قتل النساء في المجتمعات العربية.. حوادث عابرة أم خلل اجتماعي وقانوني؟

قتل النساء في المجتمعات العربية.. حوادث عابرة أم خلل اجتماعي وقانوني؟


19/07/2022

تصدّر الحديث عن ظاهرة العنف ضد المرأة الواجهة مجدداً بعد مقتل نساء في دول عربية مختلفة في حوادث مُفجعة، خلال شهر حزيران (يونيو) الماضي، ما دفع منظمات حقوقية ومدنية للمطالبة بمراجعة القوانين الخاصة في هذا النوع من الجرائم، ومعالجة منظومة التقاليد المجتمعية التي تسببت في رسم تصورات مشوهة عن علاقة المرأة بالرجل، خاصة فيما يتعلق بقضايا العنف المنزلي التي زادت وتيرتها بشكل ملحوظ أيضاً خلال الأعوام الأخيرة. 

الطالبة المصرية نيرة أشرف ذبحها زميلها أمام جامعة المنصورة، يوم 20 حزيران (يونيو) الماضي، وادعى أمام المحكمة أنه كان يحبها، وقرر الانتقام منها وعائلتها بعد أن رفضت الارتباط به.

ولم تمض على هذه الواقعة سوى أيام قليلة، حتى وقعت أخرى مشابهة في الأردن، بعد أن قُتلت الطالبة بكلية التمريض إيمان رشيد، إثر إطلاق شخص النار عليها داخل الجامعة، وبعد مطاردته من قبل الأمن الأردني أطلق النار على نفسه.

جريمة أخرى كانت ضحيتها المذيعة المصرية شيماء جمال واتهام زوجها، القاضي المصري أيمن حجاج بقتلها بالاشتراك مع آخرين، ليتم القبض عليه بعد أيام من رفع الحصانة القضائية عنه، ويمثل في الوقت الراهن أمام جهات التحقيق، فيما تحدثت أخبار عن "الطريقة البشعة" التي قُتلت بها الضحية، التي تم ضربها وتقييدها بالحديد وتشويه وجهها بمادة كيميائية، بحسب ما نقلته مواقع مصرية من واقع التحقيقات. 

لماذا زادت ظاهرة العنف ضد النساء العربيات؟ 

تجيب الناشطة والصحفية المصرية المختصة بقضايا المرأة، وهي مؤسسة حملة "صرخة" لمناهضة العنف ضد المرأة، داليا فكري، على هذا السؤال بالقول إنّ "الظاهرة باتت مرعبة ومؤرقة في المجتمعات العربية على اختلاف وتعدد ثقافتها وأنماط التعامل مع المرأة سواء وفق القوانين أو التقاليد الاجتماعية. 

الطالبة المصرية نيرة أشرف ذبحها زميلها أمام جامعة المنصورة

وفي تصريح لـ"حفريات" تقول فكري إنّ القانون يجب أن يكون رادعاً للتعامل مع هذا الكم من العنف ضد النساء، ويجب أن يتم التعامل مع الثغرات التي يستغلها بعض المحامين للدفاع عن مرتكبي الجرائم، ومعظمها ثغرات تتعلق بالنواحي الأخلاقية، بغرض خلط الأوراق، وتحويل الجريمة إلى قضية شرف في بعض الحالات، وهذا الأمر يحدث بشكل متكرر، بحسب فكري. 

داليا فكري: غياب الردع القانوني واستغلال بعض الثغرات للإفلات من العقوبة منح ضوءاً أخضر لممارسة كافة أشكال العنف ضد المرأة في بعض المجتمعات

إضافة إلى ذلك ترى الصحفية المختصة بقضايا المرأة، أنّ القوانين في مجملها ليست رادعة ويتم التلاعب بها واستغلال بعض الثغرات لتفادي العقاب، وهذا أعطى ضواً أخضر لعدد كبير من الرجال الذين يعانون من التشوه الفكري للتعامل مع النساء، سواء الأقارب أو الزوجات بشكل عنيف ومهين، ربما هناك المئات من السيدات يتعرضن للعنف المنزلي بشكل يومي، على حد تقديرها.

هل لعبت الدراما دوراً في تنامي الظاهرة؟ 

وتشير فكري إلى أنّ المجتمع ليس لديه وعي كاف بقضايا كثيرة مثل التعنيف الأسري والزوجي وأحياناً كثيرة يحدث إلقاء اللوم على الضحية، مشيرة إلى تداول بعض الآراء التي هاجمت الطالبة الضحية نيرة أشرف بسبب ملابسها، وأظهرت تعاطفاً مع القاتل، وهو أمر غير منطقي وغير عقلاني ويدل على خلل اجتماعي كبير يتطلب تدخل عاجل لمعالجته. 

وتنوه فكري إلى أهمية دور الإعلام والدراما في مواجهة ظاهرة العنف ضد المرأة، مشيرة إلى أنّ بعض الأعمال الدرامية خلال الأعوام الماضية ساهمت في زيادة حجم الظاهرة إلى حدِ كبير، كما لم يتم تناولها بشكل معمق في وسائل الإعلام، والبحث عن الجذور المؤدية لها ووضعها أمام الخبراء وتطبيقها من خلال المؤسسات المعنية، لذلك ستظل الظاهرة قائمة وقابلة للانتشار والزيادة مستقبلاً ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة لمواجهتها.

أحمد عبد التواب: التصدِّي لهذا العنف الهمجي مسئولية جماعية تحتاج تكاتف كل قادر على المساعدة

وتضيف فكري: "دورنا هو ضرورة نشر الوعي بالعنف وإبرازه على أنه جريمة يعاقب عليها القانون ويعاقب عليها المجتمع أيضاً، ودور الدولة هو تفعيل منظومة القانون وتخصيص جهات لسرعة التنفيذ، دون تساهل مع المجرمين ودون إعطائهم أدنى فرصة للإفلات من العقاب".

هل من حلول؟ 

يرى الكاتب المصري أحمد عبد التواب، أنّ التصدِّي لهذا العنف الهمجي، كما يصفه في مقاله المنشور بجريدة الأهرام، تحت عنوان: "وصمة العنف ضد المرأة" مسؤولية جماعية، تحتاج تكاتف كل قادر على المساعدة، لوضع آليات حمائية، لا يُكتفى فيها بتغليظ العقوبة على المخالفين، التي هي مطلوبة بشدة، وإنما أن توضع آليات لا ننتظر فيها حتى تقع الكارثة، وإنما أن تدرأ الجريمة قبل وقوعها، وتحاسب من يتقاعس عن التعامل بجدية مع بلاغات الشكوى ضد التحرش والملاحقة، ووضع إجراءات صارمة لإلزام المشكو في حقه باتباع القانون، وفرض عقوبة رادعة على من يستمر في مُلاحَقة ضحيته.

 المجتمع ليس لديه وعي كاف بقضايا كثيرة مثل التعنيف الأسري

ومن جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية ومنسقة المؤتمرات في الجمعية العربية لعلم الاجتماع، دوللي صراف أنّ حوادث القتل الأخيرة والسياق العام لوضع المرأة في المجتمعات العربية تشير إلى وضع مرضي عميق، حيث هناك وضع لا أخلاقي في هذه المجتمعات يجب معالجته على نحو عميق وشامل. 

وبحسب حديث صراف لـ"فرانس 24"، حول أسباب وآليات معالجة ظاهرة العنف ضد النساء العربيات، تقول إنه "غالباً ما ينظر إلى المرأة كإنسانة من درجة ثانية، لهذا نشهد العديد من جرائم الشرف في هذه المجتمعات التي تهمش وجود المرأة وتهمش أمنها الإنساني وتجعلها من دون أدنى شك تعيش شكلاً من أشكال المواطنة المخطوفة، أقول مخطوفة من هذه الأنظمة الفكرية التي مازالت سائدة في مجتمعاتنا العربية".

دوللي صراف: حوادث القتل الأخيرة والسياق العام لوضع المرأة في المجتمعات العربية تشير إلى وضع مرضي عميق

وتؤكد أنه "لابد من عملية تغيير ثقافي كاملة وشاملة"، تشير إلى أنها "تطلب سنوات طويلة ولكنه أمر لا بد منه، ولا يمكن الاستمرار في هذا الوضع المتفلت إلى حد كبير والذي يؤدي إلى تنامي الجرائم".

وتتابع: "كما ذكرت هذه فقط الجرائم المرئية لكن هناك مئات وربما آلاف الجرائم غير المرئية التي تجري في العالم الرقمي أو في العالم الواقعي والتي تحول النساء العربيات إلى ضحايا".

 

مواضيع ذات صلة:

العنف ضد المرأة بين الموروث الديني والاجتماعي

أمثال تمتهن النساء: ما سر تواطؤ الإرث الشفوي ضد المرأة؟

ما العلاقة بين غياب التربية الجنسية والعنف ضد المرأة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية