غزة: من انتصر في حرب الـ 66 ساعة الأخيرة؟

غزة: من انتصر في حرب الـ 66 ساعة الأخيرة؟


09/08/2022

انتهت جولة أخرى من صراع إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، تشبه سابقاتها في طبيعتها العسكرية، وتفترق عنها من حيث غياب حركة حماس عن تصدّر المواجهة، وانتقال الدفّة إلى حركة الجهاد الإسلامي.

ويحمل هذا الفارق تحولات كبيرة؛ منها ما يتعلق بعلاقات الفصائل الفلسطينية ببعضها، والتباين في الرؤى حول ماهية المقاومة، والصورة التي صُنعت عن جولة الصراع.

النصر لمن؟

ويرى الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية، محمد بدر؛ أنّ كلّ جولات القتال مع إسرائيل انتهت باتفاق وقف إطلاق نار متبادل، لكن "في الجولات السابقة كانت هناك تقنيات إعلامية حاضرة تخلق صورة النصر للمقاومة الفلسطينية، وهو الأمر الذي غاب هذه المرة، التي شهدت للمرة الأولى فرض المقاومة شروطها على المحتل".

وتابع الباحث الفلسطيني: "كان هناك ضعف في الضخّ الإعلامي نحو صناعة صورة النصر، ليس النصر في حدّ ذاته؛ فلا يمكن لأيّ طرف ادّعاء النصر، ومن يروّج لذلك يخلق صوراً غير حقيقية يظهر زيفها فيما بعد"، ويعلّل ذلك بعدة أسباب، على رأسها شخصية الأمين العام لحركة الجهاد، زياد النخالة: "هو رجل واقعي، لا يبيع الوهم، ولا يتحدث عن فرض معادلات على العدو يظهر عدم صدقها لاحقاً".

تشييع جثامين قادة ومقاتلي حركة الجهاد

واندلعت الجولة الأخيرة من القتال في غزة، مساء الخامس من شهر آب (أغسطس) الجاري، بعد مناوشات متقطعة بين كتائب حركة الجهاد في الضفة الغربية وإسرائيل. وبلغ التوتر مداه بعد اعتقال إسرائيل القيادي المؤسس في الحركة، بسام السعدي، في الضفة الغربية، لتردّ الحركة بنشر الصواريخ على حدود قطاع غزة مع مستوطنات الغلاف، وأعقب ذلك اغتيال القيادي بالجناح العسكري للجهاد، سرايا القدس، تيسير الجعبري، لترد الجهاد بإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية.

لم يعد قرار الحرب في قطاع غزة بيد جهة واحدة، فمن المرجح أن تكون لحركة الجهاد قراراتها المستقلة، خصوصاً مع اختلاف الرؤى والحسابات مع حركة حماس

وعقب 66 ساعة من القتال بين إسرائيل وحركة الجهاد التي دعمتها عدة فصائل فلسطينية، عاد الهدوء إلى القطاع بعد قبول الطرفين بالوساطة المصرية، التي تضمّنت وقفاً متبادلاً لإطلاق النار، وضمانة مصرية بالإفراج عن الأسيرَين من قادة الجهاد؛ بسام السعدي وخليل العواودة.

أسباب الحرب

وأعلنت إسرائيل أنّ حربها على القطاع تستهدف حركة الجهاد الإسلامي، ودعت حركة حماس إلى عدم التدخل، وهو الأمر الذي التزمت به الحركة، لأسباب وحسابات تتعلق بها.

وحول استهداف الجهاد على وجه الخصوص، يشرح الباحث محمد بدر، رؤية حركة الجهاد للأحداث في الأراضي المحتلة: "ترى حركة الجهاد أنّ هناك مكتسبات مهمةً جداً في الضفة الغربية للمقاومة، وهي تشكيلاتها المسلحة التي تطلق عليها مسمى كتائب، ومنها كتائب جنين ونابلس وطوباس، التي تقوم بدور قتالي محدود نظراً لمحدودية إمكانياتها وطبيعة دورها، وهذه الكتائب لا تقدر على مواجهة اجتياح عسكري إسرائيلي واسع".

وأضاف: "خلال الفترة التي سبقت القتال كان هناك توجه إسرائيلي لحسم هذه البؤر المسلحة في الضفة عسكرياً، والاستفادة من التوقيت في تحقيق انتصار انتخابي للحكومة في الانتخابات المبكرة، بعد ثلاثة أشهر، وبناءً على ذلك كان على الجهاد خلق عامل ردع للاحتلال، لإنهاء حالة التربص بكتائب الضفة، المهمة جداً للجهاد وحماس؛ حيث ترى الحركتان أنّ قطاع غزة صار مُنهكاً، محدود القدرة على مواكبة كلّ حدث في بقية الساحات، ولهذا يجب تفعيل الساحات التي يقع فيها الاعتداء، وهي ساحة الضفة الأخطر على الاحتلال، بسبب الاحتكاك المباشر".

ترتبط العمليات العسكرية الإسرائيلية بحسابات انتخابية

بالتالي، يتابع الباحث الفلسطيني: "كان لزاماً على الجهاد التحرك للحفاظ على ساحة الضفة، فنشرت كتائب الصواريخ وحاصرت غلاف غزة، وتعاملت إسرائيل مع التهديد بجدّية، واغتالت الجعبري حين سنحت الفرصة، وبهذا الاستهداف كسبت عدة أمور؛ عامل المفاجأة الذي يضمن نصف النصر في الغالب، وفكّ الحصار عن مستوطنات غلاف غزة، وكسر قاعدة مهمة في الاشتباك، وهي اغتيال قادة المقاومة خارج حالة القتال، ومن هنا اندلعت الحرب".

 وإلى جانب فكّ الحصار عن غلاف غزة، كان الهدف الإسرائيلي تقويض قدرات حركة الجهاد في غزة، تمهيداً لتصفية كتائبها في الضفة الغربية، بعد ضمان عدم قدرة الجهاد على الردّ.

نتائج القتال

وأسفرت الحرب عن استشهاد 44 فلسطينياً واغتيال قياديين بارزين من الجهاد الإسلامي، هما تيسير الجعبري وخالد منصور، واستشهاد 12 من عناصر سرايا القدس، وإصابة المئات من المدنيين.

وأطلق الجيش الإسرائيلي على عمليته العسكرية اسم "الفجر الصادق" دلالة على استهداف حركة الجهاد التي تتخذ شعاراً باللون الأسود، بحسب المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، وبالنسبة لإسرائيل فقد حققت العملية أهدافها بعد تقويض قدرات حركة الجهاد.

الباحث الفلسطيني محمد بدر لـ "حفريات": إستراتيجية الجهاد القتالية قائمة على مبدأ المشاغلة؛ أي حالة اشتباك مستمرة مع الاحتلال، وهي تصطدم بإستراتيجية حماس التي تقوم على المراكمة

وعلى الجانب الآخر، بالنسبة لمعادلة الردع التي تتحدث عنها فصائل المقاومة الفلسطينية، يرى الباحث الفلسطيني في العلوم السياسية، محمد بدر؛ أنّ "إسرائيل تفاجأت بالأداء الكبير لحركة الجهاد، وقدرتها على التأقلم والتعافي، ولهذا انتهت العملية بالنسبة لها بعد اغتيال الجعبري وخالد؛ لأنّ الجهاد لا تملك مكاتب ومؤسسات تستهدفها، على عكس حماس، ولهذا صارت التهدئة في مصلحتها".

وعن تداعيات الحرب على العلاقات بين الفصائل الفلسطينية، قال بدر: "بما أنّ حركة الجهاد تصدّرت هذه الجولة، وكادت تكون وحدها في الميدان، فهذا يمنحها حرية حركة وعمل أكبر؛ حيث كانت من قبل مقيدة بالتنسيق مع بقية الفصائل، كما في حالة الغرفة المشتركة". وأشار إلى أنّ "الصيغة الجامعة للمقاومة ضُربت إلى حدّ ما، بغضّ النظر عن الخطاب السياسي الداعم للوحدة من الجميع".

وارتباطاً بذلك، تُفهم تصريحات زياد النخالة، التي هدّد فيها بعودة الحرب إذا ما تعرضت إسرائيل لكتائب الجهاد في الضفة الغربية.

د. حكمت المصري: مكاسب الاحتلال تتعلق بالانتخابات المقبلة

ويتوقع الباحث الفلسطيني، محمد بدر، انعكاس ما سبق على عمل المقاومة: "إستراتيجية الجهاد القتالية قائمة على مبدأ المشاغلة؛ أي حالة اشتباك مستمرة مع الاحتلال، وهي تصطدم مع إستراتيجية حماس التي تقوم على المراكمة؛ أي مراكمة القوة ومنح متنفس لسكان غزة، ولهذا الاختلاف علاقة بالمنطلقات الفكرية للحركتين، ويحتاج إلى بناء تفاهم لتجنب وقوع إشكاليات".

وبحسب تحليل الباحث محمد بدر؛ "على المستوى طويل المدى حققت الجهاد مكاسب كبيرة، منها: حرية الحركة والعمل، ونمو شعبيتها، ومراكمة ثقة أكبر بقدراتها".

من جانبه، قال الباحث في العلوم السياسية، حكمت نبيل المصري: "تختلف هذه الجولة من العدوان عن سابقاتها من حيث الوقت فقط، لكنّها تتشابه في استهداف الاحتلال المدنيين والمنازل والأطفال والشيوخ وحتى المقابر".

وأضاف الباحث الفلسطيني لـ "حفريات": "وقف إطلاق النار لحماية أرواح المدنيين، في حدّ ذاته، يعدّ انتصاراً، ومكاسب الاحتلال تتعلق بالانتخابات المقبلة، وإنهاء حالة التوتر بعد أحداث جنين ونابلس". وشدّد الباحث الفلسطيني على ضرورة أن تذهب القوة الفلسطينية، خاصة المسؤولة عن الحكم بغزة، إلى "اتفاق تهدئة طويل وإنجاز صفقة الأسرى مقابل رفع الحصار الشامل وإعادة البناء والتنمية، وتوثيق العلاقة مع مصر، والذهاب نحو الانتخابات".

وبناءً على ما سبق؛ لم يعد قرار الحرب في قطاع غزة بيد جهة واحدة، فمن المرجّح أن تكون لحركة الجهاد قراراتها المستقلة، خصوصاً مع اختلاف الرؤى والحسابات مع حركة حماس، والتي ظهرت خلال الحرب الأخيرة، فضلاً عن اختلاف طبيعة الحركتين فيما يتعلق بالواجبات تجاه قطاع غزة؛ فحركة حماس مسؤولة، بحكم تصدّرها لإدارة القطاع عن السكان، على خلاف الجهاد التي لم تتصارع على السلطة.

وتعدّ جولة القتال الأخيرة، التي أطلقت عليها الجهاد اسم "وحدة الساحات"، دلالةً على محركات العملية من حماية ساحة الضفة الغربية، هي السادسة منذ الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005.

مواضيع ذات صلة:

الهدنة تدخل حيز التنفيذ... وزارة الصحة الفلسطينية تعلن حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة

بهذه الطريقة يستغل المحور الإيراني الأحداث في غزة

أبرز ردود الأفعال العربية والدولية على العدوان الإسرائيلي على غزة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية