يحيي أبو الهمام.. لماذا تنفست فرنسا الصعداء بعد مقتله؟

يحيي أبو الهمام.. لماذا تنفست فرنسا الصعداء بعد مقتله؟


02/03/2019

أعلنت السلطات الفرنسية، أواخر الشهر الماضي، عن قتلها يحيي أبو الهمام، أمير إمارة الصحراء، التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إلا أنّه إلى الآن لم يصدر تنظيمه ما يؤكد أو ينفي هذا الإعلان.
وبما أنّ الإعلان عن قتل "أبو الهمام" لم يكن هو الأول، حيث أعلنت القوات الموريتانية عن مقتله العام 2010 خلال عملية نفّذتها على سريته "الفرقان" والمنضوية تحت لواء طارق بن زياد، بقيادة القيادي حينها عبدالحميد أبو زيد، فإننا نكون في حاجة لتحري الدقة وإن كان الإعلان هذه المرة آتياً من القوات الفرنسية ذاتها.
ابن العشرية
"عكاشة جمال" هو الاسم الحقيقي لــ"أبو الهمام" المولود العام 1978، في منطقة الرغاية بالجزائر العاصمة، أما هذه الكنى فهي منحت من التنظيم للعنصر، الذي رأى فيه قادته العزم والهمّة، فضلاً أنّ هذه الكنية تعد في أدبيات التراث الإسلامي من الأسماء الحسنة المفضلة والمرغوب تسميتها "همام".

لم يكد يبلغ عكاشة السادسة عشر من عمره حتى انخرط في القتال مع الجماعة الإسلامية المسلحة "جيا"

لم يكد يبلغ عكاشة السادسة عشر من عمره حتى انخرط في القتال مع الجماعة الإسلامية المسلحة "جيا"؛ حيث نادته أحداث العشرية السوداء في الجزائر، إلى أن يساهم في سكب المزيد من الدماء، فاعتقلته السلطات الجزائرية حينذاك وزجت به في سجونها، إلا أنّه لم يلبث أن قضى عامين حتى أفرج عنه على خلفية قرارات العفو العام الذي أصدرها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقه.
خرج عكاشة لينضم تحت لواء الجماعة السلفية للدعوة والقتال، المنشقة عن "جيا" وليكن تحت إمرة حسان حطاب، وليبدأ مرحلة جديدة من القتال ليس ضد الدولة الجزائرية فحسب؛ بل تمتد حتى تصل إلى خصوم القاعدة في دول الساحل الإفريقي.

اقرأ أيضاً: القوات الفرنسية تقتل قيادياً في تنظيم القاعدة.. تعرف إليه
تحولت الجماعة السلفية للدعوة والقتال، إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي آلت قيادته إلى عبدالمالك دروكدال "أبو مصعب عبدالودود" الذي تعرض وجماعته إلى حصار شبه مطبق في جبال تيزي أوزو.
مندوب القاعدة
حاولت القاعدة أن تفتح لنفسها مسارات أخرى في دول الساحل المجاورة، فأرسلت 5 من أبرز قادتها إلى شمال مالي، كان من بينهم يحيي أبو الهمام، ليعملوا على تشكيل تنظيم جديد يتأسس على عناصر القاعدة المشتتة في الصحراء والبحث عن ظهير قبلي شديد، فكان التحالف مع إياد أغ غالي، الذي بدوره كان قد شكل حركة أنصار الدين.

إياد أغ غالي
تكفل عكاشة بتمويل تلك التنظيمات القاعدية المتفرقة في دول الساحل والصحراء، فجاءت عمليات خطف الرهائن للحصول على الفدية، فضلاً عن الهجمات التي قصد من ورائها تجميع المال والسلاح.

الإعلان عن قتل أبو الهمام لم يكن هو الأول حيث أعلنت القوات الموريتانية عن مقتله العام 2010

وقد شارك "أبو الهمام" العام 2005، في الهجوم الذي نفذ على ثكنة لمغيطي العسكرية شمال موريتانيا، وقتل فيه 17 عسكرياً موريتانياً، وستة من عناصر التنظيم، وفي نهاية عام 2007، قاد عملية الغلاوية التي قتل فيها ثلاثة جنود موريتانيين، كما كان أحد القادة المشاركين في هجوم تورين في أيلول (سبتمبر) عام 2008، والتي قادها مباشرة أمير كتيبة "طارق بن زياد" عبد الحميد أبو زيد. ويعتبر "أبو الهمام" المسؤول المباشر عن مقتل الأمريكي "كريستوف لكيت"، وسط نواكشوط في تموز (يوليو) العام 2009، وهو المسؤول كذلك عن العملية الانتحارية التي نفذت قرب السفارة الفرنسية بنواكشوط في آب (أغسطس) العام 2009، كما أنّه المسؤول عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف مقر قيادة المنطقة العسكرية الخامسة المالية العام 2010.
السيطرة على مالي
في العام 2011 استطاع عكاشة أن يشكل كتيبة من المسلحين الموريتانيين، زج بهم في التحالف مع تنظيمات سلفية جهادية أخرى، استطاعت أن تسيطر فيما بعد على الشمال المالي، بعد هزيمة القوات الحكومية.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ خطاب الظواهري الأخير؟.. هذا هو "سبيل الخلاص" عند زعيم القاعدة!
إلا أنّ هذه التنظيمات طمحت في السيطرة على الجنوب المالي، مما اضطر القوات الفرنسية إلى الدخول في حرب ضد التنظيمات الجهادوية، ما أدى إلى انسحابها إلى الجبال والصحراء مرة أخرى، وعودة القوات الحكومية للسيطرة على البلاد مجدداً.
عادت تلك التنظيمات لاستخدام تكيتكات حروب العصابات، إلا أنّ المنطقة الصحراوية المنسبطة تسببت في تعرض الكثير من عناصر القاعدة وقادتها للقتل عبر الطائرات بدون طيار.

عادت تلك التنظيمات لاستخدام تكيتكات حروب العصابات
يتحدث "أبو الهمام" في هذه النقطة لصحيفة "أخبار الساحل" قائلاً: "لأننا اليوم نخوض حرب عصابات، ورجل العصابات ينطلق من واقعه الذي يعيشه، فنحن اليوم نخوض هذه الحرب في صحراء جرداء ومساحتها شاسعة، وحسب الخبراء العسكريين أنّ أسوأ ميدان بالنسبة لرجل العصابات هو ميدان الصحراء؛ فالصحراء بالنسبة لرجل العصابات مهلكة؛ فالعدو يستخدم في حربه ضد رجل العصابات القوات البرية ويركز بالتحديد على القوات الجوية، وميدان الصحراء هو ميدان مفتوح للطيران وميدان متاح للآليات أن تحاصر وتلتف وتهاجم بسهولة، ولكن في المقابل هي مهلكة ومكلفة بالنسبة للعدو المهاجم خاصة إذا كان هذا العدو يتعامل مع رجال قد عركتهم المحن والتجارب، وأصبحوا يتقنون التمويه والاختفاء عن طائراتهم التجسسية، وقد عاشوا في فيافي الصحراء سنوات عديدة، وتعودوا على شدة حرارتها وقروصة بردها".
اجتياز الخط الأحمر
استعرت الحرب بين الفرنسيين والقاعدة في تلك البقعة من العالم، فالتنظيم لا يكف بين الحين والآخر، عن توجيه ضربات لفرنسا ومصالحها في المنطقة، كما لا تكف القوات الفرنسية عن اصطياد عناصر التنظيم وقادته، عبر الطائرات المسيرة.

وزيرة الدفاع الفرنسية: عكاشة المسؤول الثاني بالتحالف الجهادي الذي يتزعمه المالي من الطوارق اياد أغ غالي

إلا أنّ القاعدة كانت قد تجاوزت الخطوط الحمراء؛ إذ ذهبت لزرع بذور تنظيمها في الجنوب المالي، وتوسعت في عمليات التجنيد بين القبائل التي تعتبر التواجد الفرنسي في المنطقة هو مجرد احتلال صرف، ومحاولة للسيطرة على البلاد ونهب ثرواتها.
أبو الهمام نفسه يكشف، في حواره السابق، عن استراتيجية التمدد والتوسع إذ يقول: "هناك أمر مهم هو الذي كان يقف دائماً عائقاً في طريقنا للوصول إلى الوسط والجنوب المالي في ذلك الوقت، وهو نهر النيجر الذي يفصل بين الشمال والجنوب، واليوم والحمد لله هذه المرحلة اجتزناها، بل أنعم الله على المجاهدين وكونوا كتائب وسرايا من أبناء المنطقة من إخواننا السود من قبائل فلان والبومبارى والسونغاي، وأصبحت هذه السرايا هي التي تقوم بالأعمال القتالية هناك، ولم تعد لنا حاجة لإرسال إخوة إلى الجنوب".
"برخان" تحيد أبو الهمام
بات أبو الهمام المطلوب الأول لدى القوات الفرنسية، ففضلاً عن استخدامه استراتيجيات مقلقة لتلك القوات، فهو دائماً ما كان يهدد ثم ينفذ.

اقرأ أيضاً: "الحوثي" و"داعش" و"القاعدة"... إرهاب ثلاثي يضرب اليمن بغطاء إيراني
ذهب الرجل لتهديد فرنسا، في تسجيل صوتي له نشرته وكالة أنباء "الشرق"، بشنِّ هجوم انتقامي، فكانت عملية هجوم فندق راديسون في باماكو التي جرت في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2015، التي راح ضحيتها أكثر من 27 رهينة، إضافة لمنفذي العملية.

هجوم فندق راديسون
ثم كان أبو الهمام حلقة الوصل التي عملت على توحيد صفوف التنظيمات الجهادوية المتشرذمة في دول الساحل والصحراء، فكان نتاج ذلك عقد تحالف بين تلك التنظيمات، تحت مسمى "نصرة الإسلام والمسلمين" والذي هدد، في أول بيان له، بشنّ هجمات على القوات الفرنسية والأجنبية في دول الساحل الإفريقي برمّتها.

اقرأ أيضاً: أمريكا والقاعدة: معركة اليمن
تشعر وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بيرلي، بنشوة الانتصار، وهي تعلن عن مقتل عكاشة على يد قواتها "برخان" حيث تفحمت جثته.
قالت الوزيرة في في بيان لها: إنّ الرجل كان زعيم "إمارة الصحارى" في "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وهو المسؤول الثاني في التحالف الجهادي الذي يتزعمه المالي من الطوارق اياد أغ غالي، أمير "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".

اقرأ أيضاً: "داعش" و"القاعدة" في الصومال.. من ينتصر؟

وأكدت، وفق ما أوردت وكالة "فرانس برس"، أنّ "هذه الخطوة الهائلة تأتي بعد سنوات من البحث"، مثنيةً على "عمل القوات الفرنسية" ضدّ "زعيم أحد أبرز الجماعات المسلحة الإرهابية العاملة في الساحل، المخطِّط والمموِّل للعديد من الهجمات ضدّ قيمنا ومصالحنا المشتركة التي نشاركها وندافع عنها مع الدول الخمس في قوة الساحل".
واعترضت قوة "برخان" يحيى أبو الهمام فيما كان ضمن موكب سيارات متوجه إلى شمال تمبكتو (وسط مالي)، على ما يفسّر البيان. وتابع: "في هذه العملية التي جمعت وسائل برية وجوية، حيّدت فرق برخان الخاصة العديد من الإرهابيين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية