شاهد على كارثة انهيار سد درنة وشهادة للتاريخ

شاهد على كارثة انهيار سد درنة وشهادة للتاريخ

شاهد على كارثة انهيار سد درنة وشهادة للتاريخ


26/02/2024

في البداية، أؤكد أنّني أكتب كل حرف في هذا المقال من منطلق الشاهد على تلك المرحلة من مركز العمل. فقد التحقت بمركز العمليات بعد زيارة سريعة قمت بها بعد حدوث الكارثة بأيام قليلة، وفور وصولي ومعي عدد من الرفاق، انتقلنا إلى مديرية أمن درنة، وهناك مباشرة قابلت العميد (صدام خليفة حفتر)، الذي استغرب وجودي في درنة في هذا الظرف في ظل حالتي الصحية، وتحدثت معه سريعاً عن الوضع بشكل عام، وشرح بعض الملاحظات، ثمّ غادرت. وقابلت أثناء خروجي الرفيق (خليفة العبيدي)، الذي كان يعدّ لإنشاء مركز إعلامي يجمع كافة الصحافيين والإعلاميين الأجانب والليبيين، وطلب منّي الحضور إلى إدارة هذا المركز معه، وهذا ما حدث؛ حيث عدت إلى بنغازي وجمعت أغراضي، ووصلت سريعاً إلى درنة، وبرفقتي عدد من الصحافيين المحليين، وحضرت إلى مقر المركز الذي كان في مصرف الإدخار بدرنة.

نحو ذلك، وفّر الإعلام الحربي كل الإمكانيات للصحافيين الأجانب والليبيين، وكلّ مراسلي القنوات الأجنبية والمحلية تمّت معاملتهم بالشكل نفسه، وتوفرت لهم كل سبل الراحة، حتى مواد التنظيف الشخصية، ووجبات الإفطار والغداء والعشاء والمشروبات الساخنة والباردة، والتنقلات داخل المدينة، بما في ذلك حضور المؤتمرات الصحفية دون أيّ قيود.

تحريض حكومة طرابلس

في ظل العمل الذي أرهقنا جداً، كانت أقلام سلطة حكومة طرابلس ورئيسها عبد الحميد الدبيبة تتهجم علينا، وتحاول استغلال الكارثة الإنسانية سياسياً، محاولين تحريض المجتمع الدولي والمحلي ضدّ غرفة العمليات، وهي أقلام انطلقت بشكل منظم، مرة بطرح شكاوى من قلة وصول مواد الإغاثة، وكنا نرد عليها مباشرة بالبحث عن أصحاب الشكاوى، لنكتشف أنّ أرقام هواتفهم مغلقة، ومرة شائعات بأنّ درنة محاصرة، إضافة إلى سيل من الشائعات والافتراءات؛ غايتها تحريض المواطنين على الاحتجاج في قلب مسرح البحث عن جثث الضحايا.

كانت فرق الإنقاذ في درنة تقوم بالبحث عن الجثث وانتشالها، وفي المقابل تحشد حكومة طرابلس مئات المواطنين للاحتجاج، وبالطبع أربك هذا التجمع البشري عمل الفرق، حيث في الوقت الذي يقف فيه الناس على الركام، والمنطقة بالكامل منطقة عمليات، كان من المفترض أن يُمنع منعاً باتاً الدخول إليها، وذلك بشهادة الصحافيين والإعلاميين الأجانب، وقد تحدث إليّ مراسل قناة عربية معروفة مستنكراً، وقال: "كنت أتوقع من صوت التكبير والهتاف من بعيد أنّ هناك جثثاً تمّ العثور عليها، ولكن لما وصلت إلى مصدر الصوت، وجدتها مظاهرة سياسية، فسحبت المصورين وعدت إلى هنا، فنحن قدمنا لغاية تحقيق هدف إنساني". ورغم ذلك تمّ السماح بالتظاهر، وفتحت أمام المتظاهرين الطرقات، وتحرك عدد من المتظاهرين في ختام المظاهرة، التي انتهت بحرق منزل عميد بلدية درنة (عبدالمنعم الغيثي)، وتوالت حملات استغلال الكارثة، في الوقت الذي كانت فيه عشرات الطائرات من مختلف أنحاء العالم المحملة بأطنان المساعدات تهبط في المطارات والقواعد العسكرية، وكانت تستقبلها فرق مدنية، وبمساعدة رئيسية من الجيش، ناهيك عن الوفود الأجنبية والمحلية التي كانت تتوافد، ويتم استقبالها وتوفير المساعدات والخدمات لها لكي تنجز مهمتها بالشكل المطلوب.

 كان هناك طوفان من المساعدات، من غرب وجنوب البلاد، يتم تنظيمها وتحديد مساراتها لتصل إلى الأماكن المحددة، واحتياجات سكان المدينة كانت تتوفر سريعاً؛ مثل الدقيق والسلع الغذائية، وكانت هناك حياة شبه طبيعية في المناطق غير المتضررة، مع إعادة الكهرباء وخدمات الاتصالات سريعاً، ولم تسجل أيّ شكوى من الفرق الأجنبية العاملة في مجال الإنقاذ، وكانت كل الخدمات تقدم لهم بشكل فوري، وكانت تُسجل يومياً حالات العثور على الجثامين، كون العمل على انتشالها يتواصل لأيام بدون راحة. وكانت غرفة العمليات تقوم بتسجيل كل الملاحظات بشكل شبه يومي، من خلال اجتماعات دورية مع مسؤولي فرق الإنقاذ، والحكومة كذلك كانت تجتهد رغم قلة الإمكانيات في الجوانب المختصة بها. في مقابل ذلك كانت الشيطنة مستمرة من إعلام دار الإفتاء، وحلفاء عبد الحميد الدبيبة، بقيادة حفنة من المهزومين والمطرودين اجتماعياً وأمنياً من درنة ومناطق شرق البلاد.

مهمة صعبة وعمل شاق

لقد أرهقنا فعلاً حينها، ولكنّنا كنا نراهن على وضع بصمة مشرفة، ننقذ من خلالها الوضع ونرفع من همم أهلنا في درنة؛ ليتجاوزوا الصدمة، وينطلقوا من جديد لمعانقة الأمل وإزالة الخراب والدمار الذي خلفه الإعصار. كانت الأقلام تتهجّم علينا من خارج البلد، ونحن بداخلها، من قبل أناس لم يقدّموا إلّا الكذب وتزوير الحقائق، لصالح توجهاتهم وغاياتهم غير الحميدة، ولكن في ختام هذه الكارثة كانت غرفة العمليات بقيادة اللواء (صدام حفتر) تنجز ما يريده الأهالي المتضررون، من خلال دعمهم بكل الإمكانيات؛ ليكونوا مرتاحين بدون أيّ ضغوطات، وتم توزيع صكوك مالية؛ كنوع من الدعم اللوجيستي المؤقت، حتى تعود المدينة كما كانت بعد البناء والإعمار، ولم تُسجل أيّ حالة تفيد بأنّ عائلة واحدة باتت في العراء، وحتى من حيث الأعداد، كانت الغرفة دقيقة جداً في عدم الإعلان العشوائي عنها، وكان يجب أخذ الجثث وتسجيلها، وأخذ العينات منها ودفنها بالطرق النموذجية.

وفّر الإعلام الحربي كل الإمكانيات للصحافيين الأجانب والليبيين، وكلّ مراسلي القنوات الأجنبية والمحلية تمّت معاملتهم بالشكل نفسه، وتوفرت لهم كل سبل الراحة، حتى مواد التنظيف الشخصية، ووجبات الإفطار والغداء والعشاء والمشروبات الساخنة والباردة، والتنقلات داخل المدينة، بما في ذلك حضور المؤتمرات الصحفية دون أيّ قيود

كما اتخذ مسار العدالة طريقه، واستجابت الغرفة لنداء الأهالي، وتم وضع عميد البلدية (عبد المنعم الغيثي) في السجن على ذمة التحقيق، وكلفت مسؤولاً عسكرياً بإدارة المدينة، حتى تنهض من جديد، وانطلقت لتعيد صيانة وتجهيز المباني، وإقامة الجسور والطرق المؤقتة، لتسهل حركة المواطنين داخل المدينة، وما زال العمل مستمراً حتى تزدهر درنة من جديد، والتي استغل مأساتها الانتهازيون، الذين تناسوا جميعهم احتياجاتها وحال أهلها، ولم يبقَ وفياً لها إلّا الجيش.

دعاية إعلامية مأجورة

عمل إعلام عبد الحميد الدبيبة على تدمير معنويات أهالي مدينة درنة، وعموم الليبيين الذين كانوا يصارعون الزمن لإنقاذ المدينة وتجاوز حجم كارثتها، فهذه الكارثة لو حدثت في عهد الميليشيات ومجالس القاعدة العسكرية، لكانت مضاعفة، وكنا فقدنا الأمل في مواجهتها، وحلت الفوضى، وفقدنا ثقة المجتمعات التي قدمت لنا المساعدات.

ظهرنا بشكل محترم، وتوحدت الجهود، ورحبنا بجميع من كان يريد تقديم العون، حتى الإعلام المعادي تمّ الترحيب به، كما سمحنا بقدوم قوات عسكرية من غرب البلاد لتقديم المساعدة، رغم التحريض ومحاولات خلق الفتن، عبر رجالات رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، من خلال الأدوات نفسها التي تم استخدمها عبر منصات وقنوات تنظيمات الإسلام السياسي، خاصة قناة (النبأ) الإرهابية.

في تقديري الشخصي، فإنّ رئيس حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة، لم يقدم لدرنة شيئاً ما عدا مساهمات رمزية؛ تمثلت في الخدمات العامة، وبعض الشركات العامة، ولكنّه اجتهد من خلال إعلامه من أجل توظيف الكارثة.

الجيش، وكاتب هذه السطور، شهود على كل ذلك، كان الجيش هو الذي رفع درنة على أكتافه، وعبر بها إلى بر الأمان الذي سيوصلها إلى الاستقرار والازدهار من جديد، وهنا أقصد جوانب التأمين والحماية، وتقديم التسهيلات للجميع، وكان هذا هو عصب سير العمل بالشكل الصحيح في درنة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية