بعد رفض "إملاءات" النقد الدولي... أي بدائل ستعتمدها تونس اقتصادياً؟

بعد رفض "إملاءات" النقد الدولي... أي بدائل ستعتمدها تونس اقتصادياً؟

بعد رفض "إملاءات" النقد الدولي... أي بدائل ستعتمدها تونس اقتصادياً؟


08/06/2023

أثار الرئيس التونسي قيس سعيّد، برفضه في خطوة جريئة إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو الانصياع لشروطه، تساؤلات متواترة بشأن البدائل التمويلية المطروحة أمام تونس التي تعاني من أزمة اقتصادية متفاقمة، ترجمتها الفجوة الهائلة في الموازنة حاجتها إلى سداد ديون مستعجلة.

ورغم أنّ موقف سعيّد يحظى بتأييد واسع من قبل شق كبير من التونسيين، والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية وشريك اجتماعي وازن بتونس)، إلا أنّ بعض المحللين الاقتصاديين اعتبروا أنّ هذا الموقف سيقود حكومة نجلاء بودن إلى اللجوء إلى "بدائل مُرَّة" قد تعمّق الأزمة الاقتصادية ومن ثمة الأزمة الاجتماعية.

وكان صندوق النقد قد ربط حصول تونس على دعم مالي بإجرائها لـ "إصلاحات عميقة"، منها التقليص في كتلة الأجور، ورفع الدعم عن المواد الأساسية، وغيرها من القضايا المثيرة للجدل.

توجهات جيوسياسية جديدة

وقال سعيّد، في أول رد واضح على برنامج الإصلاحات الذي يفرضه صندوق النقد الدولي كشرط أساسي للإمضاء على اتفاق تمويل نهائي مع تونس بقيمة (1.9) مليار دولار: إنّه يرفض "الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى المزيد من تفقير الشعب"، وأنّ البديل يجب أن يكون تونسياً، وذلك بالاعتماد على النفس.

وشدد سعيّد على أنّ "السلم الأهلي ليس أمراً هيّناً"، في إشارة إلى الاضطرابات الشعبية التي ستنجم عن تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي الذي يتضمن رفع الدعم، والتفويت في المؤسسات العمومية، والتقليص من كتلة الأجور.

موقف سعيّد يحظى بتأييد واسع من قبل شق كبير من التونسيين

وكانت وزيرة المالية سهام نمصية قد أكدت، في حوار سابق مع إذاعة (موزاييك) المحلية، على "ضرورة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي"، مشدّدة على أنّه في حال فشل المفاوضات مع الصندوق، هناك "مخرجات أخرى يمكن اللجوء إليها"، وأنّه "لكل حادث حديث".

وذكر مركز دراسات الشرق الأوسط أنّ نية الرئيس التونسي قيس سعيّد الواضحة لإيجاد بديل للكتلة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة "قد تكون سابقة لأوانها، قبل توحيد البديل الجيوسياسي الناشئ، أو قبل أن ترغب الصين في تسريع الاتجاهات الحالية".

سعيّد يرفض الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى مزيد تفقير الشعب، ويؤكد أنّ البديل يجب أن يكون تونسياً

وأضاف المركز في تقرير بعنوان: "تونس، وصندوق النقد الدولي، والبدائل"، أنّ تصريح سعيّد خلال خطاب ألقاه في 6 نيسان (أبريل) الجاري، الذي رفض خلاله الإملاءات التي تأتي مع قرض محتمل من صندوق النقد الدولي، "أثار جدلاً".

وأوضح المركز أنّ هذا الخطاب اعتُبر علامة تنذر بالسوء بالنسبة إلى البعض، وأنّه باعث للأمل للبعض الآخر، باعتبار أنّ "تونس تدرس بجدية إمكانية وجود بدائل لتمويل صندوق النقد الدولي، أو حتى إعادة توجيه جيوسياسي".

وفي السياق، ذكر المركز أنّ سعيّد يلمح في الفترة الأخيرة إلى إعادة توجيه جيوسياسي بعيداً من التمويل الغربي، باستخدام ما أطلق عليه العديد من المحللين إيديولوجية سعيّد "المناهضة للاستعمار".

البريكس من بين الحلول

من جانبه، يقول رئيس المكتب السياسي لحركة شباب تونس الوطني عبد الرزاق الخلولي في تصريح لوكالة (سبوتنيك): إنّ تونس تدرس بجدية مسألة انضمامها إلى مجموعة (البريكس) في المرحلة القادمة.

وأكد الخلولي أنّ تونس ستتجه قريباً إلى بناء علاقات أخرى مع أعضاء مجموعة البريكس، خاصة بعد أن تبين أنّ الشقيقة الجزائر تخطو في الاتجاه نفسه، وتتهيّأ للانضمام إلى هذه المجموعة قبل نهاية عام 2023.

عبد الرزاق الخلولي: تونس تدرس بجدية مسألة انضمامها إلى مجموعة (البريكس) في المرحلة القادمة

وقال: "هذه المجموعة التي تقودها روسيا والصين بالأساس بإمكانها أن تشكل تكتلاً اقتصادياً قوياً، وأنّ تخلق قطباً ثنائياً. وانضمام تونس إلى هذه المجموعة سيسمح لها بتنويع علاقاتها ومبادلاتها التجارية، وسيفتح لها الباب لتعاون اقتصادي جديد مع الشرق".

وبيّن الخلولي أنّ تونس تبحث بجدّية عن بناء علاقات جديدة مع دول مثل روسيا والبرازيل والصين، في إطار بحثها عمّن يساعدها على الخروج من أزمتها الاقتصادية، ومن وضعية التداين المستمر.

وأشار الخلولي إلى أنّ انضمام تونس لمجموعة البريكس سيخلصها من هيمنة النظام الاقتصادي المالي العالمي الحالي، نحو نظام آخر يقوم على تكافؤ الفرص، واحترام حقوق الدول.

وزيرة المالية التونسية: في حال فشل المفاوضات مع الصندوق، هناك مخرجات أخرى يمكن اللجوء إليها

يُشار إلى أنّ تونس قدمت طلباً للانضمام إلى مجموعة (بريكس) قبل عام، وتدرس المجموعة انضمام دول أخرى، أبرزها السعودية وإيران، كما تقدمت دول عدة بطلبات مماثلة، منها المكسيك والأرجنتين ومصر والجزائر.

ومجموعة (بريكس) هي تكتل اقتصادي يضم دول روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند، أسست عام 2006 في قمة استضافتها مدينة يكاترينبورغ الروسية، وتحول اسمها من (بريك) إلى (بريكس) في 2011، بعد انضمام جنوب أفريقيا إليها، وتهدف إلى زيادة العلاقات الاقتصادية في ما بينها بالعملات المحلية، ممّا يقلل من الاعتماد على الدولار الأمريكي.

الاتحاد الأوروبي بديلاً

بعض الأنظار تتجه أيضاً نحو الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أنّه يُعدّ الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لتونس، إذ يستحوذ العملاق الاقتصادي الأوروبي على نحو 75% من حجم المعاملات التجارية مع تونس، وتنشط أكثر من (3200) مؤسسة أوروبية في تونس أساساً في مجال الصناعات والمعامل.

وقد أبدى الاتحاد الأوروبي استعداده لتخصيص ما قيمته (4.4) مليارات دولار لفائدة تونس، وفق ما أفصح عنه مفوض الاتحاد الأوروبي المكلف بالتوسع وسياسة الجوار أوليفر فارهيلي، إثر لقائه مع الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الثلاثاء 29 آذار (مارس) الماضي.

وقال: "نحن مستعدون لتخصيص (4) مليارات يورو، للاستثمارات واستعادة النمو الاقتصادي والتشغيل في تونس". وتحدث فارهيلي في قصر قرطاج عن الأجندة الجديدة للبحر الأبيض المتوسط، ​​التي اقترحها الاتحاد الأوروبي منذ عام، وتتضمن خطة اقتصادية واستثمارية مخصصة لتحفيز الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة على المدى البعيد.

أوليفر فارهيلي: نحن مستعدون لتخصيص (4) مليارات يورو، للاستثمارات واستعادة النمو الاقتصادي والتشغيل في تونس

وترتبط تونس بالاتحاد الأوروبي من خلال علاقات سياسية تاريخية تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، تعززت بتوقيع الشراكة بين الطرفين في عام 1995 لإنشاء منطقة تبادل تجاري.

وتمتعت تونس بتمويلات مالية كبيرة من الاتحاد الأوروبي، في شكل برامج وآليات أشهرها برنامج التأهيل الصناعي والخدمات لتأهيل نسيجها الصناعي إعداداً للشركات التونسية لخوض غمار المنافسة مع الشركات الأوروبية.

حلول داخلية

والسبت قال الرئيس سعيّد: إنّ زيادة الضرائب على الأغنياء يمكن أن تكون بديلاً عن الإصلاحات الاجتماعية الصعبة، ضمن المساعي الرامية إلى حصول تونس على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي.

وأضاف: "يمكن تقديم تصور آخر يقوم على توظيف أداءات على من لا يستحق الدعم لتمويل صندوق الدعمن حتى يكون دعماً يحقق العدالة المنشودة".

مركز دراسات الشرق الأوسط: سعيّد يلمح في الفترة الأخيرة إلى إعادة توجيه جيوسياسي بعيداً من التمويل الغربي

وفي مكالمة هاتفية مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، نشر تفاصيلها المكتب الرئاسي التونسي، وصف سعيد شروط اتفاق صندوق النقد الدولي بأنّها "عود ثقاب يشتعل إلى جانب مواد شديدة الانفجار".

وقد حذّرت وكالات التصنيف الائتماني من أنّ تونس ستواجه تعثراً محتملاً في سداد الديون السيادية، ما لم تحصل على هذا القرض، الذي من المتوقع أيضاً أن يؤدي إلى مزيد من تدفقات التمويل الثنائية.

مواضيع ذات صلة:

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

هل تكون جبهة الخلاص بوابة تنازلات النهضة لاسترضاء قيس سعيد؟

تونس... هل ينجح البرلمان الجديد في ما فشل فيه برلمان الإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية