بينما تدعمها فرنسا وإيطاليا... هل تعرقل واشنطن مساعي تونس الاقتصادية؟

بينما تدعمها فرنسا وإيطاليا... هل تعرقل واشنطن مساعي تونس الاقتصادية؟

بينما تدعمها فرنسا وإيطاليا... هل تعرقل واشنطن مساعي تونس الاقتصادية؟


02/04/2023

بينما تزامنت محاولة الرئيس التونسي قيس سعيّد تأسيس نظام جديد برئاسة تنفيذية قوية مع أزمة مالية تهدد بإفلاس الدولة، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم والإنفاق العام وتآكل قدرة البلاد على جلب العملة الصعبة، تزايدت الدعوات الغربية المطالبة بربط أيّ حزمة إنقاذ للاقتصاد التونسي بقيام الرئيس بإصلاحات سياسية تقود إلى الديمقراطية، وإشراك المعارضة المتمثلة في الإخوان.

وعلى الرغم من الدعم الفرنسي والإيطالي لتونس في مواجهة أزمتها المالية الخانقة، بينما تعثرت مفاوضات تجريها مع صندوق النقد الدولي على قرض تمويلي بـ (1.9) مليار دولار، إلا أنّ واشنطن تعاملت مع بلد ذي أهمية استراتيجية لمصالحها في شمال أفريقيا ببرود غير معهود.

وتتفاوض تونس منذ أشهر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض تناهز قيمته ملياري دولار، لكن يبدو أنّ النقاشات بين الطرفين توقفت منذ الإعلان عن اتفاق مبدئي في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

واشنطن بين الدعم والابتزاز

تواترت تصريحات السفير الأمريكي بتونس خلال الأسابيع الأخيرة بشأن الوضع الاقتصادي التونسي ومحاولات التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وقد عدّها مراقبون "ضغوطاً خارجية" إضافية يواجهها الرئيس قيس سعيّد منذ شروعه الفعلي في محاسبة من يعتبرهم مسؤولين عن تردي أوضاع البلاد ومحاولة ضرب استقرار الدولة.

وفي أحدث تصريحاته، التقى السفير الأمريكي بتونس جوي هود، الجمعة 31 آذار (مارس) 2023، وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، وأكد له دعم الولايات المتحدة لخطة الإصلاح الاقتصادي التي قدمتها تونس إلى صندوق النقد الدولي.

تتفاوض تونس منذ أشهر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض تناهز قيمته ملياري دولار

كما كان الاجتماع فرصة لمناقشة تعزيز النمو الاقتصادي من خلال الاستثمار الخارجي حسب ما نشرته الصفحة الرسمية لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بـ "فيسبوك".

وكان وزير الخارجية الأمريكي قد حذّر، نهاية الشهر الماضي، من أنّ تونس تحتاج بشكل طارئ إلى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مشدّداً على أنّ "الاقتصاد التونسي قد يتجه إلى المجهول".

وقال بلينكن ردّاً على سؤال حول تونس خلال جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي: "أهم ما يمكنهم فعله في تونس من الناحية الاقتصادية هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي"، وأضاف: "نشجّعهم بشدّة على القيام بذلك لأنّ الاقتصاد قد يتجه إلى المجهول".

وبعد تبادل تصريحاته على نطاق واسع بتونس، معتبرين ذلك "ابتززاً سياسياً"، لأنّ تونس تتحسس طريقها نحو إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية كاملة لكن بصعوبة، أكد جوي هود في 30 آذار (مارس) 2023 أنّ ما يُتداول حول أنّ "الولايات المتحدة تعرقل وتعيق توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي هو أمرٌ غير صحيح وعارٍ من الصحة".

واشنطن تعاملت مع بلد ذي أهمية استراتيجية لمصالحها في شمال أفريقيا ببرود غير معهود

وأضاف، في مقابلة له على إذاعة "إكسبرس" (محلية)، أنّ أيّ اتفاق تتوصل إليه تونس مع صندوق النقد سيكون قراراً سيادياً بحتاً من الجانب التونسي، مردفاً أنّ "لدى الحكومة التونسية خطة جيدة قدمتها لصندوق النقد الدولي ولاقت استحساناً من الصندوق ومن شركاء دوليين آخرين، وما عليها الآن هو تنفيذ هذه الخطة"، حسب رأيه.

وعقّب جوي هود: "عندما تتقدّم تونس في تنفيذ هذه الخطة لن تلاقي إلا كامل الدعم من الولايات المتحدة، وكذلك حسب ما سمعته من زملائي السفراء الأجانب الآخرين المعتمدين في تونس، فإنّه سيكون هناك تدفق لدعم خارجي ثنائي لدولهم مع تونس وإمدادات مالية أخرى خارج طاولة صندوق النقد في حال توصلها للاتفاق"، وفق تأكيده.

وتكافح تونس تحت وطأة ديون متزايدة وتفاقم ارتفاع الأسعار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وتوصلت إلى اتفاق مبدئي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي يبلغ نحو ملياري دولار، لكنّها ما تزال تعمل على تسريع صرف التمويل.

ضغط أوروبي

وتطالب الجهات الدولية المانحة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تونس بإصلاحات قاسية شرطاً لمنحها قروضاً تمويلية، تشمل مراجعة منظومة الدعم، وقد عبّر الأخير عن قلقه في الفترة القليلة الماضية من سلسلة مواقف وصفها بـ "عنصرية" على خلفية تصريحات للرئيس قيس سعيّد انتقد فيها التواجد الكبير لمهاجرين أفارقة غير قانونيين في بلاده، وتحدث فيها عن مؤامرة لتغيير "التركيبة الديموغرافية" في البلاد.

وكان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد صرّح بأنّ التكتل يشعر بالقلق إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس ويخشى انهيارها، قائلاً: "إذا انهارت تونس، فإنّ ذلك يهدد بتدفق مهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي، والتسبب في عدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. نريد تجنب هذا الوضع".

 بلينكن: أهم ما يمكنهم فعله في تونس من الناحية الاقتصادية هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي

وأكد بوريل أنّ الرئيس التونسي مطالب بأن يوقع اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي وينفّذ، وإلا فإنّ الوضع سيكون خطيراً للغاية بالنسبة إلى تونس، بينما عبّرت الخارجية التونسية عن رفضها لهذه التصريحات، معتبرة أنّها "مبالغ فيها"، واصفة إياها بـ "الانتقائية"، بما أنّها "تتجاهل أيّ مسؤولية عن الوضع السائد في تونس، خاصة منذ العام 2011 حتى 25 تموز (يوليو) 2021".

تصريحات كلّ من بلينكن وبوريل تنضاف إلى تحذيرات أطلقها مؤخراً البرلمان الأوروبي معبراً من خلالها عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بـ "التحول الاستبدادي للرئيس سعيّد واستغلاله للوضع الاجتماعي والاقتصادي السيّئ في تونس لعكس مسار التحول الديمقراطي التاريخي في البلاد"، داعياً السلطات التونسية إلى الإفراج عن جميع "المعتقلين تعسفياً واحترام حرية التعبير"، مطالباً إيّاها بوضع حدٍّ لما سمّاها "الحملة المستمرة على المجتمع المدني في البلاد".

دعم فرنسي وإيطالي

وبرغم الضغوط الأوروبية المتزايدة على تونس، في وقت تحتاج فيه إلى الدعم لاستكمال مسارها الإصلاحي، الذي أطلقه سعيّد منذ 25 تموز (يوليو) 2021، لاسترجاع السلطة من الإخوان الذين سيطروا على كل مقاليد الحكم، حثت فرنسا وإيطاليا على دعم تونس ومساعدتها على مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لتكون قادرة على لعب دورها في التصدي للهجرة.

موقف اعتُبر على نطاق واسع "خطوة مهمّة لتجاوز الحذلقة الأمريكية التي جاءت على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومساعدته باربرا ليف اللذين اكتفيا بمطالبة تونس بإبرام اتفاق مع صندوق النقد، من دون أيّ إشارات إلى دعم عاجل تحتاجه البلاد".

موقف فرنسا وإيطاليا اعتُبر على نطاق واسع "خطوة مهمة لتجاوز الحذلقة الأمريكية التي جاءت على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومساعدته باربرا ليف"

ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في بروكسل إلى دعم تونس التي تواجه أزمة مالية خطرة من أجل تخفيف "ضغط الهجرة".

وأشار ماكرون خلال مؤتمر صحفي إثر قمة أوروبية إلى "أنّ التوتر السياسي الكبير جداً في تونس، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستعرة، في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي، (عوامل) مقلقة للغاية"، وقالت ميلوني: إنّه "إذا لم نتعامل مع هذه المشاكل بشكل مناسب، فسيتهدّدنا خطر إثارة موجة هجرة غير مسبوقة".

من جهتها، أشارت ميلوني إلى أنّها "طرحت موضوع تونس أمام المجلس الأوروبي، لأنّه قد لا يكون الجميع على دراية بالمخاطر التي يمثلها الوضع في تونس وضرورة دعم الاستقرار في بلد يعاني من مشاكل مالية كبيرة".

دعا الرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء الإيطالية في بروكسل إلى دعم تونس التي تواجه أزمة مالية خطرة من أجل تخفيف "ضغط الهجرة"

وردّاً على سؤال حول بعثة إيطالية ـ فرنسية محتملة إلى تونس مع المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون، قالت ميلوني: "نعم، هناك بعثة على مستوى وزيري الخارجية، كثيرون في الوقت الحالي يتجهون إلى تونس".

كما ناقشت جورجيا ميلوني الوضع في تونس مع المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جنتيلوني الذي "سيتوجه إلى هناك في الأيام المقبلة". وشددت على "ضرورة العمل على المستوى الدبلوماسي لإقناع الطرفين، صندوق النقد الدولي والحكومة التونسية، بإبرام اتفاق لتحقيق الاستقرار المالي".

يرى المراقبون أنّ فرنسا وإيطاليا تتحركان من منطلق واقعي، وقياساً على المصالح التي تربطهما بتونس، بعيداً عن الشعارات المضللة حول حقوق الإنسان

ويرى المراقبون أنّ فرنسا وإيطاليا تتحركان من منطلق واقعي، وقياساً على المصالح التي تربطهما بتونس، بعيداً عن الشعارات المضللة حول حقوق الإنسان، وتعرفان أنّ ترك تونس تواجه الصعوبات وحدها سيعني تضاعف موجات الهجرة غير النظامية نحوهما.

مواضيع ذات صلة:

رغم محاولات التشويش.. البرلمان التونسي الجديد يواصل عمله

الهجرة غير الشرعية تؤرق تونس وتزيد الضغوط على سلطاتها

تونس... دعم جزائري ودولي في مواجهة التحذيرات الغربية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية