صلاح عبد الحق وشرعية قيادة الإخوان المنقوصة

صلاح عبد الحق وشرعية قيادة الإخوان المنقوصة

صلاح عبد الحق وشرعية قيادة الإخوان المنقوصة


26/03/2023

يظلّ قادة الإخوان في الشتات خارج مصر يتمتعون بشرعية منقوصة، فحين أعلن فريق منهم تولية صلاح عبد الحق بشكل رسمي قائماً بأعمال المرشد، أصدر آخرون بقيادة محمود حسين خلال الأيام الماضية رفضهم لذلك متحججين باللائحة التاريخية التي وضعها المؤسس حسن البنا، لتظل الجماعة دون قيادة شرعية فعلية مهما حاول فريق حسم الأمر.

البحث عن الشرعية

إنّ مشكلة شرعية القيادة الإخوانية تاريخية منذ أيام المؤسس، والخلافات التي جرت بينه وبين الشيخ أحمد السكّري، لكنّها أصبحت في وضوح الشمس منذ أن دبّ الصراع بين محمود عزت ومحمد كمال، ثم بدأت تأخذ شكلاً جديداً حينما تم قطع التواصل تماماً بين عزت، الذي بالكاد سيطر على القيادة، ومجموعة ملتفة حول أمين الجماعة السابق، حجبت بعض الملفات عنه نهائياً، ممّا جعلها باستخدام اللائحة تقوم بتفريغ مجلس شورى الجماعة من مضمونه، ونقل منصب القائم بأعمال المرشد لمحمود حسين بطريقة غير مباشرة، وهو ما جعله لائحياً وتنظيمياً أعلى سلطة من إبراهيم منير، الذي سيتولى قيادة الجماعة عقب القبض على محمود عزت.

تولى إبراهيم منير رغم شرعيته المنقوصة؛ إذ لم يكن عضواً داخل مكتب الإرشاد، وقرر إلغاء الأمانة العامة ومنصب الأمين العام لمكتب الإرشاد (سكرتير المكتب)، وتشكيل لجنة إدارية لها قبول عند الصف للمّ الشمل وإعادة الشباب إلى حاضنة الجماعة، والسعي لحلّ الوضع المتأزم داخل الإخوان، وإلغاء منصب القائم بأعمال المرشد نهائياً، ولما وجد فيه رفضاً نقله لنفسه وفقاً للائحة.

عارضت مجموعات من الجماعة القرارات السابقة، جملة وتفصيلاً، ورفض أيضاً محمود حسين صلاحيات اللجنة الإدارية الجديدة للجماعة متحججاً باللائحة، متهماً إبراهيم منير بأنّه مخطوف ذهنياً، وأنّ وراءه مجموعة تملي عليه قراراته.

رفض إخوان بقيادة محمود حسين خلال الأيام الفائتة تولية صلاح عبد الحق بشكل رسمي قائماً بأعمال المرشد

اعتبرت مجموعة محمود حسين أنّ تولية إبراهيم منير غير شرعية، وأنّ مجلس الشورى قد انعقد بنصاب قانوني ووافق أغلبية المشاركين على "إعفاء الأستاذ الفاضل إبراهيم منير من مهامه كنائب للمرشد العام للإخوان المسلمين وقائم بعمله"، ثم خرج طلعت فهمي المتحدث الإعلامي باسم الجماعة بتسجيل مصور يؤكد فيه ذلك، وهو ما أدى إلى قرار مماثل من الطرف الآخر.

عقب وفاة القائم بالأعمال إبراهيم منير تصاعدت أزمة شرعية قيادة الجماعة ومدى توافقها مع اللائحة، وبينما تعثر الفريق الذي يطلق عليه إعلامياً (فريق لندن) أعلن الفريق الآخر تولي محمود حسين قائماً بأعمال المرشد، إعمالاً للّائحة نفسها، على اعتبار أنّه عضو مكتب الإرشاد الوحيد خارج السجون، لكنّ ذلك جوبه برفض قاطع من مجموعات الإخوان المتعثرة في حيازة الشرعية للقيادة.

الشرعية المفقودة للأبد

منذ بدء تلك الأزمة هناك تضارب كبير وتناقض في تصريحات القيادات، وكذا الذين انشقوا عن جماعة الإخوان، الذين وصل بهم الحال إلى عدم الاعتراف بشرعية مجلس الشورى العام في الداخل والخارج.

في شهادة على نقص الأهلية والشرعية، يروي القيادي الإخواني أحمد هلال تفاصيل الصراع على قيادة التنظيم قائلاً: "بعد وفاة الأستاذ إبراهيم منير تطورت الأزمة، وأخذت منحى آخر لم يتوقعه أحد، حيث أصر ذلك الفريق على  مواصلة الطريق حتى لو تباينت التصريحات الإعلامية المثيرة للجدل التي خرجت تؤكد أنّ المسؤولية قد انتقلت بالوصية من الأستاذ إبراهيم منير إلى الدكتور محيي الزايط بإدارة شؤون الجماعة إلى حين التوافق على بديل له.

تولى إبراهيم منير رغم شرعيته المنقوصة، إذ لم يكن عضواً داخل مكتب الإرشاد، وقرر إلغاء الأمانة العامة ومنصب الأمين العام لمكتب الإرشاد

اجتمعت مجموعة من المقيمين في الخارج في أحد فنادق إسطنبول ولمدة (3) ليالٍ متكاملة من أجل الاتفاق، وأخرجوا تصريحات مختلفة أنّهم يعكفون على تأسيس هياكل جديدة، واعتبروا أنّ هذا الاجتماع الذي استمر (3) ليالٍ هو مجلس شورى إسطنبول ولا علاقة له بالداخل من قريب أو بعيد، وبالتالي انتقال المسؤولية إليهم دون إخطار الداخل أو تنازله عن المسؤولية أو التصريح بتكليف غيرهم لتلك المسؤلية، ثم خرج بعدها الدكتور محيي الزايط في تصريح إعلامي يؤكد فيه أنّ الداخل والخارج على  قلب رجل واحد، وفي الوقت نفسه رغم أنّه لا يوجد ولا رجل واحد يمثل الداخل".

يروي هلال كيف فشلت مجموعة الراحل إبراهيم منير في اختيار قيادة للجماعة قائلاً: تمّت انتخابات داخلية بين المجموعة التي انعقدت في إسطنبول لاختيار من يحل محل الأستاذ إبراهيم منير، وقد كانت نتيجة الانتخابات هي فوز الدكتور حلمي الجزار، فلم يمكنه الأستاذ البحيري من ذلك الأمر، وهدد بالانسحاب الكلي من هذا التجمع نهائياً، وكانت صدمة كبيرة ومؤثرة نتج عنها انفصال مجموعة من الشباب الذين يرغبون في الدكتور حلمي الجزار والفريق المؤيد له، وبدأت المشكلة تأخذ أبعاداً أخرى تنذر بتفجير جبهة لندن من داخلها، ومن هنا بدأ طرح اسم الدكتور صلاح عبد الحق كبديل توافقي يتخطى تلك الأزمة لاستكمال المشروع حسب ما هو مخطط له.

يتساءل هلال حول شرعية صلاح عبد الحق، ويقول: الدكتور صلاح عبد الحق لم يعرفه الكثير، وهو بعيد جداً عن تلك الخلافات المتباينة، وليس عضو مجلس شورى عام ولا عضو مكتب الإرشاد، فكيف سيتم توفيق الأوضاع وإخراج سيناريو لقبول هذا الطرح التوافقي الجديد؟

إنّ إطلاق شعار "عهد جديد وقيادة جديدة" أثناء الإعلان عن تولية صلاح عبد الحق يدل على أنّنا أمام جماعة وقيادة جديدة ومختلفة عن جماعة الإخوان المعهودة

من أجل الحصول على الشرعية المنقوصة تحجج الباحثون عن قيادة الجماعة إمّا عن بند في اللائحة، وإمّا عن وصية المتوفى إبراهيم منير، أو رسالة من داخل السجون من المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر، تجيز لهم السيطرة على كرسي مكتب الإرشاد.

يقول أحمد هلال: حدث لقاء مع الأستاذ إبراهيم منير والدكتور صلاح عبد الحق بحيث يكون في وضعية الجاهزية لقبول تلك المهمة التي تستند على الوصية أيضاً ودخل من باب الوصية التي صرّح بها محيي الزايط، وحيث إنّ المشهد الذي سيتم قبوله هو التسويق للشرعية عن طريق وفكرة التركيز على الشخصية المطروحة، والتسويق الجيد له أنّه شخصية محورية ذات تاريخ تراثي وغير متدخل في الأزمة الأخيرة، ومن ثم العبور به نحو شرعية عاطفية دون التطرق إلى طريقة اعتماد القرار بتنصيبه والإعلان عنه في ظل حشد كبير يغطي على مناطق الخلاف والاختلاف، ولا يتم التطرق إليها من قريب أو بعيد.

بعد وفاة إبراهيم منير تطورت الأزمة، وأخذت منحى آخر لم يتوقعه أحد

لقد كان مشهد تولية صلاح عبد الحق زائفاً، حيث لم يستطع الكبار والشخصيات التي تمرر المشروع أن تجيب عن أسئلة حائرة: على أيّ أساس تم اعتماد القرار والإعلان؟ هل هو بناء على اجتماع مجلس الشورى العام في الداخل والخارج وهذا لم يحصل، وحيث إنّهم أيضاً قد أعلنوا أنّ التنظيم العالمي هو من اعتمده قائماً، فمتى حصل ذلك؟ ولم يحضر تلك الاجتماعات المزعومة الـ (9) أعضاء المصريين الذين لهم حق حضور اجتماعات العالمي.

يقول قيادي في الجماعة (رفض ذكر اسمه) من الهاربين في إسطنبول في تصريح خاص لـ"حفريات": إنّ إطلاق شعار "عهد جديد وقيادة جديدة" أثناء الإعلان عن تولية صلاح عبد الحق يدل على أنّنا أمام جماعة وقيادة جديدة ومختلفة عن جماعة الإخوان المعهودة وانشقاق ثانٍ، حيث إنّ الانشقاق الأول كان تحت مُسمّى "المكتب العام"، وقد تميز تمييزاً واضحاً عن الجماعة.

وفي الإجابة عن سؤال يتعلق بالصراع على كرسي قيادة الجماعة، ولماذا يبحث الجميع عن الشرعية، قال القيادي: المسألة كلها تتعلق بأنّ من يقود الجماعة سيحوز سلطة كبيرة وأموالاً لا حصر لها، بل ويمكن له أن يتحكم في التنظيم الدولي.

الخلاصة، أنّ كل قيادات الإخوان في الشتات خارج مصر يتمتعون بشرعية منقوصة، وأنّه رغم تولية صلاح عبد الحق بشكل رسمي قائماً بأعمال المرشد في مؤتمر حضره العديد من الأفراد، إلا أنّه لم يحز على الرضا الكامل، وأنّ الآخرين يستندون إلى شرعيات أخرى تمكنهم من الصراع أيضاً على قيادة التنظيم المنقسم فعلياً إلى جبهات متصارعة.

 

الصفحة الرئيسية