اغتيال البنا!

اغتيال البنا!

اغتيال البنا!


02/05/2024

أحمد رفعت

عقب اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى ورد الفعل الغاضب شعبياً ورسمياً.. الجماهير.. الملك والحكومة.. وجد حسن البنا نفسه معزولاً عن الجميع.. حتى جماعته.. خاصة بعد القبض على أغلب قيادات الجماعة وتركوه وحيداً بلا سبب.. بما أوحى للجميع أنه سيتم التخلص منه بأسرع وقت.. فلا توجد دولة فى العالم تتفرج على قتل مستشاريها ورؤساء حكوماتها والقنابل والتفجير فى كل مكان.

أما «البنا» نفسه فبلغه الأمر نفسه.. حتى إنه طالب باعتقاله وأن يبقى مع إخوانه فى السجن وهى لحظات العزلة القاتلة والرعب المميت التى عبر عنها مسلسل «الجماعة» وكيف أن البنا سعى إلى وساطة الكثيرين من رجال الدولة أو القريبين منهم للبحث عن حل.

ويبدو أن حلاً بات فى الأفق لكن نتركه قليلاً لنبقى فى الرواية الإخوانية عن الحادث التى ظلت هى الرواية الوحيدة لأكثر من نصف قرن وفيها الأساطير التى تنجح الجماعة كل مرة فى صياغتها ونسج تفاصيلها حول أحداثها الكبرى ومنها أن قوى دولية هى التى قتلت البنا حتى إن سيد قطب يروى -هكذا يقولون- كيف أن أجراس الكنائس دقت فى الولايات المتحدة بشدة، وعندما سأل من حوله عن السبب قالوا له إن اليوم مات رجل خطير، فسأل مجدداً فقالوا مات حسن البنا الرجل الذى كان يريد إعادة مجد الإسلام!

رواية أخرى ساذجة عن زيارة الملك له بالمستشفى الذى نقل إليه عقب الاغتيال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. وبعد أن أبدى الشماتة بصق عليه وأمر بعدم إسعافه!

يقول «القرضاوى» فى كتابه «سيرة ومسيرة» وهو موجود على موقعه الإلكترونى: «كان يمكن أن يُسعف الأستاذ، وأن يوقف النزيف، وتنتزع الرصاصات من الجسد، بقدر الله ووفق سنته، ولكن وقع إهمال جسيم متعمد، فظل دم الرجل ينزف، ولا يقدم له الإسعاف السريع اللازم، حتى قضى نحبه».

ويضيف فى سطور أخرى: «فى حين كان الحزن مخيماً على أبناء مصر، كان الناس هناك فى الغرب، فى أوروبا وأمريكا خاصة يحتفلون بهذه المناسبة السعيدة عندهم؛ قتل حسن البنا، وغيابه عن الساحة، فقد كانوا هم أعرف الناس بقيمة الرجل، وقيمة دعوته، وعظم خطره عليهم، كما أعلمتهم أجهزتهم الراصدة المراقبة عن كثب».

ويضيف: فلا عجب أن شربوا أنخاب الخمر، وتبادلوا التهانى، وأظهروا السرور؛ وهو ما لفت نظر الكاتب الكبير الأستاذ «سيد قطب»، الذى كان فى بعثة إلى أمريكا فى ذلك الوقت، وتصادف وجوده معهم، ومشاهدة الفرحة فى أعينهم، فسألهم عن السبب، فأخبروه باغتيال «حسن البنا»، وهذا ما شد انتباه الأديب الكبير الشاعر الناقد، سيد قطب إلى حسن البنا ودعوته، ونقله بعد ذلك من كاتب كبير إلى داعية كبير، وكتب فيما كتب عن «حسن البنا وعبقرية البناء»!

من هو الداعية الكبير الذى أبلغه سيد قطب بذلك؟! لا نعرف.. هل الغرب يعرف مصر إلى هذا الحد فى نهايات النصف الأول من القرن العشرين؟! لا أحد يقول لنا والجميع يعرف جهل المواطن الأمريكى بغير قضاياه الداخلية وهو ما بدأ يتغير نسبياً فى السنوات الأخيرة.. هل الكنائس لا ضابط لها حتى تدق علناً لقتل أحد والعامة يسيرون فى الشوارع يعرفون السبب؟ لا أحد يناقشك!

هذه الروايات شديدة العبط وقد بلغتنا.. لأجيالنا يعنى، بما فيها كاتب هذه السطور ونحن أطفال فى الثمانينات، أى إنها بقيت هكذا حتى بدأ جيل جديد من الباحثين يأخذ طريقاً مغايراً من التفكير والبحث! ورغم وجود إشارات مبكرة جداً لذلك لكنها قتلت وتم تحويل التفكير فى المسار التى أرادته الجماعة عن اغتيال زعيمهم أو على الأقل المجموعة التى تولت أمر الجماعة علناً فى تلك الفترة.. فالباحث فى شئون الإخوان الزميل عمرو فاروق يكتب على موقع «العربية» فبراير 2021.

ويقول: «شواهد تلك الواقعة أوردتها صحيفة الأهرام المصرية فى صدر صفحتها الأولى، فى عددها رقم 2280 يوم 12 شباط (فبراير) 1949، حول مقتل حسن البنا، مبيّنة أن «الإخوان المسلمين هم الذين قتلوا حسن البنا، لأنه كان ينوى إبلاغ الحكومة عن مكان الأسلحة وأن وزارة الداخلية تلقت من الشيخ حسن البنا خطاباً بعنوان (ليسوا إخواناً.. وليسوا مسلمين)، وجّه فيه اللوم إلى الذين ارتكبوا الحوادث الماضية، وأشار إلى حادثة محاولة نسف مكتب النائب العام»!

إذن فكرة قتل الإخوان للبنا لمنعه من تقديم التنظيم الخاص على طبق من فضة للحكومة وقتها قديمة طرحت بعد الحادث مباشرة وظلت مختفية لأكثر من نصف قرن لنجدها اليوم فى كتابات تاركى الجماعة والتائبين عنها، خاصة المفكر الكبير ثروت الخرباوى فى كل لقاءاته وكتاباته ومداخلاته وندواته بما فيها ما نقلته «الوطن» ذاتها عن الخرباوى عن أحد البرامج التى حل ضيفاً عليها فى 22 يناير 2019!

وبلغت حد التساؤل: لماذا لم تزر قيادات الجماعة قبر حسن البنا بعد الوصول للسلطة؟! فى إشارة إلى أن قادة التنظيم الخاص هم من يتولون أمر الجماعة اليوم وهم من قتلوا زعيمهم ولكنهم يعتبرون الجماعة جماعتهم ومصدر شرعيتهم فيها وبين التيارات الأخرى!

عن "الوطن نيوز"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية