استمرار خطة أردوغان لإخضاع المؤسسة القضائية التركية

أخونة القضاء؛ استمرار خطة أردوغان لإخضاع المؤسسة القضائية التركية

استمرار خطة أردوغان لإخضاع المؤسسة القضائية التركية


06/03/2024

يمكن القول إنّ الصراع ما زال مستمراً بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وممثلي السلطة القضائية في تركيا، بعد تصاعد حدة التصريحات التي تحمل نبرة التحدي بين الطرفين، حيث يواصل أردوغان بسط هيمنته على المؤسسة القضائية، تمشياً مع مخطط التمكين الذي بدأه بتغيير الدستور، وتهميش البرلمان، وتركيز السلطة في قبضته.

إقالة القضاة وسيلة أردوغان للهيمنة

في 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 أصدر المجلس الأعلى التركي للقضاة قراراً بإقالة (11) قاضياً ومدعياً ​​عاماً، ليصل إجمالي عدد القضاة الذين فصلوا من عملهم نحو (4500) قاضٍ، ومدعٍ عام، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة العام 2016، في حملة مسعورة قادها أردوغان بنفسه، لتصفية المؤسسة القضائية من العناصر التي لا تنتمي إلى فصيل الإخوان، واتهامهم بالانتماء إلى جماعة فتح الله غولن، الذي يتهمه نظام أردوغان بالضلوع في تدبير الانقلاب الفاشل.

ويهدف أردوغان إلى القضاء على أيّ صوت معارض، لتأكيد هيمنته على مؤسسات الدولة، وإبعاد المعارضة عن كافة المواقع القيادية، كما يحاول الهيمنة على المؤسسة القضائية، لإفساح الطريق أمام الزج بالمعارضين داخل السجون، والتغطية على الممارسات القمعية التي تستهدف المعتقلين، الذي أعلنوا إضراباً شاملاً عن الطعام، في معركة "البطون الفارغة" لمواجهة الإجراءات الدكتاتورية التعسفية من قبل النظام.

الرئيس السابق للمحكمة الدستورية التركية هاشم كيليتش

وتكشف الإحصائيات التي تتناول عدد الأتراك الذين جرى استجوابهم أرقاماً مفزعة، فقد بلغ إجمالي عدد الذين تعرضوا للمساءلة ما يقرب من (400) ألف فرد، اعتقل منهم نحو (80147) فرداً، وتم احتجاز (141558) بطاقة غير قانونية، أمّا الذين فُصلوا من وظائفهم فقد بلغ عددهم قرابة (170372)، منهم نحو (17844) ضابط جيش تم عزلهم وتجريدهم من الرتب العسكرية، بالإضافة إلى (16409) من الطلاب العسكريين فصلوا من أكاديمياتهم بداعي الاتصال بجماعة غولن.

هاشم كيليتش يفضح الممارسات التعسفية

وكان الرئيس السابق للمحكمة الدستورية التركية هاشم كيليتش قد أكد في أعقاب مذبحة القضاء، أنّ النظام يتدخل بشكل سافر في توجيه الأحكام القضائية، ممّا دفع عدداً كبيراً من القضاة إلى الاستجابة للإملاءات السياسية بداعي الخوف، فخالفوا ضمائرهم تحت ضغط السلطة.

في 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 أصدر المجلس الأعلى التركي للقضاة قراراً بإقالة (11) قاضياً ومدعياً ​​عاماً، ليصل إجمالي عدد القضاة الذين فصلوا من عملهم نحو (4500) قاضٍ، ومدعٍ عام، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة العام 2016

وقال كيليتش متحدياً: إنّ "انتهاك الحريات والحقوق مستمر من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية، والقضاء هو ملاذ المظلومين وضحايا السياسة، وإذا كان القضاء أيضاً شريكاً في ذلك، فإنّنا بهذا لن نتمكن من تحقيق الأمن". لافتاً إلى أنّ "الأمن القانوني هو أساس الاقتصاد والاستثمار، وسيادة  القانون في دولتنا أصبحت تعاني من المشاكل، فالقضاة في تركيا يخافون أن توجه لهم اتهامات بالخيانة والرجعية والانتماء لتنظيم غولن، ممّا يجعل القاضي يضطر إلى التخلي عن ضميره". واتهم كيليتش النظام التركي بتجاهل جميع القواعد الدولية والإنسانية والأخلاقية؛ للحصول على أحكام قضائية تصب في صالح الحزب الحاكم، وتنكل بالمعارضة. 

وسبق أن تطرق رئيس حزب الديمقراطية والتقدم التركي علي باباجان إلى أزمة مراسيم حالة الطوارئ، قائلاً: "جميع من لم تصدر بحقهم أيّ أحكام نهائية صادرة عن جهات قضائية مستقلة ومحايدة هم أبرياء، لا بدّ من حل مشكلات هؤلاء الأشخاص، وإعادة الحق إليهم وردّ اعتبارهم وحقوقهم الشخصية المسلوبة".

تقرير جديد يكشف حجم تكميم الأفواه

أكدت منظمة (هيومن رايتس ووتش)، في التقرير العالمي للعام 2024، أنّ القرارات المسيّسة للمحاكم في تركيا، وتداعيات الصراع على السلطة في النظام القضائي، بعد إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان، تنذر بتدمير سيادة القانون في تركيا، حيث تعرضت وسائل الإعلام في البلاد للرقابة المشددة، وتواجه منصات إخبارية مستقلة الملاحقات والغرامات التعسفية.

ومن جانبه، قال هيو ويليامسون، مدير أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة (هيومن رايتس ووتش): "سرعان ما أعقبت فوز أردوغان في الانتخابات صراعات داخل القضاء وتسييس لقرارات المحاكم، ممّا يشير إلى التآكل الشديد لحقوق الإنسان وسيادة القانون في البلاد. في مئوية تركيا يشمل سجلها الحقوقي إسكات وسائل الإعلام واستهداف المعارضين السياسيين ومعاقبتهم باستمرار".

 رئيس حزب الديمقراطية والتقدم التركي علي باباجان

وفي مقالتها الافتتاحية بالتقرير العالمي للعام 2024، بنسخته الـ (34)، تقول المديرة التنفيذية تيرانا حسن: إنّ التبعات الكبيرة لما جرى في تركيا في العام 2023، لا تتعلق فقط بقمع حقوق الإنسان، ولكن أيضاً بانتقائية الحكومة في التعبير عن الاستنكار والدبلوماسية المبنية على الصفقات التي كان لها ثمن باهظ دفعه الآخرون.    

وبحسب التقرير، تشمل الإجراءات الأخرى المثيرة للقلق في تركيا، القيود على الإعلام، والرقابة على الإنترنت، وحظر المظاهرات، واستغلال الإجراءات الجنائية ضد صحفيين، وحقوقيين، وسياسيين، ومستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، مع الهيمنة على مؤسسة القضاء، وما ترتب عليه من زيادة حالات التعذيب وسوء المعاملة من قبل الشرطة والدرك، في أعقاب زلزال 6 شباط (فبراير) المدمر في جنوب شرق البلاد. وتزامن مع ذلك تمديد فترات احتجاز السياسيين الأكراد بتهم مسيّسة، وسوء معاملة اللاجئين وتكثيف ترحيلهم.

يرى الكاتب الصحفي الكردي مصطفى عبدي أنّ الرئيس التركي أردوغان يقود حملة ممنهجة، منذ مسرحية الانقلاب العسكري، ضدّ كل الأطراف، والجهات، والمؤسسات التي لا تخضع له بصورة كليّة؛ بداية من مؤسسة الجيش مروراً بالصحافة، والقضاء، وصولاً إلى الأحزاب

وفي تصريحاته لـ (حفريات) يرى الكاتب الصحفي الكردي مصطفى عبدي أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقود حملة ممنهجة، منذ مسرحية الانقلاب العسكري، ضدّ كل الأطراف، والجهات، والمؤسسات التي لا تخضع له بصورة كليّة؛ بداية من مؤسسة الجيش مروراً بالصحافة، والقضاء، وصولاً إلى الأحزاب.

ويرى عبدي أنّ الهيمنة على القضاء سبقها قرار تقسيم نقابة المحامين، بغية إخضاعها، لافتاً إلى أنّ القضاء اليوم في تركيا مسيس، ويخضع فقط لأوامر أردوغان  الشخصية، فهو الذي يطرد أو يعتقل القضاة، وهو الذي يقرر متى يجب الإفراج عن المعتقلين، ومتى يجب الحكم عليهم أو تبرئتهم، والأدلة كثيرة.

وأكد عبدي أنّ محاكمات العسكريين المتهمين بالانقلاب، أو رؤساء البلديات الكردية، وكذا أعضاء وقيادات حزب الشعوب الديمقراطية، تتسم بنوع من الانتقام السياسي الذي يمارسه حزب (العدالة والتنمية) في تركيا لا أكثر، ولتنفيذ ذلك كان يجب الإطاحة بكل قاضٍ لا ينفذ أوامر أردوغان بصورة حرفية.

ويضيف الصحفي الكردي: "لا ننسى أنّ الرئيس التركي تدخل لحذف المادة (70) من امتحان القضاة ووكلاء النيابة في شباط (فبراير) العام 2019، وذلك لتمكين نحو (6728) شخصاً من أعضاء فصيل الإخوان بحزب (العدالة والتنمية) من الجلوس على منصة القضاء وكرسي النيابة العامة، بعد حذف تلك المادة وتعديلها، لقبول الحاصلين على (40 أو50) درجة، ومن لم يملك الكفاءة، فالمعيار هو الانتماء والولاء والخضوع التام.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية