الصراع على احتكار المسجد في مصر

الصراع على احتكار المسجد في مصر


15/01/2018

تشكل العلاقة بين سياسات الدولة الدينية والسياسية، في جوهرها، أزمةً حداثيةً، تتصل بنشأة الدولة المعاصرة التي أضحى فيها الدين يشكّل أداةً في لغة الخطاب، القومي والسياسي، المعاصر، ويغذي الهويات الجماعية، الأمر الذي استدعى تدخلاً وتوظيفاً من الدولة؛ بغية احتكار المجال الديني وإعادة تعريفه، ومن ثم، توجيهه داخل المجتمع، ذلك الأمر الذي يمكن فهمه في إطار تحليل سياسات الدولة الدينية في إدارة المساجد.

إنّ جذور سياسات الدولة المصرية الحديثة في إدارة المساجد، ترتكز في الأساس على الأدبيات الفقهية الإسلامية، والممارسات التاريخية في "دولة المسلمين" أو دولة الخلافة الإسلامية، في ملامحها الممتدة منذ تأسيس دولة المدينة في عهد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، حتى إعلان انتهاء دولة الخلافة".

جذور سياسات الدولة المصرية الحديثة في إدارة المساجد ترتكز على الأدبيات الفقهية الإسلامية

وثمة شواهد اجتماعية تاريخية للوقف (إدارة المساجد بالخصوص)، تعكس تصرف أصحاب الوقف ونوابهم؛ حيث كان دائماً في جدل مع السلطة، نظراً لكون المسجد أهم مساحات المجال العام في الدولة الإسلامية".

         ويمكن القول إنّ التنظيم القانوني للأوقاف في مصر عموماً، خاصّة، فيما يخصّ المساجد في القرن التاسع عشر، يعدّ انتصاراً تدريجياً لحقّ الطرف الأول (الحاكم ومن ينوب عنه) في التصرف في شؤون المساجد والإشراف عليها، في مقابل تقلص حرية الأطراف الأخرى (من الواقفين ونوابهم أو "جماعة المسلمين")، وبالتوازي مع ذلك، صار من حقّ الملك (نسبة إلى الأسرة العلوية في مصر)، أن يمارس سلطته فيها يخص الجامع الأزهر، وسائر المعاهد الدينية، عن طريق رئيس الوزراء، وكذلك تعيين الرؤساء الدينيين لكافة الأديان المسموح بها في البلاد.

وزارة الأوقاف المصرية لم تمتلك الموارد الكافية حتى للإنفاق على المساجد الحكومية الكبرى

وظل الإطار القانوني والإداري، منذ تأسيس الجمهورية بعد 1952 وحتى 2011، يتطور في نفس الخط، ونفس الافتراضات، وحلّ رئيس الجمهورية محلّ الخديوي، وتطور ذلك عبر قوانين وقرارات جمهورية، وتطور الإطار القانوني ليشكل مركزية كاملة حصرية تعطي وزارة الأوقاف حق ضمّ المساجد، وتعيين الأئمة والخطباء من موظفيها، أو منح التراخيص للخطابة.

وبالرغم من أن تشريعات وزارة الأوقاف وسياساتها المتوالية، منذ إنشائها حتى الآن، وأحكام القضاء، تذهب كلّها في اتجاه ضرورة إدارة وزارة الأوقاف لكلّ المساجد، إلا أنّ الوزارة لم تمتلك الموارد الكافية لذلك، ولا حتى الإنفاق على المساجد الحكومية الكبرى، بشكلٍ كاملٍ، فيما توفر ميزانية القطاع الديني في وزارة الأوقاف، بالأساس، أجور الأئمة والخطباء، ومفتشي المساجد والعمال، فضلاً عن موظفي المديريات التي تشرف على المساجد.

افتراضات "الدولة الإمام" و"الوحدة الدينية للمسلمين" تطابق تصور الجماعة المسلمة في حياة النبي

وتعد افتراضات "الدولة الإمام" و"الوحدة الدينية للمسلمين"، افتراضات تطابق تصور الجماعة المسلمة الأولى، في حياة النبي، وخلفائه الأوائل، قبل الاختلاف والانشقاقات، ثم مثلت افتراضات طموح الكيانات اللاحقة، التي حاولت التقرب إلى هذا النموذج، أو على الأقل تطلب شرعية التماهي معه، لكن هذه الافتراضات التي انعكست في الميول الفقهية السائدة، ثم التشريعات القانونية، في الدول التي يشكل المسلمون أغلبيتها، والإسلام هو دينها الرسمي؛ حيث تحولت إلى نمط قانوني من تملك الدولة للدين مقابل انتزاعه من المجتمع.

وتتضمن مسؤولية الدولة الحديثة في رعاية حرية الدين بعداً اقتصادياً ضرورياً، مرتبطاً بأية مساحة من حرية الدين والمعتقد وحرية التنوع الديني، وهو ما يوضحه إعلان عام 1981، بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت، ويعد أهم تقنين دولي معاصر للحقّ في حرية الدين والمعتقد؛ حيث تنصّ أحد مواده على الحق في حرية الفكر، والوجدان، والدين، والمعتقد، وتشمل: "حرية ممارسة العبادة، أو عقد الاجتماعات ذات الصلة بدين أو معتقد ما، وإقامة وصيانة أماكن لهذه الأغراض، وحرية إقامة المؤسسات الخيرية أو الإنسانية المناسبة وصيانتها، وحرية صنع القدر الكافي، من المواد والأشياء الضرورية المتصلة بطقوس وعادات دين أو معتقد، وحرية تعلم الدين في أماكن مناسبة لهذا الغرض".

لقراءة البحث المعنون بـ"من يملك المنبر؟" كاملاً انقر هنا

الصفحة الرئيسية