كيف سقط نظام الإخوان في مصر بسرعة فلكية؟

كيف سقط نظام الإخوان في مصر بسرعة فلكية؟


01/11/2017

مختارات حفريات

في دواعي السقوط الكبير لحكم "الإخوان"

يستعرض الكاتب واقع عام كامل من حكم الإخوان المسلمين في مصر، انطلاقاً من تغيّرات اعتبرها تاريخية بدأت ترسي عدداً من القواعد. من ذلك زوال أنظمة الحكم التي تقوم على الإيديولوجيا، والقناعة بأن النظام القائم على الإيديولوجيا لا بدّ أن يكون قمعياً وشمولياً، حتى ولو جاء من طريق ديموقراطي عبر انتخابات ديموقراطية، وأنه يوزع في دولته المناصب المهمّة والحساسة على جماعة إيديولوجيته، وبالتالي تقل الكفاءات، حيث يُحتاج إليها، وتتراجع أسس الإدارة الحديثة.

قد توجد قاعدة رابعة أفرزها التاريخ الحديث، وهي محاولة أدلجة الناس. لكن بالعودة إلى القاعدة الأولى، وهي زوال أنظمة الحكم التي تقوم على الإيديولوجيا، والتي تؤدي إلى انتشار الفساد، يلاحظ أن هذه الظاهرة لم تخلُ منها دولة على مر التاريخ، فما الجديد هنا إذاً؟ الجديد هو استفحال الفساد إلى حدّ إنهاك الدولة وإضعافها. والقاعدة الثانية تؤدي إلى الخوف نتيجة إرهاب الدولة وقمعها المخيف، وخصوصاً أن النظام في هذه الحالة ينشئ أجهزة أمن من رجاله؛ لا هم لهم إلا التفتيش في الضمائر، واستخدام العنف والتعذيب ضد المعارضين، وإيقافهم وسجنهم، فضلاً عن أن الدولة تمتلك القضاء، فيحكم بما تشاء، تساعده براعة الأمن في تلفيق القضايا، وتحقيق الاغتيالات السياسية.

أما القاعدة الثالثة، فهي تشارك الأولى فى زيادة استفحال ظاهرة الفساد، حيث لا يخشى الموظفون من أي رقابة، لأن أنواع الرقابة تتركز في الجانب الثقافي والسياسي لحماية النظام، يدعم ذلك أيضاً انعدام الكفاءة (القاعدة الثانية)، ممّا يقود إلى فشل الدولة.

شخصية الرئيس الإخواني مرسي لم تكن مقنعة، ولم ينقطع عن جماعته، فتصرف على أنّه رئيس للأهل والعشيرة وليس لبلد كبير مثل مصر

أما القاعدة الرابعة، فهي توجيه التعليم والإعلام نحو الأدلجة، وغسل الأدمغة، ممّا يقضي على جودة التعليم واستقلالية الإعلام وحياديته. لكن الدولة المؤدلجة لا تسقط من تلقاء ذاتها، بل تواجهها مقاومة متصاعدة في الداخل، بجانب تحديات خارجية ومؤامرات لإسقاطها، لأن البعيد والقريب يراها دولة موبوءة بوباء معدٍ، وذلك بداعي سعيها لنشر إيديولوجيتها خارج حدودها. وتلك التحديات الخارجية تجعل كثيراً من القوى العالمية تدعم المقاومة الداخلية. وأقوى الأمثلة على السقوط هنا هو سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفييتي، وسقوط أنظمة الدول التي كانت تدور في فلك السوفييت وتؤمن بإيديولوجيتهم. لكن الأنظمة السابقة كلّها سقطت بعد زمن طويل، وهو أمر يطرح سؤالاً مهماً: كيف سقط نظام الإخوان في مصر بهذه السرعة الفلكية؟ هنا يسهم الواقع بمعطياته في دفع عجلة القواعد التاريخية للعمل الناجز. ولنستعرض صورة واقع عام كامل من حكم الإخوان، قصير في عمر الزمن، لا يكاد يحسب في عمر الدول. أول العناصر التي قد لا يضعها الكثيرون في الحسبان، هو قبح هيئتهم، التي بدأ بالنفور منها الأطفالُ بخاصة، انعدام كامل للذوق فى اختيار الملابس، وطريقة ارتدائها، انتشار غير منتظم لشعر اللحى من دون تشذيب، أو تهذيب، لا عناية إطلاقاً بشعر الرأس، زبيبة منتفخة تتوسط الجبهة، تجهم الوجه في تكشيرة دائمة غير مبررة، فلم يؤثر عن أي قائد إخواني أن افتر فمه عن ابتسامة، غطرسة مبالغ فيها، النطق بمطلقات يدَّعون أنها فصل القول، التلويح بالأيدي والأصابع، استهانة بالآخر إلى حدّ الاحتقار.

هيئة السياسي وحركاته وأسلوب كلامه، وسلوكه وحركاته وسكناته ممّا يتعلمه مع سبق الإصرار السياسيون في العالم المتقدم كي يلقوا قبولاً، بينما ظن إخوان مصر أن التحافهم بالإسلام، وادعاءهم التقوى في ما يشبه الإعلانات التلفزيونية كانت في نظرهم مدعاة لقبولهم، بل إن من ميزات الرئيس الإخواني التي يمن بها على المصريين أنه يحفظ القرآن.

العنصر الثاني الوعود الانتخابية غير القابلة للتنفيذ، فقد وعدوا بتنفيذ مشروع أطلقوا عليه مشروع النهضة، يبدأ تنفيذه في اليوم التالي لفوز الرئيس، وهو مشروع لتنمية مصر ميزانيته 200 مليار دولار تم الاتفاق مع عدد من الشركات العالمية بالنهوض به على حسابها. ثم مشروع المئة يوم الأولى التي وعد فيها الرئيس الناخبين بتنظيف القاهرة، وتحقيق الأمن بجانب أمور أخرى. ويتولى الرئيس الحكم ويعلنون من دون خجل أن مشروع النهضة كان من الخيال الدعائي ولا وجود له، وتمر المائة يوم من دون إنجاز شيء، بل يمر العام، ولم ينل الناس من حكومة الإخوان أي خير. المشروع الوحيد الذي نجح فيه الإخوان، هو ما أطلقوا عليه مشروع التمكين بأخونة الدولة. لقد زرعوا قادة إخوان لكلّ مؤسّسات الدولة، حتى آلاف المدارس عينوا لها مديرين من الإخوان، ولم ير الناس في القادة الجدد سوى انعدام الكفاءة والغطرسة والفساد. وقد أسهم ذلك في اكتسابهم قدراً عالياً من كراهية قطاع عريض من موظفي الدولة ذوي السيطرة والهيمنة على الجماهير، ونشأت أيضاً علاقات بين هذه القيادات والمواطنين العاديين ورجال الأعمال مبنية على أساليب من الفساد الواضح الذي وصلت رائحة عفنه للناس، وهنا يحضرني قيامهم بمنح عناصر إخوانية حق احتكار مجالات معيّنة، وتفضيلهم على غيرهم في المناقصات والمزايدات. كما يقول الرئيس الأسبق حسني مبارك إن الإخوان ليس من بينهم من يصلح أن يكون رجل دولة قط، ومن ثم فشخصية الرئيس الإخواني لم تكن مقنعة، وبدت خطاباته كنوع من الخلط والاضطراب العقليين. ذلك الرئيس الذي لم تنجح رئاسته في قطع الحبل السري الذي يربطه بجماعته، فتصرف طوال الوقت على أنه رئيس – على حد تعبيره – للأهل والعشيرة وليس لبلد كبير مثل مصر. واختار ذلك الرئيس أيضاً رئيساً للوزراء بلا هيبة ولا حزم ، فازداد الأمر سوءاً، وامّحت هيبة الدولة تماماً، بل كادت تختفي من الوجود. صاحب ذلك انعدامٌ للأمن ناجم عن عدم تطبيق القانون على كلّ من هو إخواني أو ينتمي للإسلام السياسي الموالي، وصاحب ذلك اختراق للقضاء، وتعيين نائب عام غير قانوني، فانهارت العدالة انهياراً حقيقياً لعدم حيادية النائب العام، ورمزياً بمحاصرة ميليشياتهم أعلى محكمة في مصر، وهي المحكمة الدستورية العليا، فلم يعد يأمن الناس على أنفسهم وعلى أعراضهم وأموالهم. وبمناسبة الميليشيات التي حاصرت المحكمة الدستورية، فإن حكومة تملك قوات شبه عسكرية ليس لها صفة رسمية سوف يصنفها الناس بأنها حكومة غير شرعية. تلك الميليشيات حاصرت مدينة الإنتاج الإعلامي مع الملاحقة القضائية للإعلاميين بتهمة إهانة الرئيس أو ازدراء الأديان، ممّا كمّم الأفواه واستنفر الإعلام ضد الحكومة. وتلك الميليشيات عاثت في الأرض فساداً أيضاً، وقطعت الطرق وهاجمت مقرات الأحزاب، واعترضت المظاهرات السلمية قتلاً وتجريحاً. وكان ردّ فعل ذلك كلّه أن الناس بدأت تتسم بالعنف، وتواجه الميليشيات، وتحد من خطرها ومن تعدياتها.

عين آلاف من المديرين الإخوان في المدارس، ولم ير الناس في القادة الجدد سوى انعدام الكفاءة والغطرسة والفساد

اضمحل دور قوات الأمن والقضاء وامتلأت حياة الناس بالخواء. يضاف إلى كلّ هذا، سوء سلوك اقتصادي مزرٍ، أدى إلى ارتفاع جنوني للأسعار، وانخفاض للتصنيف الائتماني لمصر، وارتفاع مخيف للتضخم، ونقص في الوقود والغذاء، وتدهور في مستوى الاحتياطي من العملة الصعبة، ووصول الجنيه المصري إلى حالة من الإنهاك مقابل العملات الأجنبية. كما أغلقت كثير من المصانع، وهلك الزرع والضرع لعدم توفر الوقود لرفع المياه لري الأرض، مما رفع معدل البطالة، ونسبة من هم أدنى من خط الفقر. أما القشة التي قصمت ظهر البعير في آخر منجزات الإخوان، فكانت في مهاجمة الثقافة والفن واحتقار التراث الفرعوني واعتباره تراثاً وثنياً ينبغي التخلص منه.

إن التحدي الذي واجه المثقفين والفنانين هو مقاومة محاولة شنيعة للقضاء على الهوية المصرية، وبخاصة مع تردد أقوال عن التفريط في الأرض، واستدعاء ميليشيات أجنبية لسيناء، واتجاه سريع نحو تدمير هياكل الدولة المدنية. لذا مارس المثقفون أطول اعتصام احتلوا خلاله وزارة الثقافة. وكانت ثورة 25 يناير قد فشلت، وأرجع الناس فشلها إلى ألاعيب الإخوان وتحالفهم مع الغرب، لكن تلك الثورة حققت إنجازاً مذهلاً، وهو نزع الخوف من السلطة من صدور المصريين، بل ومن أي شىء يثير فزع الشعوب، فقرروا استعادة ثورتهم وقد جمعهم الحنق الشديد ضد الإخوان، وخرج 33 مليون مصري إلى الشارع في 30 يونيو، وكلّهم ثقة بقدرتهم على تغيير الكون كلّه، وأمروا جيشهم بعزل مرسي في قصة طويلة وطريفة تستحق التسجيل، لكن ذلك موضوع آخر يحتاج إلى مقال مستقل.

 

د. سليمان العطار- كاتب من مصر
عن نشرة "أفق". مؤسسة الفكر العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية