أردوغان يكرر خطأه السوري مع السعودية

أردوغان يكرر خطأه السوري مع السعودية


04/11/2018

لا يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد استفاد من أزمات بلاده الحادة مع روسيا أو سوريا أو مع الولايات المتحدة، حيث يستمر في رهن المصالح الاستراتيجية التركية لمواقف شخصية مغالية في التنطع وتحالفات أيديولوجية مع جماعات إسلامية متشددة ومع قطر، وهو ما تعكسه حملة الابتزاز التي يستمر فيها أردوغان ضد السعودية من خلال إدارته أزمة جمال خاشقجي في تكرار لنفس أخطائه في سوريا.

ويقول مراقبون أتراك إنه رغم تراجع قضية خاشقجي إعلاميا وسياسيا بعد تقديم الرواية السعودية لما جرى، فإن أردوغان يستمر في مساعيه لترك القضية حية عبر إضافة تسريبات جديدة وإلقاء المزيد من الأسئلة والفرضيات حتى يستمر في ابتزاز السعودية بشكل لا يوحي بأنه لا يبحث عن مزايا اقتصادية أو عن انفتاح سعودي تجاه أنقرة، وأن الهدف يتجاوز المصالح التركية المباشرة إلى حسابات أخرى عابرة لمفهوم الدولة والعلاقات الاستراتيجية لأنقرة.

ويشير هؤلاء إلى أن التسريبات التركية المتتالية تستهدف النيل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومحاولة الإيحاء بأن أردوغان حريص على مصلحة السعودية، وتبرئة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز من أي علاقة بقضية خاشقجي.

وقال الرئيس التركي في مقال بصحيفة واشنطن بوست الجمعة إن الأمر بقتل خاشقجي جاء من “أعلى مستويات” الحكومة السعودية، و“لا أعتقد ولو لثانية أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أمر بقتل خاشقجي”.

وأضاف “يجب علينا الكشف عن هويات العملاء الذين كانوا وراء مقتل خاشقجي وكشف هؤلاء الذين وضع فيهم المسؤولون السعوديون ثقتهم وما زالوا يحاولون التستر على جريمة القتل”.

وتتهم أوساط تركية أردوغان بتنفيذ أجندة قطرية في حملته على ولي العهد السعودي، مشيرة إلى أن الدوحة تحرك أردوغان من وراء ستار لتنفيذ أجندتها ضد السعودية، وأنها تعتقد أن الأمير محمد بن سلمان يقف بقوة وراء المقاطعة الرباعية ضدها، وأنه لم يعد يهتم لتحركاتها الجانبية والوساطات التي تحشدها لفتح كوة في جدار المقاطعة، لذلك تعمل على استهدافه من البوابة التركية.

وتعتقد دوائر خليجية أن شحن قطر لأردوغان ضد السعودية لا علاقة له بالأمير محمد بن سلمان بشكل مباشر، فقبل أن يتولى الملك سلمان العرش كان القطريون يتحركون في كل اتجاه ضد السعودية، فقد اشتغلوا مع أردوغان، كما حرضوا الرئيس السوري بشار الأسد على السعودية وأفسدوا علاقة تاريخية معها قبل الحرب الأهلية ثم انقلبوا عليه وساعدوا الحركات المتشددة على الدخول إلى سوريا وفتحوا أمامها أبواب الدعم بالمال والسلاح والمقاتلين.

وحرض القطريون بعد ذلك أردوغان على الأسد وأفسدوا علاقته معه رغم أن الرئيس السوري هو من أعاد الاعتبار لتركيا بعد أن ظلت أسيرة للتاريخ العثماني وتركته الثقيلة وسمعته السيئة، والآن يعيدون الكرة مع أردوغان والسعودية وهو منساق متحمس في عداوته للأمير محمد بن سلمان ويريد أن يوحي بأن الأمر مع الأمير فقط وليس مع السعودية عبر امتداح الملك سلمان.

ويرى محللون أن التأثير القطري في التصعيد التركي واضح، مشيرين إلى أن أردوغان لو كان يحتكم إلى المصلحة التركية لكان اختار الاستفادة من قضية خاشقجي لإعادة تحسين العلاقة مع السعودية مع ما يحمله الانفتاح على الرياض من فرص كبيرة للمساعدة في إنقاذ الاقتصاد التركي، فضلا عن كسر المقاطعة الواسعة للحضور التركي في الخليج وفي المنطقة العربية ككل، ولا انفتاح دون المرور من البوابة السعودية.

وتقول المعارضة التركية إن أردوغان لم يكن يبحث عن إغلاق قضية خاشقجي من بوابة قانونية وإلا كان زود السعوديين بما يمتلك من “حقائق” للمساعدة في إغلاق الملف في سياق “التحقيق المشترك”، لكنه لا يرى من التعاون القضائي سوى جلب المتهمين من الرياض ومحاكمتهم في تركيا لتحويل القضية إلى محاكمة سياسية واستثمارها في حرب خفية على ولي العهد السعودي.

وأكد كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، أن “أردوغان طرف في الجريمة لأنه سمح للقتلة بمغادرة إسطنبول”، متسائلا إذا كانت الأجهزة الأمنية التركية على علم بما جرى، وفق ما تقول التسريبات، فلماذا سمح للمتهمين بالمغادرة ثم المطالبة بجلبهم لاحقا.

ويعزو المحللون الحرب الخفية على ولي العهد السعودي إلى الخوف من سعودية جديدة تغادر مربع التشدد وتنفتح على العالم وتصبح مركز الشرق الأوسط، مشددين على أن الخلاف في أصله يعود إلى اختلاف المقاربة بشأن زعامة العالم الإسلامي.

ويعتقد على نطاق واسع أن الحث القطري يدفع الرئيس التركي إلى الوقوع في تناقضات جلية حين يبحث عن استرضاء السعودية عبر امتداح الملك سلمان، والتحريض، وإن بشكل غير مباشر، على ولي العهد. ويلفت المحللون إلى أن السعودية الجديدة التي يعمل الأمير محمد بن سلمان على الوصول إليها ليست اختراعا شخصيا، بل هي توجه عام للمملكة يرعاه الملك سلمان نفسه.

وفتح الملك سلمان أمام تركيا أبواب التعاون واسعة، لكن مواقف أردوغان المتناقضة كانت سببا مباشرا في الاستدارة السعودية ضد تركيا، فسبق أن تحمس الرئيس التركي للعب دور فعال في تحالف إسلامي دعته إليه الرياض، لكن تراجع بشكل سريع عبر التمسك بالتحالف مع إيران، وهو يعرف من البداية أن التحالف الإسلامي يتأسس لكبح جماح إيران ووقف تدخلاتها في شؤون دول المنطقة.

وزادت الأزمة القطرية في توسيع الهوة بين أنقرة والرياض، حيث ظهر جليا أن الرئيس التركي قد انحاز للتحالف الأيديولوجي مع الدوحة وجماعات الإسلام السياسي على حساب تحالف المصالح مع السعودية وبقية الدول الخليجية ومصر، وبات من الصعب البحث عن أي أرضية مشتركة.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية