انقلاب الإسلاميين على البرهان: تخل عن ورقة محروقة أم مناورة؟

انقلاب الإسلاميين على البرهان: تخل عن ورقة محروقة أم مناورة

انقلاب الإسلاميين على البرهان: تخل عن ورقة محروقة أم مناورة؟


30/05/2023

يرسل الإسلاميون وفلول نظام عمر البشير في السودان إشارات إلى استعداد للتخلي عن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان بالرغم من متانة العلاقة بين الطرفين وسط تساؤلات عمّن يقف وراء هذه الإشارات، فهل هي الرغبة في التخلص من ورقة باتت محروقة محليا وخارجيا أم هي مؤامرة لتخفيف الضغوط عنه.

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن حديث الإسلاميين في الوقت الراهن عن تباين مع البرهان أو التلويح بالتخلص منه أمر مفتعل لأن العلاقة بينهما قديمة ومعروفة، وهدفه الإيحاء بأن البرهان “ليس رجلهم الموثوق به عسكريا، وأنه لا يعمل على تنفيذ أجندتهم” كمحاولة لتبرئة ساحته.

وبدأت قطاعات عريضة تثق في رواية رائجة بأن البرهان يمثل ضلعا في فلول الرئيس السابق عمر البشير داخل الجيش ويخوض معركتهم وكان ينوي تنفيذ انقلاب يعيدهم إلى السلطة، وهو وضع لا يخدم مصلحته.

وهيمنت الحركة الإسلامية، وفي القلب منها جماعة الإخوان، على السلطة في السودان خلال حكم البشير، والذي امتد لثلاثة عقود، وأسس الإخوان شبكة واسعة من المصالح المالية والتجارية والسياسية.

وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الحديث عن بوادر صراع وشيك بين الإسلاميين وفلول البشير وبين البرهان أو أنهم يسعون للتخلص منه باعتباره متساهلا أكثر من اللازم مع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الغرض منه استعادة ما فقده من بريق وشعبية حصل عليهما في بداية الحرب وأخذا يتراجعان بعدما عجز عن هزيمة قوات الدعم السريع.

وعلى العكس، تصب المعطيات التي تشير إلى وجود خلاف بين البرهان والإسلاميين بالسودان في اتجاه أن العلاقة بينهما قوية والتمهيد لتقديم قيادات عسكرية محسوبة عليهم بلا مواربة إلى الواجهة تحسبا لتطورات قد تضعه خارج السلطة، إذ لم تسعفه براغماتيته في تقليد الرئيس السابق في الحصول على دعم من جهات متفرقة، ولم يتمكن من توحيد المؤسسة العسكرية خلفه، وبدأت قيادات فيها تتسرب من المعركة أو تنحاز لقوات الدعم السريع.

وعندما اضطر الجيش السوداني إلى الإطاحة بنظام البشير تحت ضغط ثورة شعبية عارمة، ابتعد الإسلاميون عن الواجهة السياسية، وتم حظر حزب المؤتمر الوطني الذي تزعمه البشير وجرى وضع الكثير من المسؤولين فيه في السجن.

وقال أليكس دي فول الباحث في الشؤون السودانية بمركز “ريفت فالي إنستيتوت” إن السياسة السودانية مرتبطة ارتباطا عضويا بالعسكريين، واختار الجيش “ضابطا مجهولا” (البرهان) لوضعه على رأس البلاد لتهدئة خواطر الشارع والمجتمع الدولي.

وراح البرهان يكثر عمدا من التصريحات المناوئة للإسلاميين وحزب المؤتمر الوطني للإيحاء بعدم وجود علاقة مع النظام السابق، والسعي لكسب ثقة قوى سياسية دخلت في شراكة مع المكون العسكري قضت بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية.

وقال رئيس تحرير يومية “التيار” المستقلة عثمان ميرغني، والذي فر من الخرطوم بعد اندلاع الحرب واستقر في القاهرة، “الإسلاميون يستثمرون في الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد ليضمنوا وضعا في التسوية السياسية المقبلة”.

وتجلت عودة الإسلاميين بقوة عندما وجه البرهان، الجمعة، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش طلب فيها تغيير موفده إلى السودان فولكر بيرتس، وزعم أنه أصبح “طرفا وليس وسيطا” في السودان، واتهمه بارتكاب “تدليس وتضليل” أثناء قيادته عملية سياسية ما شجع حميدتي على “شن العمليات العسكرية”.

وأبدى المناصرون للبشير اعتراضهم سابقا على فولكر وتظاهروا ضده منذ شهور وطالبوا باستبداله، حيث لعب المبعوث الأممي دورا مهما في التوقيع على الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الماضي، وقضى بتسليم السلطة لحكومة مدنية بعد التوقيع على اتفاق سياسي شامل (كان مفترضا توقيعه في الأول من أبريل الماضي) وخروج المؤسسة العسكرية وقياداتها الإسلامية من الحلبتين السياسية والاقتصادية.

وأكد عثمان ميرغني أن البرهان ليس سوى “قطعة شطرنج في السياسة السودانية، فهو لا يمثل تيارا سياسيا، لكن دوره يرتبط بوظيفته كضابط في القوات المسلحة”.

وأدى اشتعال الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل الماضي إلى فوضى في الخرطوم، وهرب عدد من كبار المسؤولين في النظام السابق من السجون، وأعلنت قيادات إسلامية دعمها للجيش، وبدأت تتكشف ملامح العلاقة بين الجانبين، ما عزز مصداقية خطاب تبناه حميدتي مبكرا بشأن تحركه ضد البرهان، والذي هدف إلى إجهاض انقلاب عسكري كان هؤلاء يجهزون له للعودة إلى السلطة.

وأشار الخبير في الشؤون السودانية أليكس دي فال إلى أن البرهان “يواجه عوائق عدة.. خلافا لحميدتي والبشير من قبله، فليست لديه موارد مالية خاصة كي يتمكن من عقد تسويات سياسية.. ولذلك فقد أجبر دوما على التفاوض مع العسكريين ومع الحرس القديم قبل كل القرارات المهمة”.

وأوضح رئيس تحرير موقع “مواطنون” المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أمير بابكر أن الجنرال البرهان “خلق علاقة مع الإسلاميين لتحقيق طموحه في الحكم”.

وأضاف، على الرغم من محاولته “إظهار الابتعاد عنهم لكنه استجاب لضغوطهم لوجودهم في الأجهزة الأمنية، ونفذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021”.

ونفذ البرهان انقلابا عسكريا قبل الموعد المحدد لتسليم السلطة إلى المدنيين، ما سمح بتجميد أنشطة لجنة تفكيك نظام البشير ومكافحة الفساد وإمبراطوريته الاقتصادية، وإعادة عدد من القيادات العسكرية إلى الجيش والقضاء وبعض الأجهزة التنفيذية.

وذكر محلل عسكري، طلب عدم كشف هويته، “الإسلاميون لديهم وجود في المؤسسة العسكرية عملوا عليه منذ وصولهم إلى السلطة في انقلاب البشير عام 1989.. وحاول البرهان إبعاد بعضهم لكنه أبقى على البعض الآخر في الوقت ذاته”.
ولفت ميرغني إلى أن البرهان “مجرد ضابط في القوات المسلحة تنتهي مهمته بانتهاء وظيفته وهو ما قد يتحقق بعد انتهاء الحرب مباشرة”.

ويجد الجنرال البرهان اليوم نفسه وحيدا في مواجهة إسلاميين يتهمونه بالتساهل مع قوات الدعم السريع التي كان على علاقة جيدة معها، إذ عمل ضابطا في منطقة وسط دارفور العسكرية خلال سنوات الصراع الذي اندلع في الإقليم الواقع غرب البلاد عام 2003، وكان يومها حميدتي قائدا لقوات الجنجويد التي كانت نواة لتشكيل قوات الدعم السريع لاحقا، وأسهمت بدور فعال في كسر شوكة الحركات المسلحة هناك.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية