"القاعدة" وإيران .. تعاون جديد

"القاعدة" وإيران .. تعاون جديد


29/11/2017

مختارات حفريات

يثير تنفيذ جماعة تنتمي إلى تنظيم «القاعدة» عملية إرهابية في صحراء مصر الغربية الشهر الماضي، ثم استئناف جماعة ثانية مرتبطة بهذا التنظيم أيضاً نشاطه الذي توقف في سيناء عام 2013، سؤالاً مهماً عن تغير محتمل في خريطة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وليس في مصر فقط. فقد نفذت جماعة «المرابطون» هجومها الإرهابي في غرب مصر، وظهرت جماعة «جند الإسلام» مُجدَّداً في سيناء، فيما تنشط تنظيمات وجماعات أخرى مرتبطة بـ«القاعدة» في بقع عدة في المنطقة بين ساحل أفريقيا الغربي واليمن.

والسؤال المطروح هو: هل تتيح الهزائم التي يُمنى بها تنظيم «داعش»، في العراق وسوريا، فرصة لتنظيم «القاعدة» لكي يتصدر المشهد الإرهابي؟ وإلى أي مدى تساهم العلاقة التي تربطه بإيران في دعم هذه الفرصة؟

لقد توالت هزائم «داعش» في الأشهر الأخيرة، وفقد الكثير من مقاتليه وحواضنه الاجتماعية وموارده، وأصبح في حالة تراجع مستمر. وعبَّر وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن هذه الحالة بقوله إن «داعش» أصبح بمثابة هرم بلا قاعدة.
ولا يقتصر تراجع «داعش» على الأرض، بل يشمل الفضاء الإلكتروني الذي برع في استغلاله إلى أقصى مدى. هزائمه في سوريا والعراق أفقدته عدداً كبيراً من مصوريه ومنتجي فيديوهاته. وسيؤدي هذا إلى تقلص منظومته الدعائية التي مكَّنته من تجنيد الكثير من أعضائه الذين التحقوا به على الأرض، وأتباعه الذين تأثروا به عن بُعد. وأظهرت تقديرات أولية أن ما يُنتجه الآن في هذا المجال أقل كثيراً مما كان قبل عامين. كما أن رسائله الإعلامية اختلفت. فلم يعد في إمكانه ترويج أوهامه التي خدعت الكثير من الشباب عن خلافة مزعومة، وتغيير يجتاح العالم. صار مهموماً أكثر بتبرير هزائمه، ومحاولة الحد من آثارها المتزايدة على صورته التي روجها في مرحلة صعوده.

ويعني ذلك أن ثمة فرصة قد تلوح أمام تنظيم «القاعدة» لاستعادة صدارة المشهد الإرهابي مُجدَّداً، بعد أن تراجع حضوره بفعل الضربات الموجعة التي تعرض لها عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، ثم ضمر دوره بعد أن انشق فرعه في العراق عليه، وأسس التنظيم الذي بات يُعرف بـ«داعش».

والسؤال المهم هنا يتعلق بحجم الدعم الذي يمكن أن تتلقاه «القاعدة» من إيران. وتزداد أهمية هذا السؤال في ضوء ما تكشفه آلاف الوثائق التي صودرت من منزل ابن لادن خلال عملية قتله بمنزله في آبوت آياد في مايو 2011، بعد إفراج السلطات الأميركية عنها مؤخراً.

تتضمن هذه الوثائق أدلة واضحة على أن بدايات الدعم الإيراني لتنظيم «القاعدة» سبقت حاجة قادة كبار فيه إلى مأوى خلال الملاحقات التي تعرضوا لها عقب هجمات 2001. وكان معتقداً قبل ذلك أن العلاقة بين الطرفين بدأت في ديسمبر من ذلك العام، وفق ما أمكن استنتاجه من معلومات محدودة أدلى بها مسؤولون في وكالة المخابرات المركزية الأميركية بين مارس وسبتمبر 2016، استناداً إلى ما وُرد في بعض تلك الوثائق.

وقد سعى كاتب السطور إلى لفت الانتباه لأهمية تلك المعلومات ودلالاتها في مقالته المنشورة هنا يوم 26 أكتوبر 2016 بعنوان «كيف ترعى إيران إرهابين؟»، فيما أبدت إدارة باراك أوباما لامبالاة بها في نهاية فترتها، بل ربما هي التي سعت إلى حجب وثائق ابن لادن، واعتبرتها سرية، منذ الحصول عليها في مايو 2011.

غير أنه بعد التغيير الذي أحدثته إدارة دونالد ترامب في السياسة الأميركية تجاه إيران، وشمل كشف تلك الوثائق، يمكن تصور احتمالين بشأن فرضية دعم طهران لـ«القاعدة» مستقبلاً.

الاحتمال الأول أن تلتزم طهران سياسة أكثر حذراً في هذا المجال بسبب الضغوط المتزايدة عليها عربياً ودولياً، ووضعها في موقف دفاعي للمرة الأولى بعد البيان القوي الصادر عن الجامعة العربية الأسبوع الماضي. والاحتمال الثاني أن تدفعها هذه الضغوط إلى اللعب بكل الأوراق المتاحة لديها، ومنها ورقة «القاعدة»، فتقدم دعماً كبيراً له لكي يستمر العالم مشغولاً بمواجهة إرهاب يُنسب إلى الإسلام السُني رغم تناقضه معه، وحتى لا يصبح الإرهاب الذي يرفع رايات شيعية هو الهدف الوحيد، أو حتى الرئيس، لهذه المواجهة.

لقد أدى «داعش» خدمات جليلة لإيران، وساهم في تمكينها من التمدد في المنطقة.. وربما تأمل طهران أن يقوم تنظيم «القاعدة» باستكمال هذا الدور في الفترة المقبلة.

وحيد عبد المجيد - عن "الاتحاد"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية