العراق: هل يسعى السوداني و"الإطار التنسيقي" لفك ازدواجية السلاح والسياسة؟

 العراق: هل يسعى السوداني و"الإطار التنسيقي" لفك ازدواجية السلاح والسياسة؟

العراق: هل يسعى السوداني و"الإطار التنسيقي" لفك ازدواجية السلاح والسياسة؟


11/12/2023

في سابقة غير مألوفة، وصف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الجهات التي استهدفت مقار السفارة الأمريكية في بغداد بـ "الإرهابية"، وذهب إلى متابعتها والحدّ من جرائمها في الداخل العراقي. وتأتي الغرابة في كون الحكومة التي يترأسها السوداني هي برعاية تكتل "الإطار التنسيقي" المقرّب من إيران، والمتحالف مع الفصائل المسلحة التي تستهدف مقرات البعثات الدولية والقواعد الأمريكية في البلاد. 

وفيما يهاتف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، أعلن "الإطار التنسيقي" براءته من الجهات التي نفذت قصف محيط السفارة الأمريكية صباح الجمعة الماضي، في سابقة أيضاً غير مألوفة، حيث دائماً ما يلزم التحالف الصمت حيال الهجمات التي تنفذها الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران. 

وقد تعرّض مبنى السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء وسط بغداد فجر الجمعة  إلى قصف بصاروخين وقذائف هاون، أعقبه هجوم مماثل طال قاعدة عين الأسد التي تستضيف جنوداً أمريكان في محافظة الأنبار الغربية، وفيما اتهمت واشنطن جماعات موالية لإيران بالضلوع في الحادث، أكدت احتفاظها بحقّ الردّ لحماية أفراد بعثتها الدبلوماسية وشركائها في التحالف الدولي.

مقر السفارة الأميركية في بغداد

وأكدت السفارة تعرضها لهجوم بصاروخين، مشيرة إلى الاحتفاظ بحق الرد في أيّ مكان بالعالم لحماية أفراد البعثات الدبلوماسية والشركاء في التحالف الدولي. وقال مكتب المتحدث الرسمي باسمها، في بيان: "إنّه في حوالي الساعة 4:15 من صباح يوم الجمعة تعرضت السفارة لهجوم بصاروخين، وما تزال التقييمات جارية"، ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات في مجمع السفارة.

وقال مسؤول عسكري أمريكي لوكالة "رويترز": إنّ حوالي (7) قذائف مورتر سقطت في مجمع السفارة، فيما تحدث آخر عن إطلاق صفارات الإنذار وسماع ما يعتقد أنّها أصوات ارتطام في محيط المجمع، وقاعدة يونيون (3) المجاورة، التي تضم قوات من التحالف الدولي.

"إنها أعمال إرهابية"

من جهته، أصدر القائد العام للقوات المسلحة العراقية، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بياناً مختلفاً عن البيانات السابقة، حيث وصف استهداف البعثات الأجنبية  بـ "الأعمال الإرهابية"، مشدداً على متابعتها ومعاقبتها بأشد العقوبات. 

 

السوداني يمنح القوات الأمنية صلاحيات واسعة للتصدي الفوري لأيّ عمل يمسّ أمن البعثات الدبلوماسية ومواقع وجود المستشارين الدوليين في العراق 

 

وقال بيان لمكتبه: إنّ "استهداف البعثات الدبلوماسية أمرٌ لا يمكن تبريره، ولا يمكن القبول به تحت أيّ ظرف، ومهما كانت الادعاءات والأوهام التي تقف وراء هذه الأفعال المشينة"، مبيناً أنّ "هذه المجاميع المنفلتة، الخارجة عن القانون، لا تمثل بأيِّ حال من الأحوال إرادة الشعب العراقي، ولا تعكس القرار العراقي الوطني الذي عبّرت عنه الحكومة العراقية في مناسبات رسمية عدة، واستهداف أماكن آمنة محمية بقوة القانون والأعراف والاتفاقيات الدولية، هي أعمال إرهابية". 

واتخذ رئيس الوزراء العراقي قرارات مشددة لمنع تلك الهجمات، وقد وجّه بإحالة ضباط وعناصر أمن إلى التحقيق بالملف، كما قرر تغيير الوحدات الماسكة للمنطقة التي أطلقت منها الصواريخ.

وبحسب الناطق العسكري باسم مكتب القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، أنّ "الإجراءات الأمنية ستكون حازمة بحق العناصر التي أقدمت على هذا الفعل الإرهابي، وستكون تحت طائلة القانون، لا سيّما أنّ الأجهزة الأمنية المختصة توصلت إلى خيوط مهمة عنهم"، مشيراً إلى أنّ "القوات الأمنية منحت صلاحيات واسعة للتصدي الفوري لأيّ عمل يمسّ أمن البعثات الدبلوماسية ومواقع وجود المستشارين الدوليين، وعدم التهاون بهذا الأمر مطلقاً".

أوستن يهاتف السوداني

وفي المقابل، طالبَ السوداني الإدارة الأمريكية بالتنسيق الأمني إزاء تنفيذ ضربات جوية أمريكية في الداخل العراقي، على غرار الضربات التي تستهدف تنظيم داعش الإرهابي. تلك المطالبة جاءت بعد اتصال هاتفي بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ورئيس الوزراء العراقي. 

تكتل الإطار التنسيقي الراعي الرسمي للحكومة العراقية

وبحث الجانبان خلال المكالمة "علاقات التعاون الثنائي في المجالات الأمنية، وسبل تطويرها بين البلدين لمواجهة مختلف التحديات"، وذلك بحسب بيان حكومي عراقي، أشار إلى أنّ "الاتصال تطرق إلى الهجمات الأخيرة التي استهدفت مقرّ السفارة الأمريكية في العاصمة بغداد، وأهمية الحدّ منها؛ لما تشكله من تقويض لسيادة العراق واستقراره". 

بدوره أكد رئيس مجلس الوزراء العراقي خلال الاتصال "التزام الحكومة بحماية البعثات الدبلوماسية والعاملين ضمن بعثة التحالف الدولي ومنشآته، وأنّ الأجهزة الأمنية قادرة على ملاحقة وكشف المتورطين بهذه الاعتداءات، أيّاً كانوا"، محذراً في الوقت نفسه من "الردّ المباشر بدون موافقة الحكومة، وأهمية عدم تكرار ما حصل من اعتداء في جرف النصر". 

 

وزير الدفاع الأمريكي يرحب بموقف الحكومة العراقية، وإدانتها الهجمات التي استهدفت السفارة الأمريكية، وإجراءاتها لملاحقة مرتكبيها

 

من جانبه، رحب وزير الدفاع الأمريكي بـ "موقف الحكومة العراقية، وإدانتها الهجمات التي استهدفت السفارة الأمريكية في العراق، وإجراءاتها لملاحقة مرتكبيها"، مؤكداً أنّ "مثل هذه الأعمال تهدد الأمن الداخلي للعراق".

"فك ازدواجية السلاح والسياسة"

من جانب آخر، عدّ مراقبون سياسيون أنّ الخطوات الأخيرة لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني هدفها فك شبهة الماضي من ازدواجية السلاح والسياسة، مؤكدين سعي الأخير إلى تحرير القرار العراقي من التبعات الخارجية. 

وكان "الإطار التنسيقي" الداعم لحكومة السوداني قد استنكر الهجوم الذي طال السفارة الأمريكية يوم الجمعة الماضي، وانضم إلى السوداني في وصفه للهجوم بـ"العمل الإرهابي"، ممّا يشي بأنّ طرفاً ثالثاً وراء العملية. 

المراقب السياسي عصام الفيلي قال: إنّ "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني كان واضحاً في ردة فعله على قصف السفارة الأمريكية ببغداد مؤخراً، من خلال ما تضمنه بيانه الرسمي من خلال وصف العملية بالإرهابية، وهذا الأمر جاء لسبب بسيط هو فك شبهة الماضي من ازدواجية السياسة والسلاح، وإظهار التزامات بغداد بأنّ حماية البعثات والقنصليات على عاتقها، بل ذهب إلى إجراءات عاجلة من خلال تغيير الفوج الرئاسي بقوة أخرى، يرافقها بيان الإطار الذي وصف العملية بالإرهابية".

الفيلي: السوداني يسعى لفك شبهة الماضي من ازدواجية السياسة والسلاح، وإظهار التزامات بغداد بأنّ حماية البعثات والقنصليات على عاتقها

وحول ما إذا كان هذا الوصف تجاه قصف السفارة، ووصف منفذيه بـ "الإرهابيين"، سيغضب إيران، أوضح الفيلي أنّ "السوداني سعى منذ توليه إلى تحرير القرار العراقي والاعتماد على الداخل في رسم رؤيته، من خلال جهود في معالجة هموم المواطنين في ملفات الصحة والفساد والفقر، وهو يسعى لتأسيس قاعدة شعبية هي من تختاره، وليس الاستقطابات الخارجية التي كانت تجري بتوافقات، وتحديد بوصلة من يتولي المناصب العليا بعد 2003، لدرجة أنّ الكثير منها حاول التناغم معها طيلة الوقت".

وأشار إلى أنّ "تحرير السوداني من التأثير الخارجي عائد لنشأته الداخلية، فهو لا يمتلك أيّ جنسية ثانية"، لافتاً إلى أنّ "حديثه مع الإطار في اجتماع يوم أمس كان واضحاً، وخرج بإجماع لأول مرة في وصف ما حدث بأنّه عملية إرهابية، بل إنّ بعض الأحزاب ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال بياناتها". 

 وتابع أنّ "تهجم بعض القوى على السوداني يوم أمس بكلمات غير لائقة يعكس وجود أنّ هناك من ما يزال يؤمن بتعدد الرؤوس في الدولة العراقية، ويخلق مشهداً خطيراً، لذا ذهب السوداني في مسار المعالجة التي وجدت تفهماً من الإدارة الأمريكية".

مواضيع ذات صلة:

بغداد تعمق الفجوة بين أربيل والسليمانية... لماذا وصف مسعود بارزاني إقليم كردستان بـ "خط الموت"؟

العراق: شجار ينهي جلسة برلمان كردستان... والمعارضة تصف ما جرى بالمسرحية... ماذا حصل؟

هل تنجح "الصفقات" في إنهاء الأزمات بين إقليم كردستان وبغداد؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية