تفاصيل المشروع السري للإخوان بفرنسا.. وما حقيقة الدعم القطري؟

تفاصيل المشروع السري للإخوان بفرنسا.. وما حقيقة الدعم القطري؟


08/12/2020

في العام 2005 تم الكشف عن "المشروع السري للإخوان" في كتاب جاء تحت عنوان "فتح الغرب..المشروع السري للإسلاميين"، الذي أشار إلى أنّ السلطات السويسرية عثرت في منزل المفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين، يوسف ندا على وثيقة جاءت تحت عنوان (نحو إستراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية: منطلقات وعناصر ومستلزمات إجرائية ومهمات).

 

 

التزام بمنهج البنا

يكشف المشروع السري، ومنطلقاته الاثنا عشر، الإستراتيجية الإخوانية في أوروبا، التي تعتمد على فكر حسن البنا، وتتبنّى دعم الجهاد والحركات المسلحة في العالم الإسلامي.

تحدثت الإستراتيجية، التي كتبها القيادي الإخواني، محمد أكرم، عن أنّ التكيف الذي قام به الإخوان مع المجتمع الغربي، بمثابة مناورة تكتيكية مصمَّمة لطمأنة الخطاب الديمقراطي، ثم السيطرة، وهو ما أكده العضو السابق في إخوان المغرب محمد لويزي، الذي يعيش في فرنسا، في كتابه "لهذه الأسباب غادرت الإخوان المسلمين"، الصادر عن دار ميشالون بباريس العام 2016، بأنّ الإخوان يتّبعون أسلوب نسيج العنكبوت في نشر أيديولوجيتهم في أوروبا، وأنّه للقضاء على هذا العنكبوت لا بدّ من قطع رأسه في القاهرة؛ أي المرشد العام".

يكشف المشروع الإستراتيجية الإخوانية في أوروبا التي تعتمد على فكر حسن البنا وتتبنّى دعم الحركات المسلحة

قال كاتب الوثيقة: "لا بدّ أن يستوعب الإخوان أنّ عملهم هو نوع من أنواع الجهاد العظيم في إزالة وهدم المدنية أو الحضارة الغربية من داخلها"، وهكذا "أصبح تنظيم الإخوان كنجمة البحر، كلما قطعت لها ذراعاً تصبح الذراع الأخرى نجمة بحر مستقلة جديدة، وتبدأ أخرى في النمو، وهكذا دواليك في تكاثر مخيف ولا نهائي"، وفق ما أورد اللويزي في كتابه.

وقدَّم أكرم تصوّراً تفصيلياً لخطة عمل الجماعة، قائلاً إنّ "الهدف الإستراتيجي العام لجماعة الإخوان هو إيجاد حركة إسلامية فعّالة ومستقرة بقيادة الإخوان، تتبنى قضايا المسلمين محلياً وعالمياً"، وجاء في الوثيقة منطلقات عدة لتنفيذ هذا المخطط، من بينها وأهمّها المنطلق التاسع الذي يشير إلى البناء المستمر للقوة اللازمة للدعوة الإسلامية، ودعم الحركات الجهادية في العالم الإسلامي بنسب متفاوتة قدر المستطاع، وفي الصفحة الثالثة تتحدث الفقرة "ب" (مستلزمات إجرائية) من المنطلق الأول عن ‪ إنشاء مراكز رصد للمعلومات وتجميعها وتخزينها، وضرورة تشغيل كل طاقات العاملين لخدمة الدعوة، وتفريغ العدد الكافي من الدعاة والقياديين، وتفعيل آلية جمع المال، وضبط أوجه صرفه واستثماره للصالح العام‪

تكيف الإخوان مع المجتمع الغربي مجرد مناورة تكتيكية لطمأنة الخطاب الديمقراطي

أما في الصفحة 11 فإنّ الفقرة "ج" (مهمات مقترحة)، تتحدث عن عمل جسور اتصالات مع الحركات الجهادية في العالم الإسلامي والأقليات الإسلامية ودعمها في الحدود وبالصورة الممكنة والتعاون المشترك معها.

أي إنّ مخطط أنشطة الإخوان في أوروبا لم تخرج على النموذج الذي وضعه حسن البنا، الذي يتكون من (الشمول، القدرة على التكيف والمرونة، قابلية التطبيق).

 

 

الاعتماد على فقه الأقليّات

يعتمد الإخوان في الغرب على ما يُسمى "فقه الأقليات"؛ بإنشاء بيئة إسلامية يعيش فيها المسلمون، لكن بشرط التماهي مع فهم الجماعة، لذلك فإنّهم يستهدفون مختلف قطاعات السكان (الطلاب، النساء، الأطفال)، وينظّمون جميع الفعاليات (التربوية، الثقافية، الرياضية، السياسية) متبعين تعريف البنّا للمنظمة، ونظرية القرضاوي للتكيّف في سياق الأقلية، وهو من سلّط الضوء على أنّ الأقليات المسلمة عليها أن تكون فاعلة، وتتجنب الانعزال، وتوسع المجتمع عبر الدعوة؛ حيث يقول في كتابه (فقه الأقليات): "يجب علينا أن نحافظ على وجود مجتمع إسلامي ذي أثر، في بلاد الغرب، باعتبار أنّ الغرب هو الذي أصبح يقود العالم، ولو لم يكن للإسلام وجود هناك، لوجب على المسلمين أن يعملوا متضامنين على إنشاء هذا الوجود".

وثيقة الإستراتيجية العالمية للسياسة الإسلامية أكدت على تطبيق المسار الإيجابي، لكنها ذكرت أنّه "على الرغم من أنّ الاستخدام السياسي للعنف ضد الجائرين والطغاة، يعتبر واجباً، فإنّ الإخوان فضّلوا التغيير التراكمي غير العنيف القائم على المصلحة، وغالباً على أساس أنّ المعارضة السياسية ستختفي عندما تكتمل عملية الأسلمة، غير أنّهم مستعدون لتأييد العنف عندما يكون التدرج غير فاعل".

نسيج الإخوان المعقد بفرنسا

هناك فئتان من الإخوان في فرنسا؛ ينتمي للمجموعة الأولى كل أعضاء مختلف فروع الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، التي وجدت في السنوات الخمس الأخيرة، في مختلف البلدان الأوروبية، ويمثّلون ما يُسمّى الرواد، وقد حافظت هذه الفئة على صلات وثيقة بالجماعة الأم في بلد المنشأ، ويقومون الآن بأدوار رفيعة المستوى مثل جمع الأموال، وتنظيم الفعاليات، والضغط على الحكومات، لأهداف دعم قضيتهم في بلدانهم الأم.

أحد منطلقات المشروع يشير إلى دعم الحركات الجهادية في العالم الإسلامي بنسب متفاوتة قدر المستطاع

الفئة الأخرى من الإخوان في فرنسا يمكن اعتبارها حلقة الوصل بين الإخوان المسلمين الخُلّص وفروعه الأوروبية، ويمثلها عدد من المنظمات التي تعمل ضد حكومات العرب، تحت شعارات حقوق الإنسان، مثل مؤسسة "قصة رابعة".

الإخوان المسلمون في فرنسا ليسوا حركة تراتبية رسمية أحادية البنية؛ بل هم نسيج معقد من المؤسسات والجماعات والأفراد، المنتسبين بعلاقات غير رسمية، تربطه أيديولوجيا مشتركة، وتمنح هذه المرونة اللامركزية الإخوان القدرة على المرونة والتكيف والتماسك والتعافي، كما تزيد من صعوبة إضعافهم؛ لأنّ طبيعة ومكونات النظام غير واضحة.

 

 

هل تدعم قطر الإخوان بفرنسا؟

تقف قطر وراء تحركات كثيرة للإخوان بفرنسا؛ لأنها تعتبر الجماعة بوابة الدخول لبسط سيطرتها على الجالية المسلمة هناك، ومن ثمّ على المغرب الكبير؛ هذا ما ورد في الكتاب الصادر مؤخراً بفرنسا بعنوان "قطر القبيحة الصغيرة.. الصديق الذي يريد بنا شراً" للكاتبين نوكولا بو، وجاك ماي بورجو، وترجمه بويسان أحماد، ونقلت ملخصه، صحيفة العالم الأمازيغي المغربية، صفحة 13، العدد 155.

يقول الكتاب: لوحظ خلال السنوات الأخيرة استقطاب الدوحة لمسلمي الضواحي الفرنسية من خلال "صندوق الضواحي"، الذي أعلن عنه العام 2012، ورصدت له مبالغ مهمة "لفك العزلة" عن شباب الضواحي الفرنسية، وهي المبادرة التي أثارت جدلاً واسعاً وسط النخبة الفرنسية حول دواعي وحيثيات الدعم القطري، لكن بالنسبة للعارفين بأهداف الدوحة، فإنّ الأمر لا يتعلق بمكافحة فقر وبؤس الضواحي؛ بل بالسعي للهيمنة المباشرة على مسلمي فرنسا، واستغلالهم في خدمتها.

يعتمد الإخوان في الغرب على "فقه الأقليات" بإنشاء بيئة إسلامية بشرط التماهي مع فهم الجماعة

ووفق الكتاب نفسه فإنّه قبل ذلك وتحديداً في تشرين الأول (أكتوبر) 2008 وبتمويل من قطر احتضن المجلس الوطني الفرنسي اليوم الدراسي لتعليم اللغة العربية والتعريف بالثقافة العربية، ولإعطاء الصبغة الرسمية للحدث رعا الحدث وزير التعليم كزافيير داركوس.

وفي مقال بويسان أحماد، بصحيفة العالم الأمازيغي، العدد 155، أنّه في مستهل العام 2009 أنشأت قطر (الاتحاد من أجل المتوسط) لتأطير مسلمي فرنسا عبر إنشاء تجمع للمنظمات الإسلامية على شاكلة لوكريف (اتحاد المنظمات اليهودية الفرنسية)، ولتحقيق ذلك "تمت الاستعانة بخدمات امرأة شابة تدعى مليكة بنلعربي، وهي مستشارة بديوان وزير الداخلية بريس اورتفو، وتربطها علاقة قوية بسفير قطر بباريس"، وفق الكاتب.

وأورد كاتب المقال نفسه أنّ قطر استقطبت مسؤولي اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية المعروف اختصاراً بـ"لواف"، التابع للإخوان، الذي أعلن مؤخراً استقلاله عن الجماعة، وتعتبره وزارة الداخلية الفرنسية الحلقة الرئيسية للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

حتى مسجد باريس المقرب من الجزائر، لم يسلم، وفق الكاتب، من الدعم  القطري؛ حيث تسلم 2 مليون يورو العام 2009 من المؤسسة الخيرية القطرية.

استقطاب نخب فرنسية

يقول بويسان أحماد: إنّ الأمر لم يتغير مع عودة اليسار إلى الحكم في فرنسا العام 2012، وكان وزير الداخلية، مانويل فالس، على علاقة طيبة مع القطريين، لكنّ بعض الشخصيات القريبة من الوزير الأول جون مارك ايروت، نظرت بارتياب لتنامي الدور القطري لدى مسلمي فرنسا، ومنها الجمعية الخيرية القطرية المنضوية تحت راية الـ "واف" وقامت بتمويل بناء مسجد "السلام" بباريس.

الإخوان المسلمون بفرنسا ليسوا حركة تراتبية رسمية أحادية البنية، بل نسيج معقد من المؤسسات والجماعات والأفراد

ولم تتوقف رغبة قطر، في التمدد عند هذا الحد؛ بل امتدت، وفق أحماد، لاستقطاب النخب الكاريزمية الأوروبية مثل؛ ماتيو كيدار، وهو الوافد الجديد على الساحة الإعلامية، من خلال كتابه الأخير، الذي يكيل فيه المديح للتيار الإسلامي، وكذلك رئيس تجمع مسلمي فرنسا، نبيل ناصري، الذي يعد حلقة وصل قطرية وسط المثقفين المسلمين، وأخيراً حفيد حسن البنا، طارق رمضان، الذي يواجه حالياً اتهامات بالاغتصاب؛ إذ روّجته قطر مفكراً معتدلاً وجعلته ضيفاً دائماً على المحافل التي تموّلها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية