تطورات الصفقة الأمريكية- الإيرانية: تنازلات متبادلة بين واشنطن وطهران.. ما الجديد؟

تطورات الصفقة الأمريكية- الإيرانية: تنازلات متبادلة بين واشنطن وطهران.. ما الجديد؟


16/02/2022

تؤكّد تسريبات إيرانية وأخرى أمريكية حول مفاوضات فيينا أنّ الطرفين يقتربان أكثر من أيّ وقت مضى من الإعلان عن اتفاق جديد، وهو ما يفسّر تصريحات إيرانية وأخرى أمريكية جديدة تؤكّد على توافقات حول ضرورة اللقاء الثنائي بين طهران وواشنطن، بعد تنازلات مشتركة من الجانبين، بخصوص ملفات خلافية تتعلق بالبرنامج الصاروخي وتدخلات الحرس الثوري الإيراني في الإقليم، فيما يتمّ التركيز على البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يُعدّ نجاحاً لإيران التي بنت استراتيجيتها على إمكانية تقديم ضمانات بعدم إنتاج سلاح نووي على حساب الملفات الأخرى، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، والتي تشكّل أولوية إيرانية.

تطورات الصفقة الجديدة

مؤشرات قرب التوصل لهذا الاتفاق تمثلت من الجانب الأمريكي بالإعلان عن رفع العقوبات التي فرضت لاحقاً من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب عند إلغائه الاتفاق النووي، والبدء بتهيئة الرأي العام الأمريكي لهذا الاتفاق بالإعلان عن  قرب وصول إيران لإنتاج سلاح نووي عبر رفع نسب تخصيب اليورانيوم التي وصلت تبعاً لآخر إعلانات إيرانية إلى (60%)، بالتزامن مع تقديرات بأنّ إيران خلال الشهرين القادمين ستكون قادرة على امتلاك سلاح نووي، وبالمقابل وافقت إيران على أن يكون الاتفاق الجديد "مؤقتاً"، خلافاً لاشتراطات سابقة بأن يكون "دائماً"، وهو ما أثار ردود فعل داخل أمريكا وبين حلفائها في إسرائيل ودول الخليج العربي، لا سيّما أنّ التسريبات تشير إلى موافقة إيرانية على "تجميد" عمليات تخصيب اليورانيوم، وفيما يبدو أنّه بتوافق مع الإدارة الأمريكية، بدأت إيران بالإعلان عن إنتاج صاروخ إيراني جديد مداه  (1400) كم، وزيادة نسب تخصيب اليورانيوم، وتأكيدات حول شرط رفع العقوبات بوصفها خطاً أحمر، وهو ما يتزامن مع تصاعد تصريحات من الإدارة الأمريكية بتحديد نهاية الشهر الجاري موعداً للتوصل للاتفاق، وإلّا فستكون واشنطن أمام خيارات أخرى خارج أطر التفاوض، على ضوء جدالات في الكونغرس الأمريكي حول جدوى الصفقة.

عقبات وتحديات تواجه واشنطن وطهران

ومع ذلك لا تبدو طريق الصفقة ممهدة؛ إذ تواجه واشنطن وطهران جملة من العقبات والتحديات لإنجازها، رغم أنّها تبدو أكثر صعوبة بالنسبة إلى واشنطن، التي تواجه معارضة داخلية من الجمهوريين في الكونغرس، ومعهم بعض المشرّعين الديمقراطيين، بالإضافة إلى لوبيات يهودية تتبنّى الموقف الإسرائيلي المشكّك في الصفقة، وقد كان واضحاً في مقاربات الإدارة الأمريكية التركيز على إثبات أنّ الرئيس ترامب أخطأ في إلغاء الاتفاق، وقدّم لإيران فرصة لتطوير برنامجها النووي، وهو ما يفسّر إجراءات الرئيس جو بايدن باندفاعه تجاه الشرق الأوسط لإقناع خصوم إيران بالصفقة، حيث قام بخطوات منها تأكيده عبر اتصالات مكثفة مع الإسرائيليين التزام أمريكا ببناء القبة الحديدية، ومساعدات عسكرية ومالية، وتأكيدات بقدرة إسرائيل على اتخاذ قرارات بشكل فردي في حال تهديد أمنها القومي من قبل إيران، كما أكد باتصاله بالعاهل السعودي على أنّ أمريكا "لن تسمح لإيران بإنتاج سلاح نووي"، وتلتزم بالدفاع عنها بمواجهة هجمات الحوثيين، كما أعلنت الإدارة الأمريكية عن الإفراج عن صفقات أسلحة موقوفة لحلفائها في الشرق الأوسط (مصر، والسعودية، والإمارات والأردن)، والتوجّه لإجراء مناورات بحرية بقيادة أمريكا ومشاركة أكثر من (60) دولة، كل هذا الخطوات فسّرها كثيرون بأنّها تهدف لتبديد شكوك هذه الدول بالتزام أمريكا بتحالفها معهم، رغم أنّ الدعم الأمريكي، وفقاً لمفاهيم عسكرية، يذهب باتجاهات تحقيق "الدفاع وليس الردع".

تبدو عقبات إنجاز الصفقة أكثر صعوبة بالنسبة إلى واشنطن، التي تواجه معارضة داخلية من الجمهوريين في الكونغرس، ومعهم بعض المشرّعين الديمقراطيين، بالإضافة إلى لوبيات يهودية تتبنّى الموقف الإسرائيلي المشكّك في الصفقة

ومن غير الواضح فيما إذا كانت الضمانات التي تقدّمها أمريكا لحلفائها في الشرق الأوسط كافية من وجهة نظرهم لتبديد شكوكهم بقدرة واشنطن على إلزام طهران بوقف تهديدها للمنطقة، لكنّ التطورات التي تشهدها المنطقة، بما فيها من سباق تسلح غير مسبوق، والصفقات التسليحية الكبرى مع دول غير أمريكا، بما فيها الصين وروسيا "خصوم أمريكا"، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بين دول الخليج وإسرائيل، تشير إلى انخفاض منسوب الثقة بالصفقة، وأنّ عوامل تشكّل تحالف لمواجهة التهديد الإيراني تزداد، لا سيّما بعد الضربات الصاروخية والمسيّرات التي أطلقها حلفاء إيران في اليمن والعراق ضد دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً.

أمّا بالنسبة إلى إيران، فيبدو أنّ التحديات التي تواجهها أقلّ حدة ممّا هي في أمريكا، منذ تحوّل المرشد الأعلى علي خامنئي إلى المطالبة بالعودة إلى الاتفاق النووي بعد إلغائه من قبل ترامب، وباستثناء أصوات في التيار المتشدد تبدي اعتراضات على بعض تفاصيل الصفقة، فإنّ الوصول إلى صفقة جديدة مع أمريكا يشكّل هدفاً للقيادة الإيرانية، بتياراتها ومستوياتها المختلفة، في ظلّ ما يمكن أن تحققه من ضمانات بعدم استهداف النظام الإيراني، ورفع العقوبات التي تشكّل تهديداً وجودياً للقيادة الإيرانية، في ظلّ احتمالات قيام ثورة شاملة تطيح بالنظام على خلفية احتجاجات على الأوضاع المعيشية للشعوب الإيرانية، وبالتزامن يبدو أنّ التحدي الذي تواجهه القيادة الإيرانية مع حلفائها ووكلائها في الإقليم سيكون أقلّ حدة، لأسباب مرتبطة بتفاوت علاقات القيادة الإيرانية مع هؤلاء الوكلاء من جهة، ودور وطبيعة تلك العلاقات ومرجعياتها الدينية والمذهبية من جهة أخرى.

مستقبل الصفقة

لا شكّ أنّ إيران حققت نجاحات في هذه الصفقة، لعلّ أبرز عناوينها حصر المفاوضات، على الأقلّ كما هو معلن، في البرنامج النووي دون وضوح التزاماتها تجاه البرنامج الصاروخي وتدخلات الحرس الثوري الإيراني في الإقليم.

من غير الواضح فيما إذا كانت الضمانات التي تقدّمها أمريكا لحلفائها في الشرق الأوسط كافية من وجهة نظرهم لتبديد شكوكهم بقدرة واشنطن على إلزام طهران بوقف تهديدها للمنطقة

وبالرغم من أنّ مسألة التوصل إلى اتفاق قبل نهاية شباط (فبراير) الجاري، كما أعلنت الإدارة الأمريكية، ليست مؤكدة، لأنّ سيناريو إنهاء المفاوضات بدون التوصل لهذا الاتفاق ما زال قائماً، رغم محدودية الأدلة التي تؤيده، إلّا أنّ هذا يعني أنّ سيناريو ترجيح التوصل إلى اتفاق يبدو ممكناً، بدلالة تحضيرات طهران وواشنطن المكثفة للإعلان عنه، لا سّيما أنّ إيران تواصل سياسة "حافة الهاوية"، فيما لن تصل المعارضة الأمريكية داخل الكونغرس إلى درجة رفض الصفقة وإحباط تمريرها، غير أنّ الأهمّ هو أنّ صفقة بهذا المستوى لن تكون مقبولة، خاصة من حلفاء واشنطن في المنطقة، وستبقى على الأرجح عناوين سباق التسلح ومظاهر التدخل الإيراني في الإقليم، وهو ما سيطرح تساؤلات حول تغيير سلوك إيران بعد رفع العقوبات، وستثار شكوك جديدة، على غرار الاتهامات التي وجّهت لطهران باستغلال صفقة 2015، واستثمار رفع العقوبات بتوظيف الأموال التي تمّ الإفراج عنها في تطوير البرنامج النووي والصاروخي، ودعم وكلاء إيران في الإقليم.

ومع ذلك، فمن غير المستبعد أنّ تكون إيران قد قدّمت ضمانات، تتجاوز قضية تخصيب اليورانيوم "المعلن عنها"، شملت مستقبل تدخل الحرس الثوري في الإقليم وبرنامجها الصاروخي، لكنّ تلك الضمانات ستبقى ضمن أسرار الصفقة التي لن يُعلن عنها، ربّما بطلب من الإيرانيين، لكن سيبقى تنفيذها موضع تساؤل ومتابعة من قبل أمريكا، وستكون أحد معايير الموقف الإسرائيلي والخليجي تجاه الصفقة الجديدة، في إطار شكوك عميقة تعكس حجم ومستوى أجواء عدم الثقة بالقيادة الإيرانية وتعهداتها، استناداً لتجربة اتفاق 2015.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية