التقارب بين مصر وتركيا يمر عبر تفكيك لغـز الإخوان قبل ليبيا

التقارب بين مصر وتركيا يمر عبر تفكيك لغـز الإخوان قبل ليبيا

التقارب بين مصر وتركيا يمر عبر تفكيك لغـز الإخوان قبل ليبيا


30/10/2022

محمد أبو الفضل

يبدو أن الخيار الوحيد لإحداث نقلة نوعية في العلاقات بين مصر وتركيا والوصول إلى مرحلة التطبيع الكامل هو التفاهم في الملفات الأمنية، وتحقيق اختراق واضح في الموقف من جماعة الإخوان التي اتخذت أنقرة إجراءات مختلفة ضد أذرعها الإعلامية على أراضيها والتي لا تعتبرها القاهرة كافية حتى الآن بعد أن زادت الجماعة تحريضها على النظام المصري وخالفت تعليمات واضحة سابقا في هذا الشأن.

وربط مراقبون بين تجميد مصر التواصل السياسي مع تركيا وبين بطء الأخيرة في التجاوب مع جملة من مطالب الأولى بشأن تضييق الخناق على الإخوان وتسليم بعض الشخصيات، خاصة أن رؤية القاهرة حول تسويف أنقرة في هذا الملف بدأت تتضح معالمها، حيث نشطت أخيرا كوادر في الجماعة أو متحالفة معها انطلاقا من تركيا في التحريض على تظاهرات بشوارع مصر في الحادي عشر من نوفمبر المقبل.

وبعثت السلطات التركية بهدية إلى مصر، الجمعة، عندما قامت بتوقيف رئيس التحرير السابق لقناة الشرق ومقدم برنامج “رؤية” حسام الغمري، ولم يستبعد الأدمن الخاص بصفحته على تويتر ترحيله وتسليمه إلى مصر، ما يشير إلى أن أنقرة تريد التنصل تماما منها أو الظهور كمن تقف في الخفاء وراء دعوة الإخوان لتظاهرات عامة في مصر، فتخسر ما تحقق من تقدم معها على مستويات متباينة الفترة الماضية.

ونشرت وسائل إعلام مصرية وعربية أن أجهزة الأمن التركية ألقت القبض على إعلاميين آخرين، صنفتهم ضمن “الكود G 67” الذي تدرج تحته عناصر تمثل خطرا على أمن الدولة، في رسالة إلى القاهرة تشي أن أنقرة لا علاقة لها بالتظاهرات المقبلة.

ودعا حسام الغمري على مواقع التواصل الاجتماعي المواطنين إلى التظاهر، الجمعة، عقب انتهاء مباراة فريقي الأهلي والزمالك على بطولة كأس السوبر، كبروفة أو تجربة لتظاهرات الحادي عشر من نوفمبر، في وقت زادت فيه أجهزة الأمن المصرية من استنفارها ورفع درجة الاستعداد خوفا من اندلاع تظاهرات مفاجئة.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري أكد في تصريحات إعلامية، الجمعة، مع إحدى القنوات العربية، أن الحوارات السياسية مع تركيا متوقفة دون نفي توقفها على الصعيد الأمني، وأنها ظلت مستمرة في أوج مراحل التدهور في الجانب السياسي.

وكشفت تطورات الصعود والهبوط في العلاقات بين البلدين أن ملف الإخوان يمثل العقدة الرئيسية التي أدت إلى مواصلة الانسداد السياسي، وما لم يتحقق اختراق فيه لن يحدث تقدم ملموس في الجوانب الأخرى، ففي كل مرة يتم الحديث فيه عن تقارب بين الطرفين يتعثر عندما يتم الدخول في التفاصيل المتعلقة بجماعة الإخوان.

وظهرت أنقرة في مرات عديدة كمن لا تريد أن يبلغ التعاون المستوى الذي تريده القاهرة التي طلبت مباشرة غلق جميع المنافذ الإعلامية والسياسية أمام الإخوان، وتسليم مطلوبين أمنيا صدرت في حقهم أحكام قضائية باتة، فرغم الخطوات التي اتخذت من قبل تركيا، لكنها لا تزال تترك هامشا مريحا للحركة أمام عناصر الإخوان.

وتمنح مصر أولوية لقصقصة الأجنحة في ملف الإخوان تفوق الأزمة الراهنة في ليبيا التي نجحت تركيا في فرض سيطرتها على الكثير من مفاصلها، وتمكنت من الحصول على مزايا عدة مؤخرا في ظل حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، حيث وقعت معه حزمة اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات متعددة تعزز نفوذها.

ومع كل الخطورة التي يمثلها التقارب الحثيث بين أنقرة والدبيبة، إلا أن القاهرة صبت غضبها على الثاني باعتبار أن ولايته انتهت ولا يحق له التوقيع على وثائق رسمية، وخلا خطابها من إدانة مباشرة للطرف الأول مع أنه المتحكم في المعادلة.

كما أن تركيا تعاملت مع ردود الفعل الرافضة لتوجهاتها نحو حكومة الدبيبة بانتقائية مماثلة، وصبت غضبها على اليونان ولم تأت على ذكر مصر بالتوازي، مع أن وزير خارجية اليونان نيكوس ديندياس أدان توقيع تركيا على مذكرة التفاهم بشأن الطاقة مع طرابلس في أثناء عقد مؤتمر صحافي مع نظيره المصري سامح شكري في القاهرة.

ولا يعني عدم الرضاء المصري على التصرفات الليّنة لتركيا مع الإخوان والصمت على تصوراتها في ليبيا أن الثانية أقل أهمية أو غير مكترثة بها، بل يشير إلى أن هناك ترتيبا في الأولويات، لأن تفكيك العقد المركزية في ملف الإخوان يقود إلى حل جزء معتبر من الرموز التركية في الأزمة الليبية، بينما العكس لن يكون صائبا. وتعلم القاهرة أن الإخوان ورقة سياسية مهمة في يد النظام التركي قبل أن تكون أداة أيديولوجية يستثمر فيها، وهذه الورقة التي تملك أنقرة الكثير من مفاتيحها تمثل منغصا لمصر، وسوف تقود تصفية الحسابات فيها أولا إلى تقريب المسافات بين البلدين ثانيا، ما يجعل تطور العلاقات السياسية على صلة وثيقة بما يتحقق من تقدم في الملفات الأمنية التي تعد جماعة الإخوان قلبها النابض، وما لم يتوقف هذا القلب سيكون من الصعوبة حدوث تفاهمات في ليبيا أو شرق البحر المتوسط.

وأصبحت جماعة الإخوان واحدة من أدوات تركيا في ليبيا، ودون حسم الموقف منها، أو على الأقل تظهر أنقرة حُسن نوايا من خلال تسليم عدد من العناصر المصرية الموجودة على أراضيها، سيظل الجمود مخيما، لأن جزءا من مخاوف مصر لتمدد تركيا في ربوع ليبيا يأتي من قيامها بتوظيف الإخوان، تمهيدا للإقرار بهم كأمر واقع في مصر وليبيا، ما يعني تقديم تنازلات في ملف حارب النظام المصري طويلا ضده.

وتشعر القاهرة أن مراوغات أنقرة في ملف الإخوان هدفها دفعها إلى التسليم بقبولهم سياسيا على المدى المنظور، بما يدفعها للقبول بتضحيات طفيفة في مسألة التعاون وتحجيم حركتهم أو تسليم مطلوبين من وقت إلى آخر كي تقنع القاهرة أنها مستعدة للتفاهم معها ودفع ثمن محدود لتطوير العلاقة، أملا في أن تتغير الأوضاع مع الضغوط السياسية التي تحملها دعوات التظاهر والتفاؤل بشأن جلسات الحوار الوطني في مصر، ناهيك عن الرغبة في توفير أجواء هادئة تستوعب مستثمرين جددا يمكنهم المساهمة في تخفيف حدة الأزمات الاقتصادية بمصر.

ويتحقق ذلك عندما تكون هناك مصالحة سياسية ومجتمعية كاملة، وهو الرهان الذي تعتقد تركيا في إمكانية الوصول إليه من خلال استمرار قنوات الحوار الخلفية مع القاهرة، والذي يمكن أن يحل الكثير من ألغاز تركيا في ليبيا بالنسبة إلى مصر ولا يوقع أضرارا بمصالحها الكبيرة هناك.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية