الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: تغذية عناصر اللادولة وانتصار لفكر الجماعة

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: تغذية عناصر اللادولة وانتصار لفكر الجماعة


01/02/2018

المتفائلون بتشكل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في العام 2004، كانوا ينظرون له كحالة فقهية جديدة تزعم أنها تلبي احتياجات تحريك القضايا الفقهية في الاتجاه التجديدي، وحاول القرضاوي في تلك الفترة تقديم “الأصولية” المتحركة في ثياب تجديدية، وقدّم تنويعة فقهية مثيرة، مع فلتات فقهية على شاكلة فقه الضرورة وفقه الأقليات.

وفي هذا الصدد جاء في وحدة الدراسات في مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي، ونشر على موقع المركز في 13 نوفمبر 2017، أن القرضاوي قد أجاز بعض ملامح الخلاف مع تنظيمه الأصلي، وطفق حينها يتحدث عن “استقلاليته” عن التنظيم الإخواني. تلك الاستقلالية التي فهمها آخرون على أنّها محض تبادل أدوار إذا أُحسن الظن في القرضاوي، وتنافس تنظيمي داخلي إذا تمّ النظر إلى تطلع الرجل الدائم لنيل مقاعد الخلافة لحسن البنا وللمجددين وإصراره على “إماميته”.

وبالرغم من تنوع قاعدة الاتحاد “شكليا”، فإنّ المتفائلين بدوره وقيمته ومصداقيته تساقطوا رويدا رويدا؛ بعد مواقفه التي بدأت تتصلّب في اتجاه واحد لدعم الإخوان المسلمين، والتناغم مع قناة الجزيرة القطرية، وتعزيز خطاب الكراهية، وتطويع الخطاب الإسلامي لخدمة أهداف سياسية. وفي العام 2010 تحوّل الاتحاد بوضوح تام إلى جزء من الأدوات الإعلامية لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي، وإحدى أدوات صناعة العلاقات الدولية للدول الحليفة للتنظيم كدولة قطر، والجمهورية التركية.

وانشغل الاتحاد، عملا بالمنطلقات الإخوانية، بالعمل السياسي المحض، منفلتا عن عقال العمل العلمائي والبحوث الفقهية، الأمر الذي دعا العلامة الموريتاني ابن بيّه، في العام 2013، إلى إصدار بيان مهذب يعتذر فيه عن مواصلته العمل ضمن هذا الاتحاد، واختار الاندماج في اتجاه آخر يناقض عمل الاتحاد في نظر البعض، ضمن مظلة تعزيز السلم وقواعده الفقهية. ومثله اختار كثيرون هذا الاتجاه.

الموقف السعودي في هذا الصدد مبني على العزم على وقف الإرهاب الناعم والخشن، ففي العام 2014 نفى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن تكون المملكة العربية السعودية قد صنفته إرهابيا، بالرغم من تصنيفها لجماعة الإخوان المسلمين إرهابية، وقال القره داغي، الأمين العام للاتحاد يومها، إنه سيزور المملكة بعد أسبوع، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد أدرجت الاتحاد ضمن لائحة المنظمات الإرهابية في أواخر العام 2014.

وبعد “حملة الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب” التي عرفت بأزمة قطر في مايو 2017، صدرت عن الدول قوائم للإرهاب، حوت بعض الأسماء العاملة في الاتحاد مثل علي الصلابي والصادق الغرياني ضمن الشخصيات الإرهابية على هيئة الأفراد. ولكن اسم الاتحاد لم يبرز إلا في 22 نوفمبر 2017.

وأوقفت المملكة العربية السعودية قبل أسابيع عضو مجلس أمناء الاتحاد سلمان العودة ضمن حملة محدودة، تنوّعت التحليلات التي فسرتها حينا لإيقاف عناصر يتبعون لقطر، وأحايين أخرى تبدّت فيها حملة ضد المحرضين على الإرهاب؛ ويمكن الدمج بين الرؤيتين.

وعلى إثر ذلك قام اتحاد علماء المسلمين في 11 سبتمبر 2017 بالدعوة إلى الإفراج الفوري عن سلمان العودة ومن أسماهم بـ”رفاقه”. و”الرفاق” المقصودان هما: عوض القرني وعلي العمري بحسب ما ذكره البيان. ولم يكن واضحا لماذا عنون البيان مطالبه بإطلاق “سلمان العودة” وضمّ إليه الآخرين. وقد يفهم ذلك في سياق احترام التراتبية في التنظيم أو الكسب أو الموقع في الاتحاد الإسلامي. ولا يعرف إن كانت التحقيقات مع الموقوفين قد ساعدت في تعجيل الإجماع بوضع الاتحاد كمنظمة إرهابية مجمعا على إرهابها، ولكن لا يمكن استثناء أو تجاهل ذلك.

ولم تكن مواقف الاتحاد العالمي من بعض الدول مثل مصر، العراق، بنغلاديش، الإمارات، وأخيرا السعودية، تنطلق سوى من رؤية حزبيّة؛ وتحوّل إلى بندقيّة لتنظيم إسلامي واضح. فالتهييج على جيش مصر، وتقنين العمليات العسكرية ضده وضد رئيس مصر، والتعريض بالسعودية والهجوم على الإمارات وأخيرا تحريم مقاطعة قطر. ولم يكتف رئيسه بإصدار بيان ضد محاولة الانقلاب على رجب طيب أردوغان، بل شارك رئيسه في تسمية أردوغان سلطانا في احتفال كبير أقيم في تركيا. ولم تكن هذه تصرفات علمائية وإنما تصرفات سياسية، تدعم خط عدم الاستقرار، وتعزز دور تنظيمات اللادولة المنتشرة في المنطقة. والتي قرر محور الاستقرار العربي بقيادة الإمارات ومصر والسعودية والبحرين محاربتها منذ ثورة الشعب المصري على نظام الإخوان المسلمين. وكانت تعليقات لفقهاء الاتحاد كتعليق منسوب للريسوني، نائب

رئيس الاتحاد، تدعو بشكل مباشر إلى الاغتيالات مثل توقيعه على بيان يدعو إلى “القصاص من الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين، وكل من يَثْبُتُ يقينا اشتراكُهم، ولو بالتحريض، في انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق وفق الضوابط الشرعية”.

ولا يمكن الحديث بلسان الدول الأربع التي لم تفصح بعد عن خلفيّات قرارها، والتي نصّت بجلاء على أن “الكيانين المدرجين هما مؤسستان إرهابيتان تعملان على ترويج الإرهاب عبر استغلال الخطاب الإسلامي واستخدامه غطاء لتسهيل النشاطات الإرهابية المختلفة، كما أن الأفراد نفذوا عمليات إرهابية مختلفة، نالوا خلالها، وينالون دعما قطريا مباشرا على مستويات مختلفة”، وألمحت إلى خطاب الكراهية.

ولكن يبدو القرار المتخذ متفهما وفق الظروف السياسية الراهنة، ووفق الدور الذي اختار لعبه الاتحاد منذ العام 2011؛ وفق شخصيته الإخوانية الحزبية الفداوية، كما شخصية رئيسه والقضايا المثارة حوله في مصر وغيرها. ومحاولة فهم الحدث من وجهة النظر الثقافية، تسأل عن البديل المطلوب إنتاجه، والمراجعات التي يحتاج “المتراجعون عن الاتحاد إلى إبرازها”.

صفوة القول أنه لم يكن اختيار الاتحاد العام لعلماء المسلمين منظمة إرهابية قرارا مدهشا، بل جاء متوقعا، وله مبرراته السابقة، خاصة وأن بعض أعضائه تم اعتقالهم لأسباب تتعلق بالإرهاب. كما أنّ موقف الاتحاد من الأحداث الإرهابية ظلّ مشروطا ولم يكن هيكليا، ولم يقم بأي جهد حقيقي للخروج بتنظيمات الإسلام السياسي من “فكرة الجماعات” إلى فكرة الدولة، وليس تحاملا أن يظن أنه ظلّ مغذيا لعناصر اللادولة.

عن صحيفة "العرب"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية