لماذا تتردد المدارس في قبول الأطفال المصابين بالسكري؟

التعليم والصحة

لماذا تتردد المدارس في قبول الأطفال المصابين بالسكري؟


15/11/2018

في كلّ مرّة كانت أماني إبراهيم تيمّم وجهها شطر مدرسة حكومية؛ لاستطلاع إمكانية تسجيل ابنها البكر محمد، كانت تستذكر مقولة سَمِعَتها في فيلم أجنبي "الابن كالوشم على الوجه؛ لا يُنسى ولا يُمحى".

محمد، الذي كان يبلغ من العمر عاماً ونيفاً، حين أُصيب بالسّكري، بات يناهز التاسعة الآن، لكن حصيلة طلبات الالتحاق المروّسة باسمه تزيد على ثلاثة عشر طلباً، موزّعة على مدارس حكومية وخاصة، بحسب أمه.

اقرأ أيضاً: 6 طرق دولية مبتكرة لتطوير التعليم في المدارس

تستذكر اتصالاً تلقّته من مديرة مدرسة ابنها الحكومية في منطقة "أبو نصير" بالعاصمة الأردنية، حين عاجلتها بالقول: "تعي خذي محمد، حتى لا تجيبيه على الامتحانات النهائية، خلص بحطّله علامة منيحة".

يشير محمد الذي اعتاد على نوبات انخافض السكر عنده إلى أنّ حالة الهلع التي تصيب المعلمات تسبّب له إرباكاً

لم يكن ذلك الاتصال محض صدفة؛ إذ سبقته محاولات "تطفيش" مهذبة من الإدارة، تارة من خلال قول "خايفين من مسؤولية محمد"، وتارةً أخرى بالتذرّع بعدم وجود ممرضة مؤهلة للتعامل مع أيّة حالة انخفاض في السكري، حتى أتى الطلب الصريح آنفاً "عند أوّل حالة إغماء أُصيب بها محمد، رغم أنّني أفهمته أنّ عليه تناول التمر الذي وضعته له، بمجرد أن تبدأ الأعراض، وهكذا فَعَل"، تقول أمه.

طافت أماني وابنها على عدد من المدارس الحكومية والخاصة، غير أنّ الرفض كان يأتي على أشكال عدة، حتى اهتديا لمدرسة خاصّة "تقبّلت الوضع بامتعاض"، كما تقول.

اقرأ أيضاً: صلاة الأطفال في المدارس: العب يلا!

تضيف "ليس في المدرسة الجديدة ممرّض أو طبيب، لكنّ قسطها مناسب، وهي قريبة من عيادة طبّية".

طافت أماني وابنها على عدد من المدارس غير أنّ الرفض كان يأتي على أشكال عدة

يبدو محمد واثقاً حين يتحدث عن حالته، يقول: "بس أدوخ باكل تمر وبشرب عصير. تعوّدت"، بيد أنّه يستدرك بأنّ حالة الهلع التي تصيب المعلمات، حتى في المدرسة التي ينتظم فيها حالياً تسبّب له إرباكاً، "هم بكونوا خايفين، وأنا بكون عارف أنه عادي، حتى بحكيلهم لا تتصلوا بماما".

يقول محمد لـ "حفريات" إنّ معلماته لا يُفضّلن اشتراكه في حصّة الرياضة، أو المسابقات التي تتطلّب الركض، غير أنّه لا يلبث أن يشارك بقدر ما يستطيع، على حدّ قوله.

اقرأ أيضاً: المنهج الخفي في المدارس وتلقين التطرف

لهديل عُمر، التي أنهت الثانوية العامة، العام الماضي، حكاية مشابهة، وإن كانت المدارس الحكومية بطَلَتها الحصرية.

تقول هديل لـ"حفريات" إنّها أُصيبت بالسكري منذ نعومة أظفارها، ما دفع والديها لإلحاقها بمدرسة حكومية قريبة من البيت.

اقرأ أيضاً: كيف صار موتُ الأطفال في البحر الميت "غضباً من الله"؟

كانت هديل تجزع من خوف المعلمات أمام حالة الدوار، التي تصيبها أحياناً، والتي ترمز لهبوط السكر، كما كنّ يخشين من رؤية إبر الأنسولين، ما دفع والدتها، طوال المرحلة الأساسية، للقيام بهذه المهمة في غرفة الإدارة.

كبُرت هديل وباتت قادرة على السيطرة على الموقف وحدها، بحسب قولها، غير أنّ "نظرة الشفقة أو الخوف أو التعامل مع السكري كمرض مرعب" كانت تزعجها، "سواء كانت من المعلمات أو الإدارة أو حتى الطالبات".

الرفض

لأجل استطلاع ردّة فعل مدارس حكومية وخاصة حيال تسجيل الأطفال المصابين بالسكري، كان لا بدّ لكاتبة التقرير، من تقمّص دور والدة طالبة تارة، وطالب تارة أخرى، والتوجّه لمدارس عدّة؛ لسؤال الإدارة عن إمكانية الالتحاق، في ظلّ إنكار معظمها حالات الرفض، وفي ظلّ تأكيد وزارة التربية والتعليم، على الدوام، منعها حدوث تمييز ضدّ الطلبة تحت أيّ ظرف كان.

كانت هديل تجزع من خوف المعلمات من حالة الدوار، التي تصيبها كما كنّ يخشين من رؤية إبر الأنسولين

حاولتُ مساعدة المديرة في مدرسة في منطقة الجندويل تقديم الإجابة الرافضة بأكثر الطرق لباقة، حين سُئلت عن إمكانية التحاق الابنة المصابة بالسكري، فكان الحوار الآتي:

- "أين تسكنين؟".

- "بين الدوار السابع والثامن، غير أنّ عائلتي، التي سأضع الطفلة لديها، هنا في الجندويل".

- "الأولوية لمن يسكن إلى جانب المدرسة، حتى أنّ المديرة تطلب عقد إيجار أو ملك لمعرفة مكان السكن بالضبط، لماذا لا تختارين لها مدرسة قريبة من مكان سكنك؟".

- "لأني أريدها قريبة من أمي، وسأغيّر مكان سكني للجندويل قريباً".

- "كم تدفعين إيجاراً هناك؟".

- "250 ديناراً".

- "آه بس أصلاً مش رح تلاقي في الجندويل بيت بهيك مبلغ، بقترح تشوفي في منطقتك مدارس".

اقرأ أيضاً: "الفنّ لا يغني من جوع" ... هكذا شوّهوا أطفالنا

استمرّ الحديث، غير أنّ قبولاً واضحاً لم يحدث، لتأتي المديرة بشكل طارئ، وتبدي عدم تحمّسها للموضوع، كان هذا من خلال ملامح الوجه الممتعضة، ومن ثم السكوت، بعد قليل أجابت أنه لا يمكن لها السيطرة على موضوع المقصف حين تكون طالبة ما مصابة بالسكري.

أكملت مساعدتها بالقول إنّ لديهم طالبة تعاني من السكري، بيد أنّ من تعطيها إبرة الأنسولين هي شقيقتها الأكبر منها؛ إذ لا توجد ممرضة أو طبيبة في المدرسة.

في مدرسة في جبل عمّان، كان السؤال عن إمكانية تسجيل الابن المصاب بالسكري، لتأتي الإجابة "يعني إذا بدك الصدق، في حال قبلت رح يكون على مضض".

اقرأ أيضاً: صور الأطفال التي هزّت العالم...هل هذا ما حدث فعلاً؟

تقول المديرة إنّها آسفة جداً لسماع حكاية كهذه، وإنّها متعاطفة أيّما تعاطف مع الظرف، غير أنّها لا تدّعي قدرتها على تحمّل مسؤولية حالة صحيّة كهذه.

وتكمل بأنّها كانت تعاني صعوبات في تعاملها مع حالة طالب مصاب بالصرع، قائلة: إنّها في مرات كانت تترك عملها الإداري، ولا تتوقف عن متابعته خوفاً عليه، وتتساءل "لو طالب مريض وقع وطبّ ساكت، أنا شو أعمل؟".

بدأت المديرة باقتراح الحلول، وتسمية مدارس قريبة؛ لاستطلاع إمكانية التسجيل فيها.

قبل الخروج من المدرسة، أعيدَ السؤال بوضوح "طيب لو ما حدا قبِل ابني، أرجعلك؟"، لتأتي الإجابة "لفّي وشوفي وإذا ما حدا قِبل وقتها لكلّ حادث حديث".

اقرأ أيضاً: زواج الأطفال: هل تصطدم الفتاوى بالحقائق العلمية؟

في مدرسة أخرى في جبل عمّان، حاوَلت الإدارة اجتراح حلّ إلحاق الطفلة بمدرسة خاصة، وحين كانت الإجابة بأنّ والد الطفلة المُقال من الخليج لا يستطيع تدبّر أمر الرسوم، اتجه الحوار نحو طرح العراقيل، التي وصلت حتى قول "طيب كيف رح تسوقي في المطر والبرد؟"، رغم إبداء أتمّ الاستعداد لنقل منطقة السكن من الدوار الثامن إلى جبل عمّان.

انتهى الحوار بعبارة "إذا لفّيتي وما حدا قبِل بنتك، خلص جيبيها، من ناحية إنسانية رح أقبلها ومش رح أكسفك"، مستدركة "بس بدك تعرفي إنه الوضع مش سهل، وإحنا هون لا عنا ممرضة ولا طبيب، ولازم الحضور صباحاً على الوقت، ممكن يكون الشيء هذا صعب في حالة الطالبة المصابة بالسكري".

اقرأ أيضاً: زوّادة التعصب: هدر مشاعر أطفالنا

إدارة مدرسة في منطقة أبو السوس، أعطَت قبولاً مبدئياً، بعد أن حاولت الإقناع بطرق شتى إلحاق الطالب بمدرسة خاصة، تضمن له رعاية صحية جيدة، وعند سوق ذريعة الوالد المُقال، جاء سؤال السكن مجدداً "طيب شو في مدارس أقرب عليك؟"، رغم القول بإنّ البيت في أبو السوس.

بعد هذا، جاء ردّ المديرة بأنّه لو تمّ القبول، فإنّ على الأم الحضور بنفسها لإعطاء الطفل إبرة الأنسولين، مردفة أنّها في مدارس حكومية أخرى كانت تتصل بالأهل ليصحبوا ابنهم في حال إصابته بأيّ توعّك؛ إذ لا يوجد ممرّض ولا طبيب في المدرسة.

وفي وقت أكّدت فيه رئيسة جمعية "إرادة" لمرضى السكري من الأطفال، سيما كلالدة، وجود شكاوى على مدارس خاصة، لا حكومية، لم تقبل بطلبة يعانون من السكري، فإنّ مدارس خاصة أخرى قليلة، أبدَت ترحاباً لافتاً بمجرد سؤال القائمين عليها عن إمكانية الالتحاق.

الطبيبة بمدرسة "الرضوان" قالت إنّها تبدأ دوامها مع الطلبة وتنهيه معهم

الطبيبة الموجودة في مدرسة "الرضوان" تولّت التواصل بنفسها، قائلة إنّها تبدأ دوامها مع الطلبة وتنهيه معهم، وأنها قادرة على تدارك الحالة، لتؤكد الإدارة أنها لا تتقاضى مبالغ إضافية نظير العناية الطبية بالطالب، وهو ما ذهبت إليه إدارة مدرسة "المعارف"، التي أكّدت وجود طبيب طوال ساعات الدوام، ودون رسوم إضافية حتى على الطالب الذي يحتاج من يعطيه إبر الأنسولين بانتظام.

تقول كلالدة لـ "حفريات": إنّه في حال ورود شكوى من هذا القبيل، فإنّ الجمعية تتولّى الاتصال بالمدارس مباشرة "لكن من دون جدوى"، على حدّ تعبيرها، مردفة أنها تعرّضت لردّات فعل سلبية في مرات أفصحت فيها عن اسم المدارس التي ضيّقت على الطلبة المصابين بالسكري.

اقرأ أيضاً: أمّهات في أقبية الموت وأطفال في ظلمة التيه

تعود كلالدة لفترة ماضية، كانت تخاطب خلالها وزارة الصحة "لإيجاد آلية تعديل لأغذية الأطفال في المدارس، لكن دون جدوى أيضاً"؛ إذ إنّ الشكاوى الواردة لجمعيتها حيال مدارس حكومية تناولت جزئية المقصف، الذي لا يقدّم خيارات صحية.

مصطفى طلال، أحد القائمين على "الفريق الأردني للسكري"، يقول: "ترد عدة شكاوى إلى الجمعية، من طلبة يعانون من السكري؛ إذ تلجأ مدارسهم إلى منعهم من المشاركة في الأنشطة المدرسية والرحلات، عدا عن التمييز داخل الغرف الصفية".

يسوق  طلال، في حديثه لـ"حفريات"، مثلاً عن شكوى جاءت من طالبة فُصِلت من مدرستها بسبب إصابتها بالسكري، وبعد التحقيق في الأمر؛ أعادت الإدارة الطالبة، غير أنّها هذه المرة لم تعد تشعر بالارتياح، ما دفع والدها لنقلها إلى مدرسة أخرى.

اقرأ أيضاً: الأطفال الذين نسيهم العالم

يضيف "الأساس هو دمج هؤلاء الطلبة مع أقرانهم وعدم إشعارهم بوجود ظرف خاص، مع تأهيلهم ليكونوا قادرين على التعامل مع الحالات الطارئة بوجود ممرّضين"، مستدركاً "يجدر بالإدارة دوماً أخذ مسألة الغيابات المتكرّرة لطفل السكري بعين الاعتبار".

يُعلّق الناطق باسم وزارة التربية والتعليم، وليد الجلاّد، على ما سبق، بقوله "تتعامل الوزارة بجدية مع أيّة شكوى تمييز بحقّ الطالب، بغضّ النظر عن السبب"، مستدركاً "غالبية الشكاوى التي ترِدنا تتعلّق بذوي الاحتياجات الخاصة ومن يعانون من فرط الحركة".

ووفق الجلّاد؛ فإنّ ما يزيد على ستة آلاف طالب يعانون من السكري، مؤكداً أنّ أيّ تمييز ضدّ الطلبة، لأيّ سبب كان، "يتناقض مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وقانون التربية والتعليم، وكذلك الدستور".

البند الأهم يتمثل في ضرورة تواجد ممرض أو طبيب في عيادة المدرسة

ورغم التطرّق لجزئية المقاصف من قِبل المعظم، فإنّ الجلاّد يقول لـ "حفريات": "تابعت وزارة التربية العديد من الشكاوى المتعلقة بهذا الجانب، بل أغلقت عدداً من المقاصف المخالِفة في أكثر من مدرسة".

وحول تأمين المدارس بأطباء وممرّضين، يقول إنّ تنسيقاً مُزمعاً سيجري بين وزارة التربية والتعليم من جهة والصحة من جهة أخرى؛ "لتأمين المدارس بأطباء وممرضين من مخزون ديوان الخدمة المدنية".

يجب السماح للطالب بالذهاب للحمّام في أيّ وقت يطلب فيه ذلك، وتناول الحلوى في أيّ وقت يشعر فيه بانخفاض السكر

وبحسب استشاري الغدد الصمّ ونموّ الأطفال، الدكتور عمر الخالدي؛ فإنّ قدرة طفل السكري الجسدية "مفرطة وليس العكس"، معللاً تسويق الأفكار المغلوطة، عن كونه أضعف من أترابه، بـ "الرغبة بعدم تحمّل المسؤولية".

وحول الإجراءات التي يتحتّم على العائلة تعليمها لطفل السكري، يقول لـ "حفريات": "في المقام الأول؛ يجب إفهامه أنّ لا مشكلة في الأنسولين، بل هو عبارة عن هرمون بنّاء"، كما يجدر تعليمه أنّ انخفاض السكري لا يعني تخفيف الأنسولين، بل زيادة الأكل؛ للتعويض عن هبوط السكر.

يركّز الدكتور على ضرورة عدم إشعار الطفل بالشفقة، سواء كان هذا من قبل عائلته أو المدرسة، من خلال "تجنّب سؤاله عن نسبة السكر لديه أو مضاعفاته، والسماح له بالذهاب للحمّام في أيّ وقت يطلب فيه ذلك، وتناول الحلوى في أيّ وقت يشعر فيه بانخفاض السكر، وعدم تأجيل الأمر".

اقرأ أيضاً: في يومهم العالمي.. أطفال يدفعون ثمن الحروب والصراعات

أما البند الأهم، بحسب تعبير الخالدي؛ فيتمثل في ضرورة تواجد ممرض أو طبيب في عيادة المدرسة، بشكل دائم؛ لتدارك أيّة مضاعفات قد تحدث؛ من قبيل اعتلالات العين والكلى، واختلاط الدهون، وارتفاع ضغط الدم، مكملاً "مع ضرورة إخبار الأهل بطريقة إنسانية وليس اضطهادية، كما يحدث".

الصفحة الرئيسية