غياب الإحصاء يهدد صناعة الكتاب والنشر في الوطن العربي

الثقافة

غياب الإحصاء يهدد صناعة الكتاب والنشر في الوطن العربي


16/05/2018

"لا يوجد إحصاء رسمي"، هي العبارة الأبرز التي باتت الأكثر تردداً في تصريحات صناع الكتاب والنشر في الوطن العربي؛ عندما يطرح السؤال عن حجم الكتب المنشورة، أو المبيعة، أو متوسط القراءة.

ورغم محاولات عديدة من بعض المؤسسات الثقافية المستقلة والحكومية في الوطن العربي، لوضع أسس؛ من أجل تقديم إحصاء رقمي لحركة صناعة الكتاب والنشر في الوطن العربي، إلا أنّ المسالة لا تزال شديدة التعقيد.

قاعدة بيانات

التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية، الصادر عن مؤسسة "الفكر العربي"، عام 2010، ذكر في فصل بعنوان "حركة التأليف والنشر في العام 2009، ماذا قرأ العرب في العام"، أنّ حركة النشر في الوطن العربي تفتقر إلى نظام إحصائي شامل".

وفي السياق ذاته، قال رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد في تصريحات صحفية:"لا توجد قاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها، فيما يخصّ حركة النشر وبيع الكتاب في المنطقة العربية، وأشار إلى أنّ واحدة من أمنياته، هي أن يعمل على تدشين قاعدة البيانات تلك، غير أنّ المسألة ليست بالسهولة التي قد يظنها البعض". وسبق أن امتنعت دار الكتب والوثائق المصرية، عن إصدار نشرتها السنوية عن حجم الكتب الصادرة بداية من العام 2011، وحتى العام الجاري.

لو سألنا أسئلة بسيطة حول صناعة الكتاب وعن عدد الكتب المنشورة خلال عام لن نجد إجابة رقمية دقيقة

تلك الأزمة ظهرت بوضوح في أثناء المحاضرة التي عقدتها جمعية شراع للدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، في 13 أيار(مايو) الجاري، بعنوان: "صناعة الكتاب.. التحديات وأفاق المستقبل"،  عندما بدأ المتحدث الرئيسي في الندوة كلامه بعبارة:"لا يوجد إحصاء حقيقي لصناعة الكتاب والنشر في مصر والوطن العربي"، خطورة التصريح تعود لصفة القائل، الناشر إبراهيم المعلم، رئيس اتحاد الناشرين المصري لعدة دورات، ورئيس اتحاد الناشرين العرب السابق، ونائب رئيس اتحاد الناشرين الدولي السابق.

رئيس اتحاد الناشرين العرب، محمد رشاد

الصناعات الإبداعية

وزير الثقافة المصري السابق عماد أبو غازي، مدير الندوة وعضو مجلس أمناء جمعية شراع، أشار خلال اللقاء إلى أن صناعة الكتاب والنشر، هي أقدم نشاط للصناعات الإبداعية على وجه الأرض بشكل عام؛ مع اختراع آلة الطباعة، مضيفاً:"لحقت مصر بركب الصناعات الثقافية بدايات القرن التاسع عشر؛ بصناعة الكتاب والنشر، مع إنشاء محمد علي للمطبعة الأميرية، أو مطبعة بولاق سنة 1820، وفي منتصف القرن دخل القطاع الخاص في مجال الصناعة".

أبو غازي أشار في حديثه إلى تلك الفجوة الظاهرة، بين ما يعلن من أرقام تخص صناعة الكتاب والنشر، عن طريق الجهات المسؤولة بشكل مباشر عن الصناعة، والأرقام الفعلية التي ترصدها تطبيقات السوشيال ميديا، ومواقع الانترنت المهتمة بالكتابة.

المعلم قال: "إن حجم الصناعات الإبداعية في العالم، بحسب تقديرات منشورة منذ خمس سنوات 1.5 تريليون دولار، وفي ذلك الوقت كانت صناعة النشر، من كتب ودوريات علمية وصحف ومجلات، حوالي 428 مليار دولار، وصناعة البرمجيات 200 مليار دولار، والموسيقى والمسرح والأوبرا 50 مليار دولار، والسينما 40 مليار دولار، والتلفزيون والراديو 105 مليار دولار، والتصوير 22 مليار دولار، والفنون البصرية والجرافيكس 22 مليار دولار".

إبراهيم المعلم: لا يوجد إحصاء رسمي يتعلق بالكتب العامة، مثل كتابات الأدب والفنون والعلوم التطبيقية

وأوضح المعلم أن الجزء الأكبر من عملية النشر يذهب للتعليم، لاعتبارات الحجم الكبير المطبوع من الكتب المدرسية، لافتاً إلى أن نسبة ما ينشر في بعض الدول العربية من كتب تعليمية بالمقارنة لما ينشر خارج الكتب التعليمية، تتراوح ما بين 95 و 99%. مضيفاً أن التقديرات التقريبية المتاحة عن حجم الكتب الصادرة في مصر، بلغت 12 ألف عنوان في العام، بينها ألف عنوان للكتب المدرسية، والتي تغطي 22.5 مليون طالب في التعليم ما قبل الجامعي.

وأكد المعلم أنه لا يوجد إحصاء رسمي يتعلق بالكتب العامة، مثل كتابات الأدب والفنون والعلوم التطبيقية، مشيراً إلى أن عدد دور النشر المصرية المسجلة في اتحاد الناشرين، بلغت في العام الجاري 670 دار نشر، يصدر عنها تقريباً، بحسب تصريحات المعلم، متوسط 1500 إلى 2000 كتاب في السنة: "ينقسم الرقم إلى 24% كتب أدبية، و23% علوم اجتماعية، و15% علوم بحتة، و14% كتب دينية، و5% علوم تطبيقية، و5% جغرافيا وتاريخ، و4% روايات، و3% فلسفة وعلم نفس، و2.7% فنون جميلة، و1% عموميات".

وأضاف:"الكتب المترجمة طبقاً لإحصاء دار الكتب والوثائق الرسمية بلغ 325 كتاب مترجم، منها 41% أدب، 20% علوم اجتماعية، و6% علوم تطبيقية، و8% دين، و7% جغرافيا وتاريخ، و1% لغات".

وزير الثقافة السابق الدكتور عماد أبو غازي والمهندس إبراهيم المعلم نائب رئيس اتحاد الناشرين الدولي السابق

أرقام تقريبية

الأرقام التي قدمها المعلم، وعلى الرغم من تأكيده على أنها تقريبية، وأنه لا يوجد إحصاء حقيقي لعملية صناعة الكتاب، إلا أنها أرقام ضعيفة جداً بالمقارنة بأرقام أخرى طرحها باحثون في دراساتهم المنشورة عن حجم صناعة الكتاب، والنشر في الوطن العربي، في إشارة إلى فجوة كبيرة بين الأرقام شبه الرسمية، والأرقام الفعلية على الأرض.

الدكتور زين عبد الهادي، أستاذ علم المكتبات والمعلومات بكلية الآداب، جامعة حلوان، أشار ضمن دراسة منشورة بعنوان: "حالة القراءة في مصر عام 2016":"لايمكن القول بأي حال من الأحوال إن المجتمع المصري لا يقرأ، لأنّ تقريباً هناك حوالي 55 مليون نسخة من الكتب، طبعت عام 2016، ووضعت بين أيدي سكان مصر، ليس ذلك فقط، بل إن مواقع الانترنت يتم تنزيل ملايين الكتب منها سنوياً للقراء في مصر، وهو رقم لا يمكن حسبانه، إلا إذا تعرفنا على الحقائق التالية؛ فعلى الانترنت هناك 25 مليون مصري، وعلى الشبكات الاجتماعية، هناك أكثر من 30 مليون شخص، يتفاعلون سنوياً، ويمكن القول بأنهم يقرأون أيضاً".

تلك الأرقام، تدعمها دراسة غير منشورة للدكتور خالد الغمري، أستاذ المعلوماتية واللغويات الحاسوبية، بجامعة عين شمس، أشار فيها إلى أن مصر الدولة رقم 11 على مستوى العالم استخداماً لموقع "جودريدز"، موقع القراءة الأشهر في العالم، بمعدل 509 ألف مستخدم، وأن القاهرة المدينة رقم 5 على مستوى العالم، استخداماً للموقع، بمعدل 482 ألف مستخدم، وأن المملكة العربية السعودية الدولة رقم 13 على مستوى العالم، استخداماً للموقع، بمتوسط 432 ألف مستخدم، تليها الإمارات، رقم 26 على مستوى العالم، ثم الجزائر رقم 31.

خالد الخميسي لـ"حفريات":قضية إتاحة المعلومات قضية نتناقش فيها منذ سنوات عديدة، وإشكالية الإحصائيات إشكالية قديمة للغاية

إشكالية إتاحة المعلومات

الكاتب والروائي خالد الخميسي قال لــ "حفريات" على هامش الندوة إنّ "قضية إتاحة المعلومات قضية نتناقش فيها منذ سنوات عديدة، وإشكالية الإحصائيات إشكالية قديمة للغاية"، مضيفاً:"سافرت إلى فرنسا لعمل دراسات عليا في العلوم السياسية، بعد تخرجي من الكلية عام 1984، وعدت إلى مصر عام 1989، واعتقدت في تلك الفترة أن أفضل ما أستطيع تقديمه للوطن، هو تأسيس مركز استطلاع رأي، ظناً مني أننا في حاجة إلى مراكز استطلاعية ومراكز إحصاء رأي؛ حتى يتسنى لنا بناء أي شيء في حياتنا، فنحن لا نستطيع القيام بعملية البناء دون معلومات، ودون أرقام دقيقة، وبمجرد أن بدأت في إجراءات تأسيس المركز، تم استدعائي إلى جهاز أمن الدولة المصري، وانتهى حديثي مع الضابط المسؤول في الجهاز، بتأكيده على أن مراكز استطلاع الرأى والإحصاءات، مسألة حكر على الدولة، وأنه على القطاع الخاص أو المجتمع المدني أن ينسحب من هذا الأمر، وقال بما معناه، إننا ممنوعون من إنشاء مراكز استطلاع رأي، بالتالي، تلك القضية تعتبرها الحكومة مسألة يجب أن تتدخل فيها، تدخلا مباشرا".

وأشار الخميسي إلى أننا لو سألنا أسئلة بسيطة، حول صناعة الكتاب، وعن عدد الكتب المنشورة خلال عام، وكم مشتر للكتب، لن نجد إجابة رقمية دقيقة، موضحاً: "أستطيع الآن طرح أسئلة لا حصر لها، ولن نجد أدنى إجابة رقمية دقيقة على الإطلاق، والأرقام في بعض الأحيان، مبالغ فيها صعوداً أو هبوطاً، بالتالي أي رقم نسمعه هو رقم غير دقيق، وعندما نعيش في مجتمع جميع الأرقام المتاحة لديه غير دقيقة، فلن نستطيع بناء أي نشاط تجاري أو صناعي أو ثقافي".

الصفحة الرئيسية