غورباتشوف يودع التاريخ مرتين

غورباتشوف يودع التاريخ مرتين


31/08/2022

عُرف ميخائيل غورباتشوف، الزعيم الأخير للاتحاد السوفياتي، والذي توفي مساء أمس، بأنه أحد أكثر الشخصيات السياسية نفوذاً في القرن الـ (20)، وبأنه شخصية مثيرة للجدل في روسيا، حيث اعتبره البعض "صانعاً" للديمقراطية هناك، فيما اعتبره آخرون "خائناً"، وأنه أكثر قرباً للغرب من الروس.

وشهد غورباتشوف، الذي فارق الحياة في المستشفى السريري المركزي في العاصمة الروسية موسكو بعد صراع طويل مع المرض، شهد تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان قائماً منذ ما يقرب من 70 عاماً وسيطر على مساحات شاسعة من آسيا وأوروبا الشرقية.

 الميلاد والنشأة

 ولد ميخائيل غورباتشوف في 2 آذار (مارس) 1931، لسيرغي أندرييفيتش غورباتشوف وماريا بانتلييفنا غورباتشوفا، وكانا يعملان في جمع المحاصيل، إضافة لكون والده أحد المحاربين القدامى في الحرب العالمية الثانية وأمه كانت عاملة أيضاً.

 تميز ميخائيل الشاب بقدرته على التعلم والتدريب الذاتي على استخدام آلات التشغيل، ورغم صغر سنّه، بدأ يساهم في الدخل المنزلي بحلول عام 1948، وأصبح أصغر من يحصل على وسام الراية الحمراء لإنجازاته في العمل، نظراً لدوره النشط في جمع المحصول لذاك العام، وفق ما أوردته "روسيا اليوم".

 أنهى دراسته الثانوية برتبة شرف، وحصل على الميدالية الفضية عند تخرجه من مدرسته الثانوية، والتحق بجامعة موسكو ودرس القانون. كما حصل على درجة الماجستير بالمراسلة من معهد ستافروبول للزراعة في عام 1967. وخلال مراحل الدراسة كان فعالاً في الحزب الشيوعي.

كان غورباتشوف محسوباً على جيل جديد من الناشطين الحزبيين الذين ضاقوا ذرعاً من الكهول

 وكان غورباتشوف محسوباً على جيل جديد من الناشطين الحزبيين الذين ضاقوا ذرعاً من الكهول الذين كانوا يحتلون قمة هرم السلطة في الاتحاد السوفييتي، وأصبح في عام 1961 أميناً عاماً مناطقياً لعصبة الشيوعيين الشباب، كما اختير مندوباً للمشاركة في مؤتمر الحزب العام.

 وبفضل خبرته في مجال إدارة القطاع الزراعي، حصل غورباتشوف على فرصة طرح مبادرات وابتكارات جديدة مما أكسبه، علاوة على مركزه الحزبي المرموق، نفوذاً كبيراً في منطقة ستافروبول. وفي عام 1978، توجه غورباتشوف إلى موسكو بوصفه عضواً في السكرتارية الزراعية التابعة للجنة المركزية، ولم تكد تمر سنتان الا وعين عضواً كاملاً في المكتب السياسي المنبثق عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي.

 

أنهى دراسته الثانوية برتبة شرف، وحصل على الميدالية الفضية عند تخرجه من مدرسته الثانوية، والتحق بجامعة موسكو ودرس القانون. كما حصل على درجة الماجستير بالمراسلة من معهد ستافروبول للزراعة في عام 1967

 

 وخلال الفترة التي تولى خلالها يوري أندروبوف منصب الأمين العام للحزب، قام غورباتشوف بعدة رحلات إلى الخارج، منها زيارة إلى لندن في عام 1984 ترك فيها انطباعاً حسناً لدى رئيسة الحكومة البريطانية آنذاك مارغريت تاتشر.

 وقالت تاتشر في مقابلة مع "بي بي سي" إنها تشعر بالتفاؤل إزاء مستقبل العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، وأضافت "أعجبت بالسيد غورباتشوف، وبإمكاننا العمل سوية."

 وكان من المتوقع أن يخلف غورباتشوف أندروبوف عند وفاة الأخير في عام 1984، ولكن الحزب اختار بدلاً منه قسطنطين تشيرنينكو المريض أميناً عاماً له.

 توفي تشيرنينكو بعد أقل من عام من توليه المنصب، واختير خلفاً له أصغر أعضاء المكتب السياسي عمراً - ميخائيل غورباتشوف، ليصبح بذلك أول أمين عام للحزب الشيوعي لم يعاصر الثورة البلشفية عام 1917، ونظر إليه آنئذ بوصفه رمزاً للتجديد بعد الركود الذي ساد فترة حكم ليونيد بريجنيف (سبق برجنيف أندروبوف).

 وقد كان لباسه الحديث وأسلوبه الصريح والمنفتح عكس ما كان عليه أسلافه، أما زوجته رايسا فقد كانت أشبه بزوجة رئيس أمريكي من زوجة الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي.

 محاولاته الإصلاحية

 سعى أثناء فترة حكمه إلى إصلاح الحزب واقتصاد الدولة عن طريق إدخال مفاهيم الانفتاح وإعادة الهيكلة والديمقراطية والتنمية الاقتصادية، وعلاوة على ذلك، أحدث العديد من التطورات التكنولوجية التي أدت إلى زيادة الإنتاجية.

 كما أنه سعى إلى إضفاء طابعٍ ديمقراطي على النظام السياسي في البلاد واعتماد اللامركزية في الاقتصاد والتي عرفت باسم سياسة "غلاسنوست"، الأمر الذي يعتقد أنه كان من أسباب سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.

 

في عام 1990، مُنح زعيم الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف جائزة "نوبل للسلام" لـ "دوره القيادي في إحلال السلام، الذي تتمتع به اليوم أجزاء هامة من المجتمع الدولي"

 وأبرم غورباتشوف اتفاقات مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة، وأقام شراكات مع القوى الغربية لإزالة الستار الحديدي الذي قسم أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وانتقد معارضوه هذه الإجراءات بشدة ووصفوه بـ "الخائن".

 لكن غورباتشوف لم يستطع تطبيق خططه الإصلاحية كما ينبغي، فإضافة إلى كارثة مفاعل تشيرنوبل النووي في 26 نيسان (إبريل) 1986، واجهته بدءاً من عام 1989 مشكلات اقتصادية كبيرة في الإنتاج والتوزيع، واضطرابات قومية في مختلف الجمهوريات السوفيتية، وأحداث عالمية حاسمة مثل انهيار جدار برلين وخروج دول أوروبا الشرقية من العباءة الشيوعية.

 سعى أثناء فترة حكمه إلى إصلاح الحزب واقتصاد الدولة عن طريق إدخال مفاهيم الانفتاح

 كما واجه غورباتشوف اتهامات عدة بتسببه في انهيار الاتحاد السوفيتي، بلغت ببعض نواب مجلس الدوما الروسي (البرلمان) إلى المطالبة بمقاضاته، مؤكدين أنّ مواطني الاتحاد السوفيتي أبدوا خلال الاستفتاء الرغبة في الحفاظ على وحدة الدولة، لكن القياديين السوفييت قاموا بنشاط غير قانوني أدى الى انهيار البلاد.

 ونفى غورباتشوف هذه الاتهامات في مقابلة مع وكالة "انترفاكس"، ناصحاً بإجراء "تحليل جدي لكل من صوت وكيف صوت في المجلس الروسي الأعلى للموافقة على اتفاقية بيلوفيجسكايا بوشا"، في إشارة إلى الاتفاقية التي وقعت 8 كانون أول  (ديسمبر) 1991، والتي نتج عنها تشكيل رابطة الدول المستقلة وتفكك الاتحاد السوفيتي.

وأضاف غورباتشوف: "يجب جمع نواب الدوما آنذاك الذين صوتوا لصالح اتفاقية بيلوفيجسكايا وإرسالهم إلى المنفى".

 احتجاجات عام 1989

 وعندما اجتاحت الاحتجاجات دول الكتلة السوفيتية في أوروبا الشرقية الشيوعية عام 1989، أحجم غورباتشوف عن استخدام القوة عكس قادة الكرملين السابقين الذين أرسلوا الدبابات لسحق احتجاج في المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968.

 لكن الاحتجاجات غذت التطلعات بالحكم الذاتي في 15 جمهورية من الاتحاد السوفيتي، الذي تفكك خلال العامين التاليين بطريقة عمتها الفوضى. وحاول غورباتشوف، الذي أطاح به متشددون في الحزب الشيوعي لفترة وجيزة في انقلاب في آب (أغسطس) 1991، الحيلولة دون هذا الانهيار لكنّ جهوده باءت بالفشل.

 

سعى إلى إضفاء طابعٍ ديمقراطي على النظام السياسي في البلاد واعتماد اللامركزية في الاقتصاد والتي عرفت باسم سياسة "غلاسنوست"، الأمر الذي يعتقد أنه كان من أسباب سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991

 

 وبين 1990 و1991 تولّى غورباتشوف منصب رئيس الاتّحاد السوفياتي قبل أن يضطر في النهاية إلى الاستقالة في 25 كانون الأول (ديسمبر)، في خطوة أدّت إلى انهيار التكتّل.

 وبعد فترة رئاسته، أسس الحزب الاجتماعي الديمقراطي في روسيا، واستقال منه في عام 2004، وبعد 3 أعوام، شكل حزباً جديداً يدعى اتحاد الديمقراطيين الاجتماعيين.

 في عام 1990، تم منح زعيم الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، جائزة "نوبل للسلام"، وذلك لـ "دوره القيادي في إحلال السلام، الذي تتمتع به اليوم أجزاء هامة من المجتمع الدولي". وأشادت لجنة نوبل في بيان رسمي بالتغييرات التي قام بها الزعيم السوفيتي، والتي "أهدت بلده والمجتمع العالمي، تخفيف حدة التوتر بين الشرق والغرب، وتباطؤ سباق التسلح".

 في عام 2008، قام مركز الدستور الوطني الأمريكي، وعلى يد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش (الأب)، بمنح ميخائيل غورباتشوف "وسام الحرية" لدوره "الشجاع" في إنهاء الحرب الباردة، وكانت مراسم الفعالية ضمن الاحتفال بالذكرى الـ 20 لسقوط "جدار برلين".

 وفاته

 قضى غورباتشوف سنيّ حياته الأخيرة بين المستشفى والمنزل، إذ تردّت صحّته كثيراً، إلى أن فارق الحياة يوم أمس.

 وأفاد المستشفى المركزي التابع للرئاسة الروسية في بيان إنّه "مساء أمس الثلاثاء، وبعد صراع طويل مع مرض خطير، توفي ميخائيل سيرغي غورباتشوف".

وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أعمق تعازيه في وفاة الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف.

ووفق وسائل إعلام روسية، فإن "بوتين سيبعث برسالة غداً لعائلة غورباتشوف وأصدقائه"، ونقلت الوكالة عن مؤسسة غورباتشوف قولها إن الزعيم الأخير للاتحاد السوفيتي السابق، سيدفن بجانب زوجته في موسكو، وأضافت أن موعد الجنازة ستحدده الأسرة لاحقاً.

 قضى غورباتشوف سنيّ حياته الأخيرة بين المستشفى والمنزل

 من جانبه، أشاد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بآخر زعيم للاتحاد السوفيتي، ميخائيل غورباتشوف، واصفاً إيّاه بأنه الشخص الذي جلب "أكثر من أي شخص آخر" نهاية سلمية للحرب الباردة التي هيمنت على العلاقات الدولية منذ أربعينيات القرن الماضي.

 وقال غوتيريش إنه شعر بحزن عميق لدى سماعه نبأ وفاته في موسكو، والتي أعلنت عنها وكالات الأنباء الحكومية الروسية، وذكرت أنه توفي بعد معاناة مع "مرض طويل وخطير"، مقدماً تعازيه القلبية إلى أسرة غورباتشوف بأكملها، وإلى شعب الاتحاد الروسي وحكومته.

وقبل وفاته لم يعلن الراحل عن موقف علني من الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذا النزاع الذي اتّسم بضراوة غير مسبوقة في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يُنظر إليه في الغرب على أنّه مؤشر على انبعاث الإمبريالية الروسية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية