الهولوكوست الفلسطيني.. سؤال الضمير

الهولوكوست الفلسطيني.. سؤال الضمير

الهولوكوست الفلسطيني.. سؤال الضمير


17/12/2023

عبدالله السناوي

«الموضوع بسيط، أوقفوا قتل الناس، لا تقتلوا الناس، توقفوا». كانت تلك كلمات قاطعة تطلب وقف الحرب على غزة نشرتها صحيفة ال«نيويورك تايمز»، على لسان فتاة يهودية غاضبة.

ولفت نظر الصحيفة الأمريكية واسعة الانتشار والتأثير، الانقسام الجيلي الحاد داخل الأسرة اليهودية الواحدة. وأجرت تحقيقاً حاولت فيه أن تلمّ بطبيعة وحدود ذلك التصدع، وتداعياته المحتملة. «يبدو أنه أبسط مطلب»، هكذا تضيف الفتاة، «لكن ردّ أمّي دائماً أن الأمر ليس بمثل هذه البساطة».


من وجهة نظر رب العائلة، كما تروي الصحيفة الأمريكية: «جوديث وأنا نتحدث دوماً.. ألم نعلّم أبناءنا ما يكفي عن معاداة السامية والهولوكوست». إنه صدام بين جيلين على خلفية حرب غزة.

{ أولهما- تستغرقه سردية العداء للسامية والهولوكوست، وما أنتجته «هوليوود» من أفلام عن عذابات المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية، وأن ذلك يسوغ لإسرائيل ارتكاب كل الجرائم من دون حساب.

{ وثانيهما- ينظر في الهولوكوست الفلسطيني الماثل، ويرى أن لا شيء يبرر ما يتعرض له أهل غزة من أهوال وبشاعات غير قابلة للتصديق أن تحدث في عصرنا، بذريعة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».

إنها أزمة ضمير في قلب المجتمع اليهودي الأمريكي، كما لم يحدث من قبل. نشأت موجات غضب وتظاهرات احتجاج لم تكن متخيلة في أوساط الأجيال الجديدة، تشبه في أحجامها ورسائلها وتداعياتها احتجاجات ستينات القرن الماضي، ضد التورط الأمريكي في الحرب الفيتنامية. ولم يكن العرب طرفاً، من قريب أو بعيد، بما حاق باليهود على يد النازي في الحرب العالمية الثانية، لكنهم دفعوا فواتير دم باهظة على يد النازيين الجدد.

لسنوات طويلة ارتفع صوت عالم اللغويات الأشهر «نعوم تشومسكي»، داعماً للقضية الفلسطينية. ولم نلتفت بما يكفي لعمق تأثير ذلك المفكر اليساري اليهودي، الذي ربطته صداقة عميقة مع المفكر الفلسطيني الراحل، إدوارد سعيد، في الأجيال الجديدة.

إنه الأب الروحي لجماعة «أصوات يهودية»، التي برزت في تظاهرات واحتجاجات المدن الأمريكية الكبرى، وشلت الحركة قبل أيام على الطرق السريعة في لوس أنجلوس.

وباطراد صرخات الضمير، وتظاهرات الاحتجاج باتساع العالم كله، تغيرت حسابات ومواقف دول، ووجد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نفسه في مأزق سياسي يصعب الخروج منه. صورته تآكلت بأثر إخفاقه في إدارة حربَي أوكرانيا وغزة.

الأفدح، ما تتعرض له الولايات المتحدة الآن من عزلة دولية غير مسبوقة منذ صعودها إثر الحرب العالمية الثانية إلى منصة القوة العظمى الأولى في العالم. صوّتت وحدها ضد قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، وأجهضته بحق النقض. ثم لحقت بها هزيمة دبلوماسية تؤشر إلى التراجع الفادح في مكانتها الدولية بالتصويت على القرار نفسه، بما يشبه الإجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

حسابات الضمير في الشوارع كادت تغلب حسابات المصالح في القصور. هكذا أحكم المأزق على إدارة بايدن، الحرب مكلفة، أخلاقياً واستراتيجياً، والقصف العشوائي يقتل ويدمر من دون أن تكون هناك رؤية لما بعدها، حسب وصفه.

انتقد الرئيس الأمريكي الأداء الإسرائيلي قائلاً في اجتماع انتخابي، إن الدعم الدولي أخذ في التراجع. ودعا نتانياهو إلى إدخال تعديلات على التشكيل الحكومي الإسرائيلي، مشيراً إلى ايتمار بن غفير، بالاسم.

لماذا بن غفير بالذات؟ لأنه بموقعه وزيراً للأمن القومي، يتحمل المسؤولية الأولى عن تصاعد اقتحامات المستوطنين في الضفة الغربية.

لم يكن ممكناً أن يتقبل نتنياهو اقتراح بايدن، إذ إن حكومته تعتمد في وجودها على اليمين المتطرف، إذا انقلب عليه يطاح به في أقرب وقت ممكن، وربما محاكمته وإيداعه السجن.

لا يمانع بايدن في تمديد الحرب حتى تنتهي من تحقيق أهدافها الرئيسية، في تقويض حماس وعودة الرهائن، وتغيير معادلة السلطة في غزة، لكن لا توجد حتى الآن علامة نصر واحدة.

ليست هناك خلافات جوهرية بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، بشأن الحرب وإمداد السلاح، لكن لا توجد في الوقت نفسه أية آفاق سياسية مشتركة لما بعد الحرب. في جميع السيناريوهات والاحتمالات فإن قوة الضمير الإنساني، باحتجاجاته وضغوطه، هي العامل الأكثر تأثيراً الآن في مراكز صنع القرار.

عن "الخليج" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية