العراق بين احتجاجات الشّباب وفوضى الصّدر

العراق بين احتجاجات الشّباب وفوضى الصّدر

العراق بين احتجاجات الشّباب وفوضى الصّدر


21/09/2023

فاروق يوسف

بعد أربع سنوات على احتجاجات تشرين 2019، تبدو المعادلة السياسية في العراق كما كانت من قبل ولم يتغير شيء، رغم أن عدداً من ممثلي المحتجين قد تسللوا إلى مجلس النواب، وفي ذلك ما يشير إلى أن نهاية بائسة كانت في انتظار المحتجين بعدما سقط أكثر من 700 قتيل منهم. ولم تكن تلك النهاية بعيدة من المنعطف الذي شكله فوز تيار مقتدى الصدر في انتخابات عام 2021، والذي تبين في ما بعد أنه كان تمهيداً لاستيلاء الأحزاب الشيعية الموالية لإيران على السلطة بالمطلق من خلال حكومة الإطار التنسيقي التي يقف محمد شياع السوداني في واجهتها، فيما هي في الحقيقة يديرها نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق الذي أحرق المحتجون غير مرة دمية تمثله باعتباره رمزاً للفساد.

وليس من باب المبالغة القول إن تلك الاحتجاجات لم تثمر شيئاً إيجابياً، فلا النظام الذي كان مهدداً بالسقوط قد تعلّم درساً منها وغيّر شيئاً من سياساته، ولا المحتجون أدركوا أن الفوضى التي يهدد مقتدى الصدر بين حين وآخر، بإطلاقها هي في حقيقتها محاولة لامتصاص غضب الشارع وتمييع الأسباب الحقيقية التي تدعو الشباب إلى الخروج إلى الشارع محتجين، والمتمثلة بزيادة عدد العاطلين عن العمل وارتفاع منسوب الفقر والعوز والتمييز على أساس حزبي وطائفي. كانت الفجوة ستتسع بين الشعب ودوائر الحكم لولا أن الصدر كان قد هيمن على جزء من المعارضة من غير أن يكون قادراً على وضع برنامج سياسي واضح لمرحلة يكون فيها الشعب سيد نفسه من غير وصاية إيرانية، جعلت منها الأحزاب الشيعية تقليداً سياسياً ثابتاً. 

الحبل الذي سينقطع 

بدلاً من أن تخف الأزمات المعيشية في سياق محاولة النظام تهدئة المحتجين، صارت الأزمات البيئية، ومنها أزمة المياه، تزيد من الضغط على الشعب، إذ صار العراق يشهد هجرة جديدة من الأرياف المحرومة من الزراعة بسبب شح المياه وانهيار مشاريع الري إلى المدن، وبخاصة بغداد التي اتسعت بطريقة عشوائية لتضم أكثر من عشرة ملايين نسمة، في ظل انهيار البيئة التحتية، فلا كهرباء ولا مياه عذبة ولا شبكات جديدة للصرف الصحي، وإهمال كامل لقطاعي التعليم والصحة وانتشار الرشوة بين صفوف الموظفين العاديين، وصولاً إلى فساد الطبقة السياسية التي انصرفت إلى إدارة مصالحها وشراء العقارات والأراضي داخل العراق وخارجه.

كل ذلك يجري في مقابل مشاريع سياسية مشبوهة أبعدت الحكومة من وظيفتها التي تتمثل في تصريف شؤون المواطنين. ومن تلك المشاريع، الربط السككي بإيران وترسيم الحدود مع الكويت والتخلي عن كركوك لميليشيا البيشمركة الكردية، ناهيك بالاهتمام المبالغ فيه بتنظيم زيارات مكوكية للمراقد والأضرحة الدينية. وهو ما يعني أن الحكومة في واد والشعب في واد آخر. وما بين الواديين يقف مقتدى الصدر ممسكاً بالحبل الذي يرغب في أن لا ينقطع والذي يقف عند طرفيه الشعب والنظام. مثله مثل الأحزاب الحاكمة لم يتعلم الصدر شيئاً من الاحتجاجات التي إذا ما اندلعت مرة أخرى فإنها ستخرجه من الحلبة نهائياً. ولكن الصدر في سباق مع الزمن صار يتوعد بفوضى جديدة.

المستقلّون في خضمّ النّفاق السّياسي 

لم يخسر محتجو تشرين 2019 ثورتهم حين لجأ النظام إلى لغة الرصاص مستعيناً بميليشيات الحشد الشعبي أو ما سُمي بالطرف الثالث، بل خسروها حين انجروا وراء دعوات مقتدى الصدر لتحقيق انتصار على الأحزاب الكبيرة من خلال صناديق الاقتراع عام 2021. كانت نتائج تلك الانتخابات التي حسمها الصدر لمصلحته تنطوي على شيء من الانتصار المعنوي، حين تمكن ممثلو الاحتجاجات من اختراق الطبقة السياسية والحصول على مقاعد قليلة في مجلس النواب، صاروا يمثلون من خلالها لأول مرة طرفاً مستقلاً.

غير أن ما حدث بعد ذلك لم تكن حصيلته إلا فشلاً على جميع الجبهات. فحين سلّم الصدر انتصاره إلى الطرف المهزوم ترك المستقلين وراءه وهم أشبه بالأيتام على مائدة اللئام، وإن كان الشيوعيون منهم ما زالوا يوهمون أنصارهم بحديث ممل طويل عن انتصارات الطبقة العاملة، ويعبّرون في الوقت نفسه من خلال منشوراتهم على وسائل الاتصال الاجتماعي عن مشاركتهم الشعب في حزنه العميق لمناسبة ذكرى مقتل الحسين. لقد تعلم المستقلون أصول اللعبة السياسية السائدة في وقت قصير، بحيث صاروا يبزون أعضاء المجلس النيابي من الإسلاميين في خطابهم المنافق. ربما سيكون ذلك درساً لن ينتفع منه المحتجون إذا ما فكروا في العودة اعتصاماً إلى الساحات تعبيراً عن رغبتهم في التغيير، ذلك لأن الصدر يخطط لمصادرة احتجاجهم من خلال موقعه معارضاً. 

الحرب على جبهتين

انتهى المحتجون الشباب وهم خيرة من يمثل الشعب العراقي في حاضره المؤلم إلى حقيقة أنهم يحاربون على جبهتين ويواجهون عدوين، لا يقل الواحد منهما شراسة وخبثاً ودهاءً وتمسكاً بامتيازاته ومصالحه ومنافعه عن الآخر. كتلة الأحزاب الشيعية المتحالفة في الإطار التنسيفي الحاكم وتيار الصدر الذي يحتل مساحة المعارضة من غير أن يتخلى عن النظام الذي يجمعه بعدوه المفترض. معادلة لا يمكن الفكاك منها إلا من خلال رؤية ثورية متمردة تطرح مفهوماً جديداً، من خلاله يتم التعامل مع الواقع السياسي العراقي بعيداً من العملية السياسية التي فرضها الأميركيون على العراقيين رغبة منهم في تكريس تمزيق الشعب العراقي وتفكيك العراق من خلال نظام المحاصصة الطائفية.

ما لم يعلن المحتجون رفضهم للتمثيل الطائفي، ومن ضمنه الصدر وتياره، فإنهم لن يصلوا إلى إنجاز شيء من أهدافهم. ذلك لأن العراق الذي يفكرون فيه لا تمكن استعادته من خلال رؤى مقتدى الصدر حتى ولو كان معارضاً للأحزاب الموالية لإيران. فالصدر هو أحد أركان النظام الطائفي، ولو لم يكن كذلك لما حَظيَ بمكانته السياسية.   

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية