دوافع الهجوم الدموي في سيناء: الصوفية في مرمى الإرهاب

داعش والصوفية

دوافع الهجوم الدموي في سيناء: الصوفية في مرمى الإرهاب


25/11/2017

لم يكن الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في تاريخ مصر الذي استهدف مسجد الروضة بشمال سيناء في الرابع والعشرين من الشهر الجاري وسقط ضحيّته 305 قتلى من المصلّين، بينهم 27 طفلاً، بمعزل عن تهديدات سابقة للتنظيمات الإرهابية بحق أتباع الطرق الصوفية في مصر، لتتوج هذه الجريمة المروّعة في مسقط رأس الشيخ الراحل عيد أبوجرير، الذي يعد الأب الروحي للطرق الصوفية في سيناء سلسلة جرائم سابقة في هذا السياق.

 لم يكن الهجوم الدامي الذي استهدف مسجد الروضة بمعزل عن تهديدات إرهابية سابقة بحق أتباع الطرق الصوفية بمصر

ورغم حالة الاستنفار التي لجأت إليها قوات الأمن في مصر رداً على هذه التهديدات في مناسبات سابقة، إلا أنّ "عناصر تكفيرية يتراوح عددهم ما بين 25 إلى 30 عضواً يرفعون علم داعش"، وفق ما صرح النائب العام المصري، تمكنوا من تنفيذ جريمتهم التي يخشى أنّها ستكون حلقة أخرى في "استراتيجية الأهداف السهلة" التي تستهدف تشتيت الجهود الأمنية المصرية في حربها ضد الإرهاب.

 المفترض ألا تشكل "عملية الروضة" مفاجأة؛ إذ أعلن تنظيم داعش  صراحةً قبل 3 أشهر أنّه سيستهدف هذا المسجد تحديداً

والمفترض أنّ تلك العملية لم تكن مفاجئة؛ إذ إنّ "داعش"، كان قد أعلن بشكل صريح عبر صحيفته الإلكترونية "النبأ"، قبل 3 أشهر، أنّه سيستهدف هذا المسجد تحديداً، كونه مركزاً للطريقة الجريرية التي اعتبرها أكثر الطرق الصوفية "شركاً" على حد زعمه.

تهديدات "الشرك والردة"

وكانت حالة من القلق انتابت أقطاب وأتباع الطّرق الصّوفية في مصر، بعدما نشرته إحدى الصحف المصرية في أيلول (سبتمبر) 2017، بالكشف عن مخططات لتنظيم داعش لاستهداف مقام الحسين، حيث وضع التنظيم الإرهابي قائمة للأهداف ينوي مهاجمتها، من بينها استهداف الصوفية المتوافدين على مسجد الحسين، واصفاً إياهم بـ"المشركين" بحجة اعتقادهم بالأولياء وتوافدهم على الأضرحة، بالإضافة لتقديسهم شخصيات صوفية شهيرة مثل؛ ابن الفارض وابن عربي والحلاج، وهي شخصيات، وفق اعتقاد التنظيم الإرهابي، تؤمن بمبدأ "الحلول والاتحاد الذي يخالف العقيدة".

 هدد تنظيم داعش في وقت سابق بأنه لن يسمح بوجود طريقة صوفية واحدة في مصر

وذكرت صحيفة "الدستور" المصرية أنّ التنظيم الإرهابي هدد بأنّه لن يسمح بوجود طريقة صوفية واحدة في مصر، وأنّ الخطة الموضوعة تشمل ضرب المنطقة السياحية القريبة من ضريح الحسين، لافتة إلى أنّ "داعش" أكد أنّ دماء أتباع هذه الطرق الصوفية "مهدرة"؛ لأنّهم يتعاونون مع الدولة المصرية ضد التنظيم، بالإضافة لعلاقات التقارب بينهم وبين "الشيعة الرافضة"، وإبلاغهم عن بعض عناصر التنظيم الإرهابي في عدد من المرات.
وعلى الفور، أعلنت الطرق الصوفية حالة الطوارئ حول ضريح الإمام الحسين، مبدية عدم خضوعها للتهديدات، وأنّها ستنطلق بمسيرة وصفتها بـ"المليونية" من أمام مسجد الجعفري.
حشود في مواجهة المفخخات
في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي، زحف الآلاف من أبناء الطرق الصوفية نحو ساحة "جمع الجموع"، الواقعة بالقرب من مسجد الجعفري الشهير بقلب القاهرة، واصطفوا تحت وقع الطبول في مواكب تعلوها الرايات ويتقدمها شيوخ الطُّرق، ثم بدأوا الزحف في اتجاه مشهد الإمام الحسين، في حماية المئات من قوات الأمن، لإقامة احتفالات العام الهجري الجديد 1439.

أخذ المسلسل الدّموي ضد الصوفية يتزايد عقب تصفية "داعش" العام 2016 للشيخين سليمان أبو حراز وقُطيفان المنصوري

لم تشهد مصر فعاليات للصوفية بهذا الزخم منذ أعوام، فقد عاشت الشوارع حالة من الاختناق المروري؛ بسبب التوافد المكثف من المريدين، مما اضطر القوات الأمنية لغلق الشوارع المحيطة في أكثر المناطق ازدحاماً في وسط القاهرة، ونصب بوابات إلكترونية لكشف المفرقعات والأحزمة الناسفة.
وصلت درجة الاستنفار حدّ أنّ مصدراً أمنياً صرح لإحدى الصحف المصرية، بأنّ قوات الأمن أعلنت حالة الاستعداد القصوى، لتأمين الطرق الصوفية المشاركة في الاحتفالات، من خلال نقاط تفتيش ثابتة ومتحركة، في جميع الأماكن التي ستمر بها المواكب، ووضع قوات التدخل السريع، في حالة الجهوزية والاستعداد.

بدأ  "داعش" بـ"حرب الأضرحة" بالتوازي مع الهجمات شنها على عدد من الكنائس المصرية في نيسان (أبريل) 2017

بدا الزخم الصوفي هذا العام تحدياً للجماعات الدينية المتطرفة، بشقيها المسلح والسلمي، فبعد أنّ دخلت الطرق الصوفية في معارك فقهية وكلامية مع التيارات السلفية "الوعظية والعلمية" باتت تواجه تهديداً مباشراً من تنظيم "داعش" في سيناء، الذي توعدهم بالقتل والتصفية، وأخذ نصيبهم من الهجمات الدامية، بعد ما دعاهم لما أسماه "الاستتابة من الشرك والردة".
ضريح الحسين

 

إرهاصات "حرب الأضرحة"
عقب تفجير الكنيسة البطرسية في كانون الأول (ديسمبر) العام 2016، أعلن تنظيم "داعش" عن نيته استهداف الطرق الصوفية في مصر بعد أيام من قطعه رأس الشيخ سليمان أبو حراز، أحد شيوخ الطريقة الصوفية السيناوية، والقيادي في الطريقة الجريرية بسيناء قُطيفان المنصوري في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، وأخذ بعدها مسلسل داعش الدّموي ضد الصوفية يتزايد.
ولم تكن تلك المرة الأولى الذي تستهدف فيها التنظيمات الإرهابية الطرق الصوفية؛ إذ استيقظ أهل سيناء في 14 أيار (مايو) العام 2011، ليروا أكبر أضرحتهم بالشيخ زويد وقد تحول إلى ركام عقب ثورة 25 من كانون الثاني (يناير)، على أيدي مسلحين ملثمين.

في ظل عدم وجود مكون بارز للشيعة بمصر فإنّ "داعش" يحاول خلق البديل الطائفي عبر المكون الصوفي الكبير

وبدأ  داعش بـ"حرب الأضرحة" بالتوازي مع الهجمات الإرهابية التي شنها على عدد من الكنائس المصرية في نيسان (أبريل) 2017، حين قام عدد من عناصر التنظيم المشاركين في الهجمات بوضع عبوة ناسفة بجوار مسجد سيدي عبد الرحيم بطنطا في رسالة "دموية" منه للطرق الصوفية.
وفي حوار لمن يسمى "أمير الحسبة في سيناء" نشرته جريدة "النبأ" الداعشية في كانون الأول (ديسمبر) 2016، ذكر أنّ عموم الطرق الصوفية "القبورية" على حد وصفه، داخلة في دائرة الحرب التي أعلنها التنظيم، داعياً إياهم إلى "التوبة أو القتل" وأخذ أموالهم كـ"غنيمة".

 اختطف "داعش" العام 2016 عدداً من مريدي الطرق الصوفية في سيناء وعرض عليهم "التوبة من الشرك"

وأضاف في الصحيفة الإلكترونية التي يصدرها التنظيم أسبوعياً، أنّ قيادات الأمن المصري تربطها علاقات وثيقة بالطرق الصوفية، وأنّهم يتبادلون الزيارات في ما بينهم وهذا يستدعي إعلان الحرب عليهم.
وأشار إلى أنّ التنظيم اختطف عدداً من مريدي الطرق الصوفية في سيناء، واحتجزهم في مقر تابع له لعدة أيام، وعرض عليهم "التوبة من الشرك" -على حد وصفه- لكي يتم إطلاق سراحهم، مشيراً إلى أنّه تم عمل دورات شرعية لهم وتسجيل توبتهم داخل مركز الحسبة قبل الإفراج عنهم.

استدعاء خطة الزرقاوي الجهنمية
غيّر التنظيم، إذاً، من أجندته الصراعية، بعد تعليمات واضحة بذلك- فيما يبدو- من رؤوس قادة التنظيم الإرهابي الأم، فبعد أن كان على رأس أولويات تلك الأجندة استهداف قوات الجيش والشرطة، ظهرت في السنة الأخيرة أهداف أخرى مدنية تقف وراءها دوافع خلق الفتن الطائفية.
وفي ظل عدم وجود مكوّن بارز للشيعة في مصر، فإنّ التنظيم يحاول خلق البديل الطائفي، الذي يرى وجوده في المكون الصوفي الكبير في البلاد، أو المكون المسيحي، فمن خلالها يحاول التنظيم إيجاد ثغرة للنفوذ، يمكن الدق عليها حتى تشتعل شرارتها، وتندلع الفتنة، أو على الأقل يشتت الجهود الأمنية ويثقلها بمزيد من الأعباء، فبعد أن ركزت جهودها في تأمين الكنائس، تحتاج للمزيد من تشديد الحراسات على الأضرحة والمزارات الصوفية، والتأمين المشدد للاحتفالات.

يبدو أنّ "داعش" يتجه لوضع أهداف سهلة على أجندته الصراعية ضد الصوفية يمكن التبرير لاستهدافها "شرعياً" وفق أدبياته

ويظهر بوضوح تتبع "داعش" لخطوات تنظيم "التوحيد والجهاد" في العراق، منذ تأسيسه على يد الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، الذي وضع الحجر الجهنمي الأول في خطة التجييش الطائفي، فكشف لشيخه بن لادن عن محاور خطته للعمل في الحقل العراقي؛ حيث اعتبر أنّ الشيعة هم مفتاح التغيير، شارحاً ذلك بقوله: "أقصد أنّ استهدافهم وضربهم في العمق الديني والسياسي والعسكري، سيستفزهم ليظهروا كلبهم على أهل السنة، ويكشروا عن أنياب الحقد الباطني الذي يعتمل في صدورهم، وإذا نجحنا أمكن إيقاظ السنة الغافلين حين يشعرون بالخطر الداهم والموت الماحق على أيادي هؤلاء السبئية.. فالحل الذي نراه أنّ نقوم بكشف الرافضة واستنهاض همم أهل السنة لقتالهم وصدهم".
وفي هذا السياق استهدف الزرقاوي "أضرحة الأئمة" في العراق، ونفّذ عدداً من الهجمات الإرهابية التي أسفرت عن تدمير "مزارات شيعية" في كربلاء وسامراء وبغداد وغيرها من المدن العراقية، وكانت هذه الأفعال الإجرامية بداية فتنة طائفية في البلاد.
ويبدو أنّ التنظيم يتجه لتكرار هذا النهج بوضع أهداف سهلة على أجندته الصراعية ضد الصوفية، يمكن التبرير لاستهدافها "شرعياً" وفق أدبياته، من خلال خططه القديمة والمجربة في مناطق صراع عدة، ومحاولة تطبيقها في الواقع المصري، حتى تستطيع الإجهاز على المجتمع وتفكيكه، والعيش على أنقاض الفوضى، والنمو والتكاثر بداخلها.
 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية