تشويه فنون الزمن الجميل... وجه آخر غير مرحب به للذكاء الاصطناعي

تشويه فنون الزمن الجميل... وجه آخر غير مرحب به للذكاء الاصطناعي

تشويه فنون الزمن الجميل... وجه آخر غير مرحب به للذكاء الاصطناعي


23/05/2023

ضجة جديدة وجدل حول توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، أثارهما الإعلان مؤخراً عن إنتاج أغنية لكوكب الشرق أم كلثوم باستنساخ الصوت، وغناء كلمات جديدة من تلحين المصري عمرو مصطفى، بين مؤيد ومعارض، خشية أن تصل التأثيرات السلبية للتكنولوجيا التي تثير قلقاً كبيراً، إلى الفنون، وخاصة ما يُطلق عليه "فنون الزمن الجميل" التي ارتبطت وترسخت لدى ذهنية الجمهور بالعظمة والتفرد. 

بوجه عام يثير الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي مخاوف متصاعدة في الفترة الأخيرة، تتعلق بمخاطر استخدام الأجهزة كبدائل للبشر، وما يترتب عليه من تهديد مباشر للوظائف وأنماط الحياة، وربما التهديدات المباشرة للجنس البشري، كما يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في الموسيقى جدلاً عالمياً، بعد إنتاج أعمال مزيفة لمطربين، مثل إمينيم ودرايك وذي وينكد وأويزيس. 

وفي خضم ذلك أثار إعلان الملحن المصري عمرو مصطفى منذ أيام عن تلحين أول أغنية بصوت أم كلثوم منتجة بخاصية الذكاء الاصطناعي، أثار حالة من الغضب لدى النقاد والجمهور، خوفاً من أن يتحول الأمر إلى تشويه متعمد لرموز الفن. 

وكان الملحن المصري قد كتب عبر "فيسبوك": "على مدار (24) عاماً، قدّمتُ العديد من الألحان لنجوم الوطن العربي. وأخيراً، مع تطوّر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وددتُ سماع (كوكب الشرق) إذا أدّت الأغنية من ألحان عمرو مصطفى، فماذا ستكون نتائجها؟"، واعداً جمهوره بسماع الأغنية كاملة قريباً.

ومنذ الإعلان لم تهدأ ردود الفعل الغاضبة من جانب نقاد وصانعي الفن في مصر، حول الأمر، مثلاً أصدر المنتج محسن جابر بياناً رسمياً هاجم فيه الملحن، وطالبه بعدم طرح الأغنية كاملة، وقال إنّه يمتلك توكيلاً رسمياً من جميع الورثة الشرعيين للسيدة أم كلثوم، مهدداً بأنّه سيتخذ كافة الإجراءات القانونية لوقف الأغنية.

الملحن المصري عمرو مصطفى

الجمهور أيضاً عبّر عن رفضه للأمر عبر آلاف المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرين أنّ إعادة إنتاج صوت أم كلثوم يُعدّ تشويهاً لتراث مصر الغنائي، وهو أمر غير جيد، خاصة أنّ سيدة الغناء العربي تميزت بالإضافة إلى قوة صوتها، بإحساس عالٍ في تقديم كافة الأغنيات، ومن المستحيل أن يتم إنتاجه عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي. 

لماذا أثار الإعلان كل هذا الغضب؟ 

يقول الكاتب والناقد الفني المصري مصطفى الكيلاني لـ "حفريات": إنّ ما أعلن عنه الملحن المصري هو أمر مرفوض لعدة أسباب؛ أوّلها أنّه لا يملك الحقوق القانونية لصوت السيدة أم كلثوم، وبالتالي ليس من حقه إنتاج عمل فني بصوتها والترويج له، باعتبار أنّ هذا الأمر غير قانوني. 

الكيلاني: توظيف خاصية الذكاء الاصطناعي لإنتاج أغاني أم كلثوم أو أيٍّ من رواد الفن، أمر مرفوض ومحاولة لتشويه التراث الغنائي الأصيل لأغراض تجارية

ويضيف الكيلاني: "ثانياً لا يمكن القول إنّ الذكاء الاصطناعي يصنع فناً، هو فقط يقلد أو يستنسخ الصوت، وهنا تفقد هذه الخاصية صوت السيدة أم كلثوم أحد أهم مميزاته، وهي التمتع بإحساس ليس له مثيل، مثلاً كانت أم كلثوم في بعض أغانيها تعيد المقطع الواحد ربما أكثر من (14) مرة، بإحساس مختلف،  وربما من مقام موسيقي مختلف، الأمر الذي يجعل المستمع يشعر بعظمة الموهبة، ويندمج مع الصوت، ويستمتع به رغم تكراره لدرجة الانسجام، هذه الميزة يفتقدها الذكاء الاصناعي بشكل كامل".

وبحسب الناقد المصري، أقصى ما سيفعله الذكاء الاصطناعي هو إعطاء المستمع نبرة الصوت ذاتها، ولكن لن نسمع الصوت بخامته الحقيقية وتقسيماته الغنائية المختلفة، أو انسجامه مع اللحن، وهذا الأمر يجعل توظيف هذه الخاصية لإنتاج أغاني أم كلثوم أو أيٍّ من رواد الفن، أمراً مرفوضاً، ومحاولة لتشويه التراث الغنائي الأصيل لأغراض تجارية. 

أم كلثوم خط أحمر

يرى الكيلاني أنّ موهبة الغناء لدى السيدة أم كلثوم، إلى جانب الكاريزما والصفات الشخصية التي تتعلق بالقدرة على إدارة الموهبة، جعلتها تكتسب مكانة لم يصل إليها أيّ مطرب بعدها، مشيراً إلى أنّ الفنان يمكن أن يمتلك صوتاً جميلاً وقوياً، ولكن يفتقد بعض الصفات الأخرى، ممّا يمثل عائقاً في وصوله إلى القمة، الأمر الذي لم يحدث مطلقاً مع موهبة أم كلثوم، وأصبحت متفردة وربما أسطورة في مجال الغناء. 

الكيلاني: أقصى ما سيفعله الذكاء الاصطناعي هو إعطاء المستمع نبرة الصوت ذاتها، ولكن لن نسمع الصوت بخامته الحقيقية وتقسيماته الغنائية المختلفة، أو انسجامه مع اللحن

لذلك، يقول الناقد الفني: إنّه من الصعب جداً أن تحاول استنساخ نمط غنائي وشخصية فنية متفردة مثلها، وتختصرها في محاولة إنتاج صوت عبر الذكاء الاصطناعي، "ربما يكون الأمر عادياً أو مقبولاً في بعض الحالات، لكنّه مستحيل حين نتحدث عن مطربة بحجم كوكب الشرق". 

ويذكر الكيلاني، على سبيل المثال، مغني الأوبرا المصري أحمد إبراهيم، ويصفه بأنّه كان يمتلك صوتاً عظيماً، لكنّه كان يفتقد القدرة على إيصال إحساسه للناس، رغم صفاته الشخصية التي تتسم بالنبل وإخلاصه الشديد للفن، ولكن كان هناك جزء مفقود لم يسمح له بالحصول على المكانة التي يستحقها بين الجمهور، وأيضاً هناك نماذج كثيرة مثل محمد قنديل وعبد الغني السيد، وغيرهم من المطربين المصريين تنطبق عليهم الفكرة نفسها. 

جدل حول الملحن

بالعودة إلى الحديث عن قصة الجدل المثار حول إنتاج أغنية جديدة لأم كلثوم بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، يقول مصطفى: إنّ "هناك جزءاً من هذا الجدل يتعلق بالملحن نفسه الذي أعلن عن الفكرة، فهو يواجه اتهامات متكررة بأنّه لم ينتج على مدار تاريخه أيّ لحن من تأليفه الخاص، ولكنّه يعيد إنتاج الإلحان الموجودة بالفعل"، على حدّ قوله. 

 الكاتب والناقد الفني المصري مصطفى الكيلاني

ويرى الكيلاني أنّ فكرة تلحين عمرو مصطفى أغنية للسيدة أم كلثوم، هو أمر مثير للجدل في حدّ ذاته، فهو يضع نفسه في مكانة متساوية مع ملحنين عظماء، أمثال رياض السنباطي ومحمد الموجي ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي، وغيرهم ممّن قدّموا ألحاناً أقلّ ما توصف به أنّها عظيمة، غنتها السيدة أم كلثوم، وتُعدّ موروثاً ثقافياً مهمّاً لمصر، لذلك من غير المقبول أن يطرح عمرو مصطفى نفسه باعتباره ملحناً لأم كلثوم، لأنّها لو كانت متواجدة اليوم، لم تكن لتقبل أبداً بمثل هذا الطرح. 

هل يمثل الذكاء الاصطناعي خطراً على مستقبل الفنون؟ 

إجابة عن هذا السؤال يقول الكيلاني: إنّه بالرغم من التأثيرات السلبية الكبيرة للذكاء الاصطناعي على الإنتاج الفني، لكنّه لا يمثل خطراً كبيراً على مستقبل الصناعة، لأنّه سيجذب فئات بعينها دون الأخرى، معظمها لا يركز على جودة المنتج المقدم، لكن بالنسبة إلى الجمهور الذي يتذوّق الفنون، فإنّه من المستحيل أن يتأثر بهذا النوع "الجامد" أو ينجذب إليه. 

ما يجب الانتباه إليه في الوقت الراهن، على حدّ تقدير الناقد الفني، هو الحفاظ على التراث الموسيقي والغنائي والفني بوجه عام، حتى لا يتم التلاعب به وتشويهه لأغراض تجارية، لذلك يؤكد على ضرورة التعامل القانوني مع أيّ محاولة للاستيلاء على حقوق الملكية، والتصدي لها، من أجل حماية الفن من تلك الممارسات. 

مواضيع ذات صلة:

كيف سيغير الذكاء الاصطناعي العالم في 2030؟.. خبراء يجيبون

الذكاء الاصطناعي يثير قلق العالم.. زعماء الـG7 أمام خيارات معقدة

الذكاء الاصطناعي..يخرج عن السيطرة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية