المنتدى الديني لمجموعة العشرين: منصة جديدة لمقاومة التطرف

المنتدى الديني لمجموعة العشرين: منصة جديدة لمقاومة التطرف

المنتدى الديني لمجموعة العشرين: منصة جديدة لمقاومة التطرف


17/12/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

شَهِدَت قمّة «مجموعة العشرين» هذا العام، التي عُقدت في بالي بإندونيسيا، حدثاً غير مسبوق: «المنتدى الدّينيّ لمجموعة العشرين»، الذي نظّمته اثنتان من أكبر المنظّمات الإسلاميّة غير الحكوميّة في العالم، «رابطة العالم الإسلاميّ»، التي تتّخذ من مكّة مقرّاً لها، و«جمعيّة نهضة العلماء» الإندونيسيّة ذات التّسعين مليون عضو. بالإضافة إلى قادة هاتين المجموعتين، كان من بين المتحدّثين كاردينال كاثوليكيّ، والأمين العام لـ«التّحالف الإنجيليّ العالميّ البروتستانتيّ»، وممثّلون رفيعو المستوى للهندوسيّة، والشنتويّة، واليهوديّة، و«الكنيسة الكاثوليكية الكلدانيّة» في العراق.

دعا بيان «المنتدى الدّينيّ لمجموعة العشرين» القادة الدينيّين والسّياسيّين «للانضمام إلى بناء تحالف عالميّ قائم على القِيَم الحضاريّة المشتركة» وأُعلِن عن إطلاق «مبادرة بناء الجسور بين الشّرق والغرب» - وهي منظّمة غير حكوميّة جديدة «مصمّمة لاستخدام الدّبلوماسيّة الدّينيّة لبناء الجسور بين مجموعات متنوّعة حول العالم».

هذا الحدث، الذي تزعّمته منظّمات إسلاميّة، كان مناسباً لجنوب شرق آسيا، وهي منطقة يبلغ عدد سكانها المسلمين حوالي 240 مليون شخص، ولكنّها تضمّ، أيضاً، مئات الملايين من البوذيّين، والهندوس، والمسيحيّين، والطّاويّين، وغيرهم، وتسترشد بمبدأ «الوحدة في التّنوّع» - الشّعار الوطني للدّولة المستضيفة لـ«المنتدى الدّينيّ لمجموعة العشرين»، إندونيسيا، والعبارة التي يُستشهَد بها كثيراً في ماليزيا، الدّولة الرّئيسة الأخرى ذات الأغلبيّة المسلمة في المنطقة.

لا تناقض بين الإسلام والتسامح

وقد تعزّز ذلك في ماليزيا بتشكيل حكومة وحدة وطنيّة برئاسة رئيس الوزراء أنور إبراهيم. أكثر من نصف مجلس وزرائه مكوّن من المسلمين الماليزيّين، لكن البقيّة تتكوّن من مجموعات إثنيّة صينيّة، وهنديّة، ومن السّكان الأصليّين من ولايتي صباح وساراواك في بورنيو. مع تولّي رئيس قضاة الشّريعة في البلاد منصب وزير الشّؤون الدّينيّة، تؤكّد التّشكيلة على وجهة النّظر طويلة الأمد للحكومات الماليزيّة المتعاقبة، التي تفيد بأنّه لا يوجد تناقض بين أن تكون مسلماً مخلصاً وأن تكون متسامحاً مع الآخرين. ظاهريّاً، يبدو أنّ كلّ شيء يتوافق مع الادّعاء الذي يُتَفَاخَر به كثيراً بأنّ الاعتدال أسلوب حياة في المنطقة.

الرئيس الأندونيسي يزور ضحايا الزلزال هذا الأسبوع

لكن حتّى في الوقت الذي أصبحت فيه دول واقعة في منطقة أخرى يقطنها مئات الملايين من المسلمين - الخليج العربيّ - أكثر انفتاحاً وتقدّميّة، مع الحرص على الحفاظ على ثقافتها، وقِيَمها، وتقاليدها، وقوانينها الإسلاميّة، هناك مدّ ناشئ في الاتّجاه الآخر في إندونيسيا وماليزيا. في الأخيرة، كان هناك تأرجح كبير في التّصويت لصالح «الحزب الإسلامويّ الماليزيّ» في الانتخابات العامّة التي جرت الشّهر الماضي. فاز الحزب بأكبر عدد من المقاعد - 49 مقعداً - في البرلمان المكوّن من 222 مقعداً، وفي المفاوضات التي تلت ذلك، حيث لم يحصد أحد الأغلبيّة، كان تشكيل حكومة فيدراليّة يهيمن عليها «الحزب الإسلامويّ الماليزيّ» احتمالاً حقيقيّاً.

يجب أن يأخذ جنوب شرق آسيا، اليوم، في اعتباره نموذج الخليج الذي يشقّ طريقاً لا يتعايش فيه الدّين والحداثة فحسب، بل يكمّل أحدهما الآخر

سيكون معظم الماليزيّين، الذين تعتبر مخاوفهم بشأن تكلفة المعيشة وتأثير الفيضانات الشّديدة خلال موسم الرّياح الموسميّة الحالي همّهم الرّئيس، سعداء للغاية لأنّ ذلك لم يحدث. حيث يوجد «الحزب الإسلامويّ الماليزيّ» في السّلطة، في ولاية تيرينغانو، أظهر في الأيّام القليلة الماضية أولويّاته للقرن الحادي والعشرين من خلال فرض غرامات على صالونات تصفيف الشّعر التي تقدّم خدماتها للعملاء من كلا الجنسين، وفرض تشريعات تجعل من ممارسة الشّعوذة، وهي شرّ بالكاد يمكن ملاحظته في البلاد، جريمة جنائيّة.

التّنوّع والوحدة الوطنيّة

بالطّبع، لا حرج في أن يكون للناس وجهات نظر مُحافِظة حول الدّين أو الأخلاق، لكنّ التّنازلات في الماضي كانت تتمّ دوماً لصالح التّنوّع والوحدة الوطنيّة. في ماليزيا، تطبّق الشّريعة، التي تتعلّق بشكل أساسيّ بشؤون الأسرة، على المسلمين فقط، وليس على الـ 36 في المائة من السّكان الذين ليسوا كذلك. في إندونيسيا، ينطوي إقليم أتشيه على الحكومة المحلّيّة الوحيدة المسموح لها بفرض القانون الجنائيّ الإسلاميّ، حيث مُنح الإقليم استقلالاً خاصّاً كجزء من اتّفاقيّة لإنهاء حالة تمرّد. يكفل الدّستور «حقّ جميع الأشخاص في العبادة وفقاً لدينهم أو معتقدهم»، وبينما تتضمّن فلسفة «بانكاسيلا» الموجّهة للبلاد «الإيمان بألوهيّة الإله»، فإنّها لا تُحدّد ديناً معيّناً.

الإمام الأكبر لـ«مسجد الاستقلال» في جاكرتا، نصر الدّين عُمر: المنظور الذي يرى أنّ هناك أعداء من حولنا يجب تغييره إلى آخر يرى أنّ هناك أصدقاء من حولنا

إنّ المطالبة بأن تكون قواعد مجتمع واحد هي قواعد الجميع ليست جديدة، لكن يُعبّر عنها بشكل أكثر صخباً وغضباً الآن. كما أنّ فُرَص ترجمة هذه المطالب إلى إجراءات تشريعيّة أعلى بكثير ممّا كانت عليه في الماضي. هذا تهديد للتّعدّديّة والاستقرار - كما اعترف حُكّام ماليزيا التّسعة بالوراثة، وهم ممثّلو الإسلام في ولاياتهم، عندما أصدروا بياناً، يحثّون فيه الجميع على «التّوقّف والكفّ» عن التّحريض العرقيّ والدينيّ، وغرس «روح التّكاتف» بين الماليزيين بدلاً من ذلك.

ربما كان البعض راضياً عن هذا المدّ المتصاعد للتّيار الدّينيّ المُحافِظ، وعن التعصب، وذلك أكثر إثارة للقلق بكثير، لأنّ التّغييرات كانت تتزايد تدريجيّاً على مدى عقود عديدة. في إندونيسيا، لم يكن هناك مكان في السّياسة لمثل هذه المشاعر في ظلّ حكم الجنرال سوهارتو الذي دام 30 عاماً. لكن في غضون ثلاثة أشهر من استقالته عام 1998، شُكّل 42 حزباً إسلامويّاً. في ماليزيا، يؤرّخ كثيرون بداية هذا الاتّجاه برعاية رئيس الوزراء آنذاك، مهاتير محمّد، حركة شبابيّة إسلامويّة متّقدة في عام 1982. وسُرعان ما صعد أنور إبراهيم إلى المناصب الوزاريّة، وأصبح نائباً لرئيس الوزراء حتّى حصل خلاف مع معلّمه، مهاتير محمّد، في عام 1998.

مصلِحون

اليوم، أنور إبراهيم، الذي تغيّر كثيراً، هو رئيس الوزراء، والرّئيس الإندونيسيّ جوكو ويدودو، الذي يُعتبر، أيضاً، مُصلِحاً، كان من أوائل الذين اتّصلوا به لتهنئته. لكن حماية التّعدّديّة التي تعتزّ بها ماليزيا وإندونيسيا تمثّل تحدّيّاً للزّعيمين المسلمين. قد يكون أحد الحلول أنّه: تماماً كما يزعم البعض أنّه في الماضي دانَ الاتّجاه نحو المُحافَظة الدّينية بالكثير لأنشطة الدّعوة المموّلة من الشّرق الأوسط، يجب أن يأخذ جنوب شرق آسيا، اليوم، في اعتباره نموذج الخليج الذي يشقّ طريقاً لا يتعايش فيه الدّين والحداثة فحسب، بل يكمّل أحدهما الآخر.

يداً بيد، بدلاً من التّحوّل إلى الإسلامويّة، يمكن للشّعوب أن تتّحد بعد ذلك لتحقيق أهداف «المنتدى الدّينيّ لمجموعة العشرين» الذي يقوده مسلمون، وأهداف «الوحدة في التّنوّع»، بحيث، كما قال الإمام الأكبر لـ«مسجد الاستقلال» في جاكرتا، نصر الدّين عُمر، في المؤتمر: «المنظور الذي يرى أنّ هناك أعداء من حولنا يجب تغييره إلى آخر يرى أنّ هناك أصدقاء من حولنا».

المصدر الترجمة عن الإنجليزية:

شولتو بيرنز،ذي ناشونال، 7 كانون الأوّل (ديسمبر) 2022

الصفحة الرئيسية