 ألف عضو، وتشارك بقيادة محمد عبدالرحمن خليفة في تعاون وشراكة مع النظام السياسي، ويشير التقرير أيضاً إلى جيلٍ من القادة الشباب في الجماعة يعارضون التعاون مع النظام السياسي، ويختلفون مع القادة الأكبر سِناً.

ضمّت الجماعة في سوريا حسب التقرير 100 ألف عضو، لكنّها منقسمة إلى فئاتٍ عدّة؛ الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين التي أسسها مروان حديد، وتتكون من ألف عضو، وقد شكّلت نواة المواجهة المسلحة مع النظام السياسي في سوريا بقيادة حافظ الأسد، بالإضافة لمجموعاتٍ رئيسيةٍ أخرى؛ كتنظيم دمشق بقيادة عصام العطار، وحماة بقيادة عدنان سعد الدين.

الصفحة الرئيسية