الأعداد التقديرية للمقاتلين في الخلايا التابعة لداعش في إفريقيا

الأعداد التقديرية للمقاتلين في الخلايا التابعة لداعش في إفريقيا


12/09/2018

جمانة مناصرة


بعد انحسار نفوذ ونشاط ما يسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، توقع بعض المراقبين أن تنشط عمليات التنظيم الإرهابي في مناطق أخرى انطلاقاً من رؤية التنظيم العالمية. فعلياً، ينشط التنظيم منذ 2016 في جنوب شرق آسيا، ولكنه رسخ وجوده فيها بكثافة أكبر أخيراً، خاصة في إندونيسيا والفلبين. ولم تكن أفريقيا أيضاً بمعزل عن نشاط التنظيم طيلة السنوات السابقة، حيث تنشط الخلايا التابعة له في مناطق مختلفة في أفريقيا، وقد كانت مسؤولة عن عدد كبير من العمليات الدامية فيها. وقد أكد اجتماع التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي عقد أخيراً في المغرب ضرورة التركيز على وجود داعش في أفريقيا.

يُلقي هذا التقرير الضوء حول ما طرحه كل من جاسون وارنر، الأستاذ المساعد في الأكاديمية العسكرية الأمريكية وصاحب كتاب (مستقبل الدولة الاسلامية في إفريقيا)، وتشارليت هولم، الباحث في جامعة يالي الأمريكية، في تقريرهما الذي نشر في “مركز مكافحة الإرهاب” CTC، والمعنون بـ”الدولة الإسلامية في أفريقيا: الأعداد التقديرية للمقاتلين في الخلايا لتنظيم الدولة الإسلامية”، الصادر في أغسطس (آب) 2018.

في محاولة لبدء فهم المشهد الأوسع لوجود الدولة الإسلامية في أفريقيا، يعرض هذا التقرير نظرة عامة على العدد التقريبي للمقاتلين المنتمين لمختلف الخلايا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. ووفقاً للتقرير فإن البيانات المتاحة، وتقديرات الخبراء، تشير إلى وجود ما يقرب من ستة آلاف مقاتل، في الوقت الحاضر، يتبعون تنظيم الدولة، ويتوزعون على تسع خلايا، حول القارة الأفريقية.

نظرة عامة على وجود تنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا

إن الأرقام الواردة تمثل تقديرات تقريبيبة في أفضل الأحوال، حيث إن تقدير أعداد المقاتلين أمر صعب للغاية. نظراً لتعدد التحديات وقلة البيانات المتوافرة، فإن هذا التقرير لا يمثل سوى محاولة في فهم تهديدات الخلايا التابعة للدولة الإسلامية في أفريقيا. يعرض الشكل التالي لمحة موجزة عن النتائج، ويليها مناقشة لتطور أعداد المقاتلين في مختلف خلايا الدولة الإسلامية في أفريقيا.

الأعداد التقديرية للمقاتلين في الخلايا الأفريقية المختلفة التابعة للدولة الإسلامية (يوليو/ تموز 2018)

ألقى التقرير الضوء على تسع خلايا تابعة لتنظيم الدولة في أفريقيا، وهي على النحو التالي:

تنظيم الدولة غرب أفريقيا

الدولة الإسلامية في سيناء
الدولة الإسلامية في ليبيا
الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى
الدولة الإسلامية في الصومال
الدولة الإسلامية في تونس
الدولة الإسلامية في مصر
الدولة الإسلامية في الجزائر
الدولة الإسلامية في الصومال وكينيا وتنزانيا وأوغندا

تنظيم الدولة غرب أفريقيا

يُشير التقرير إلى أن جماعة بوكو حرام التي أصبحت منذ عام 2009 تحت قيادة أبي بكر شيكاو وتعرف بـ”تنظيم الدولة غرب أفريقيا” تشكل خطرا كبيرا، فقد كانت مسؤولة عن عدد من الأعمال الإرهابية، من خطف وقتل واغتصاب.

تم تأسيس “الدولة الإسلامية غرب أفريقيا” في مارس (آذار) 2015، بعدما تعهد شيكاو بالولاء للبغدادي والدولة الإسلامية، الأمر الذي أثار قلقا حقيقيا كبيرا داخل المجتمع الدولي، حيث وصف البعض ذلك بـ”زواج من جحيم”. الذي لحقه تزايد وتيرة أعمال الجماعة العنفية، خاصة تفجيراتها الانتحارية، التي شارك في تنفيذها نساء وأطفال.

اعتمد الكاتبان على التقديرات التي تصدرها وزارة الدفاع الأمريكية، لتقدير أعداد مقاتلي الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، والتي قدرته بـ(4500) مقاتل.

الدولة الإسلامية في سيناء

“أنصار بيت المقدس”، أو “أنصار القدس” هو فصيل مصري متمرد أنشئ بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في بداية عام 2011، وبعد ثلاثة أعوام باتت الجماعة فصيلاً يمثل تنظيم الدولة في سيناء. ومنذ انضمام أنصار بيت المقدس لتنظيم الدولة الإسلامية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، قامت الجماعة بشن هجمات عديدة كبرى في سيناء. كما شنت سلسلة من الهجمات ضد إسرائيل خلال الصراع الذي دار آنذاك في غزة، ثم عادت عملياتها لتركز مرة أخرى على مهاجمة مصر.

تعد جماعة أنصار الله في سيناء ثاني أكبر خلية تابعة للدولة الإسلامية في أفريقيا، تلي تنظيم الدولة غرب أفريقيا، مع ما يقدر بـ(1000) إلى (1500) مقاتل. ومن المثير للاهتمام بشكل خاص هو الاتساق النسبي في أعداد مقاتلي الدولة الإسلامية في سيناء تبعا للعديد من المصادر، حيث إن الغالبية العظمى من المصادر المفتوحة تفيد بأن عدد المقاتلين في الجماعة يتراوح ما بين (1000) و(1500) مقاتل، لذلك اعتمد الكاتبان متوسط هذه البيانات.

الدولة الإسلامية في ليبيا

وفقا للتقرير، فإن تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا قد نال اهتماما كبيرا، لذلك، كانت البيانات حول أعداد مقاتليه الأكثر قوة وشمولية مقارنة بما هو معروف عن الخلايا الأفريقية الأخرى. قدرت منظمة الأمم المتحدة أعداد المقاتلين في التنظيم بـنحو (2000) مقاتل في نهاية عام 2015. وبحلول أبريل (نيسان) 2016، قدرت وزارة الدفاع الأمريكية أعدادهم ما بين (4000-6000) مقاتل. وبعدها تمكنت القوات الليبية إلى جانب الجهود الأمريكية من طرد مقاتلي الدولة الإسلامية من المدن الكبرى، باتت تُشير التقديرات إلى أن أعدادهم لا تتجاوز الخمسمئة مقاتل في الوقت الحاضر.

الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى

صعد تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى في مايو (أيار) عام 2015، عندما أعلن أبو وليد الصحراوي، القيادي البارز في جماعة “المرابطون” الولاء للبغدادي ومبايعته، بعد أن رفض القائد العام لـ”المرابطون” مختار بلمختار انضمام الجماعة للقاعدة، وشكل خلية تابعة لتنظيم الدولة في مالي، باتت تعرف فيما بعد بـ”الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”.

قامت الجماعة بشن هجمات عدة خلال عام 2016، التي تضم محاولة تنفيذ هجوم في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016، الذي استهدف سجن كوتوكالي في نيامي، كما كانت مسؤولة عن عملية كمين تونغو تونغو، وكان قد أسفر عن مقتل أربعة أمريكيين، وخمسة نيجيريين، يذكر أن هذه الأحداث قد أسهمت في بروز دور الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

تشير التقديرات المتوافرة إلى أن عدد المقاتلين قد بلغ حوالي (40) مقاتلا في مايو (أيار) 2015. وتبعا لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية اعتبارا من أبريل (نيسان) 2018، فإن أعداد المقاتلين التابعين للمجموعة يصل إلى (300) مقاتل.

صورة من فيديو للتنظيم في الصحراء الكبرى تظهر القائد عدنان أبو وليد الصحراوي

الدولة الإسلامية في الصومال

يلفت التقرير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية قد ظهر بالصومال في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، عندما أعلن مؤيد حركة الشباب السابق عبدالقادر مؤمن الولاء لتنظيم الدولة. وعلى الرغم من أن هذا الولاء لم يتم الاعتراف به رسميا، فإن الدولة الإسلامية في الصومال قد ضاعفت وتيرة عملياتها طوال عام 2018. حيث أعلنت الدولة الإسلامية في الصومال مسؤوليتها عن (67) هجوما، ومع ذلك، يُشير التقرير إلى أن التنظيم لا تزال قدرته قاصرة على تحدي حركة الشباب في الهيمنة الجهادية في الإقليم.

أشارت مجلة (لونغ وار جورنال) إلى أن فصيل الدولة الإسلامية في الصومال يضم عشرين مقاتلا فقط، وكان هذا التقدير في 2015. ووفقا للمصدر ذاته، بعد عام، قدرت المجلة أعداد المقاتلين في الجماعة بعد قيامها بتنفيذ هجوم بارز استهدف الاستيلاء على ميناء قندالا الواقع شمال شرق الصومال بـ(200-300) مقاتل. ويلفت التقرير إلى انخفاض أعداد المقاتلين في نهاية عام 2016، أي بعدما تمكنت السلطات الصومالية من طرد الجماعة من قندالا.

يُشير التقرير إلى ازدياد أعداد المقاتلين في التنظيم بعد ذلك، نتيجة حملات التجنيد، والتي شملت استهداف الأطفال الذين لم يبلغوا من العمر عشر سنوات، تذبذبت التقديرات واعتمد التقرير متوسط البيانات المتاحة المقدر بـ(150) مقاتلاً.

الدولة الإسلامية في تونس

أشار التقرير إلى أن الدولة الإسلامية قد تشكلت في تونس خلية أفريقية صغيرة تتبع لتنظيم الدولة، التي أنشأت عندما أعلنت جماعة تسمى “جند الخلافة” بالولاء لقيادة تنظيم الدولة الإسلامية المركزية.

ويلفت الكاتبان إلى اختلاف التقديرات حول أعداد هذه الخلية، ويبقى الإجماع على أن المجموعة صغيرة. ووفقا لخبير تونسي وصل عدد مقاتلي المجموعة في يونيو (حزيران) 2018 إلى (90-100) مقاتل.

الدولة الإسلامية في مصر

قام تنظيم الدولة في مصر بارتكاب أعمال إرهابية عدة، وكان قد أعلن مسؤوليته عن تفجير مركبة في يوليو (تموز) 2015، تتبع القنصلية الإيطالية في القاهرة. إلى جانب مسؤوليته عن أحداث أحد الشعانين عام 2017، حيث استهدف التنظيم كنائس المسيحيين الأقباط، في كل من طنطا وتلتها الإسكندرية، وقد راح ضحية هذه الهجمات الإرهابية (45) شخصا. تتراوح التقديرات المختلفة لعدد المقاتلين التابعين لتنظيم الدولة في مصر ما بين (100) و(150)  مقاتل، وقد اعتمد الباحثان المتوسط، أي حوالي (75) مقاتلاً.

الدولة الإسلامية في الجزائر

تم تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في الجزائر في سبتمبر (أيلول) عام 2014. يذكر أن الجماعة كانت مسؤولة عن مقتل السائح الفرنسي ايفير جورديل الذي قبض عليه وقطع رأسه في العام نفسه. مدعية أن العملية تشكل ردا على الضربات الجوية الفرنسية على العراق. لاحقا أصبحت الجماعة تجتذب مجموعات منشقة. وكان أحدث هجوم لها قد وقع في أغسطس (آب) عام 2017، على (جبل الوحش).

لاحقا، قتل زعيم المجموعة عبدالمالك غوري على يد قوات الأمن الجزائرية، وتلاشى التنظيم، وبات عدد المقاتلين النشطين فيها قليلاً جدا، أقل من (25) مقاتلا.

الدولة الإسلامية في الصومال، كينيا، أوغندا

يلفت التقرير إلى تشكل جماعة تسمى “الدولة الإسلامية في الصومال وكينيا وتنزانيا وأوغندا”، أو “جبهة أفريقيا الغربية” في أبريل (نيسان) 2016، بجهود محمد عبد علي، ولكن لاحقاً، تم اعتقاله في مايو (أيار) من العام نفسه، لتآمره على نشر الجمرة الخبيثة في كينيا. كان العنف الذي مارسته المجموعة محدودا، ويلفت التقرير إلى أنه ليس من الواضح تماما إن كانت لا تزال فاعلة، ويفترض الكاتبان أن عددهم أقل من (25) مقاتلا، إن وجد.

قدر الخبراء عدد المقاتلين في مختلف الخلايا التابعة للدولة الإسلامية في أفريقيا، ولكن يعتقد الباحثان أنه من المفيد أيضاً عقد مقارنة بين هذه الأرقام مع أعداد المقاتلين في التنظيمات الجهادية وغير الجهادية الأخرى في أفريقيا. كما هو موضح في الشكل رقم (2).

عدد المقاتلين التقديري في المنظمات المتطرفة المختلفة في أفريقيا (يوليو/ تموز 2018)

اعتبر مجلس العلاقات الخارجية حركة الشباب الصومالية كأكبر فصيل في القارة غير تابع لتنظيم الدولة، مقدرا أعداد مقاتليه ما بين (300-6000) مقاتل خلال يناير (كانون الثاني) 2018. بينما قدرت وزارة الدفاع الأمريكية أعداد مقاتليه ما بين (4000-6000) مقاتل. لذا اعتمد التقرير على متوسط هذه البيانات. كما يوضح التقرير أن (جماعة نصر الإسلام والمسلمين) تعد ثاني أكبر فصيل في القارة الأفريقية غير تابع لتنظيم الدولة، يقدر عدد مقاتليها بـ(800) مقاتل تبعا لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية.

كما تشكل (جماعة المقاومة للرب) أصغر فصيل إرهابي أفريقي غير تابع لتنظيم الدولة مع عدد مقاتلين يقدرون بأقل من مئة مقاتل.

يخلص التقرير إلى وجود اختلافات في حجم الفصائل المختلفة التابعة لتنظيم الدولة في أفريقيا. مشيرا إلى أن أعداد المقاتلين داخل التنظيمات يتأثر بعوامل معقدة ومتعددة، حيث يمكن النظر إلى عدد من العوامل المؤثرة مثل درجة وطبيعة المنافسة بين الميليشيات، وفعالية جهود مكافحة الإرهاب ضد هذه التنظيمات، كما تلعب روابط التنظيمات وعلاقاتها عبر الوطنية بعدا آخر. ولاحظ الباحثان أن التنظيمات التابعة للدولة الإسلامية تكون أصغر في حال كانت الخلايا قد نشأت في دولة أو إقليم انضم أعداد كبيرة من المقاتلين فيه للقتال في سوريا والعراق. كما أن الخلايا التي بايعت تنظيم الدولة في وقت مبكر، أي قبل عام 2015، قد تمكنت من اجتذاب أعداد كبيرة من المقاتلين مقارنة بغيرها.

في الختام:

أسهم التقرير في تقديم صورة تقريبية وشاملة عن أعداد مقاتلي الخلايا المختلفة التابعة لتنظيم الدولة في أفريقيا، وبالرغم من كون الأرقام تقديرية، فإنها توحي بخطر الإرهاب الذي تعاني منه الدول الأفريقية، والذي لن ينعكس عليها وحدها بالتأكيد. هذا إلى جانب حضور جماعات إرهابية أخرى تتبع لتنظيم القاعدة وغيره في القارة الأفريقية، المسألة التي تستدعي إلقاء الضوء عليها والسعي لبذل المزيد من الجهود لمواجهتها، في منطقة مضطربة تضم صراعات متعددة ودولاً هشة وسط تنافس إقليمي ودولي.


عن "المسبار"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية