لعبة التوازنات في المشهد الليبي.. لماذا اتجه الدبيبة صوب تونس؟

لعبة التوازنات في المشهد الليبي.. لماذا اتجه الدبيبة صوب تونس؟

لعبة التوازنات في المشهد الليبي.. لماذا اتجه الدبيبة صوب تونس؟


04/12/2022

أنهى رئيس حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، عبدالحميد الدبيبة والوفد الوزاري المرافق له، اجتماعاً مع نظرائهم في الجانب التونسي؛ لبحث المصالح المشتركة بين البلدين، بحضور محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ورؤساء الأجهزة التنفيذية.

 من جهته، يواصل رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، مباحثاته في القاهرة، واجتماعه مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، وذلك في محاولة جديدة للبحث عن تفاهمات تخرج البلاد من مرحلة الجمود السياسي، ومناقشة توحيد السلطة التنفيذية وملف تغيير المناصب السيادية، إلى جانب محاولة حل خلافات القاعدة الدستورية للانتخابات، خاصّة شروط الترشح للانتخابات الرئاسية.

في هذا السياق، تحدث رئيس البرلمان في مؤتمر صحفي الإثنين الماضي، إثر لقائه مع الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، عن وجود تقارب بينه وبين رئيس مجلس الدولة خالد المشري، لحل وحسم كل هذه الملفات، خاصّة المناصب السيادية.

وأشار صالح إلى وجود حراك دولي كبير؛ للدفع تجاه إجراء الانتخابات في ليبيا، لكنّه قال إنّ تنظيم وتأمين العملية الانتخابية يحتاج إلى توفير بيئة سليمة، في إشارة إلى ضرورة حل الخلافات والانقسامات الداخلية.

رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح

بدوره، قال محمد حمودة الناطق باسم الحكومة المؤقتة في تصريحات تلفزيونية، إنّ السلطات التونسية تعهدت  للدبيبة بحل أزمة تشابه الأسماء، وضمان انسيابية البضائع، ولفت حمودة إلى أنّ الدبيبة بحث خلال لقائه برئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، رفع مستوى التبادل التجاري، كما بحثا رفع القيود عن استيراد السلع، وتحويل منطقة رأس جدير إلى منطقة حرة. وأضاف أنّ الزيارة بحثت ربط مطارات ليبيا وتونس، وحلحلة الديون المتراكمة على ليبيا لصالح المصحات التونسية.

تونس بوابة الدبيبة لكسر العزلة

من جانبه قال المرشح الرئاسي، سليمان البيوضي، إنّ عبدالحميد الدبيبة متعثر محلياً، حيث بدأ يفقد أدواته، ويعيش حالة سقوط مدوٍّ؛ بفعل سياسات الوهم والتضليل والهروب للأمام، وهو الآن يعيد حساباته، ويختار الخارج لتنفيس أزمته، ومن خلال ذلك جاء اختياره زيارة تونس؛ كخطوة تكتيكية ذكية، ودليل على استيعابه لحركة المجتمع الدولي، لإعادة التموضع السياسي، بشكل يؤثر مباشرة على خطوات عقيلة صالح وخالد والمشري.

سليمان البيوضي: الدبيبة يريد من تونس الدخول معه في محور إقليمي داعم له، ويعارض تقارب عقيلة/المشري؛ الساعي لتغيير السلطة التنفيذية والمناصب السيادية، وهو مستعد لتقديم أيّ تنازل

ويضيف البيوضي في سياق تصريحاته لـ"حفريات"، مؤكداً أنّ تونس بصفتها الجار اللصيق التي تتمتع  بثقل (غير منظور) في الملف الليبي، يمكنها فعل الكثير، ولا يمكن التنبؤ بالنتائج، لكن اللقاءات والاجتماعات ستعطي مؤشرات واضحة عن خطوة الدبيبة، التي تبدو متأخرة، بيد أنّه ربط حسابات الزيارة بمنسوب التغيرات الكبرى، مؤكداً نّها جاءت في توقيتها المناسب.

ويرى سليمان البيوضي أنّ ثمة رابطاً فيما بين زيارة عبدالحميد الدبيبة لتونس، وما يجري من تقارب فيما بين المستشار عقيلة صالح وخالد المشري، بشأن توحيد السلطة التنفيذية، مؤكداً أنّ الدبيبة يريد من تونس الدخول معه في محور إقليمي داعم له، ويعارض تقارب عقيلة/المشري؛ الساعي لتغيير السلطة التنفيذية والمناصب السيادية، وهو مستعد لتقديم أيّ تنازل، ويؤكد البيوضي أنّ ما يريده الدبيبة من دول المحور، هو مساعدته في الاستمرار خمسة أعوام أو يزيد. قائلاً إنّ ما يفعله الدبيبة الآن، هو إعادة إنتاج فترة فايز السراج بكل تفاصيلها الكارثية، والمؤشرات تقول إنّ ثمة احتمالاً قائماً لاندلاع الحرب مرة جديدة  خلال ستة أشهر أو أقل، ما لم يفرض حل عادل، يبدأ بتحديد موعد نهائي للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتغيير السلطة التنفيذية .

مزاعم الدبيبة

من ناحية أخرى، قال عبدالحميد الدبيبة، إنّ التشكيك في جاهزية حكومته للانتخابات، أمر لا يقبله الليبيون. مضيفاً في كلمته بمؤتمر المجتمع المدني نحو الانتخابات، أنّ الأجسام الحالية لا تمثل الشعب الليبي، وأنّ من يقود تلك الأجسام، ضاق ذرعاً أمام ما حققته حكومة الوحدة الوطنية.

رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري

وزعم الدبيبة، إلى أنّ ما عطّل الانتخابات سابقاً وحالياً هو قانونها المعيب، مستطرداً: "نحن أكثر حرصاً على إنهاء المراحل الانتقالية، ونحترم إرادة شعبنا".

وأشار الدبيبة، إلى أنّ أيّ حوار لا يقود لإنهاء هذه المراحل، هو حوار فاشل وغير مقبول، متابعاً: "أنا مستجيب لأي مبادرة تعزز الثقة بين مكونات الشعب الفاعلة، وليست السلبية".

وزعم الدبيبة، أنّ المبررات المقدمة من الجهات التشريعية، لا يمكن القبول بها؛ فالأجسام الحالية تريد تعطيل الانتخابات". مدعياً أنّه "أكثر حرصاً من أيّ أحد على الانتخابات".

فتحي المريمي: مجلسي النواب والدولة أصبحا أكثر تقارباً بشأن توحيد المؤسسات السيادية، والاتفاق على سلطة تنفيذية واحدة؛ تقود البلاد إلى حين إجراء الانتخابات

وأشار الدبيبة إلى أنّه مستعد للحوار مع الجميع دون استثناء؛ لأنّ الحوار الوطني هو البديل عن الصفقات. على حد قوله، مضيفاً أنّ "كل مسار غير الانتخابات يعتبر تعطيلاً للحياة السياسية، فلا يوجد طريق للاستقرار إلّا بالانتخابات والدستور".

وتابع الدبيبة: "كل الفاعلين في المجتمع الليبي يمكنهم التعبير عن موقفهم الداعم للعملية الانتخابية، فلا أحد يمثل الشعب الليبي حتى يتحدث باسمه".مؤكداً أنّ استمرار الضغط على جميع الأطراف المعنية، رسالة حقيقية للطبقة السياسية المهيمنة على  المشهد طوال 11 عاماً". مستطرداً: "لا تستهينوا بهذا الشعب، ولا تستخفوا بقدراته، فهو لا يريد إلّا الانتخابات؛ فقد سئم من المراحل الانتقالية".

مخاوف الدبيبة ودوافعه الخفية

المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، عبدالله بليحق، قال إنّ "رئيس الحكومة، منتهية الولاية، عبدالحميد الدبيبة، يتخوف من اجتماع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري؛ خشية الإطاحة به خارج السلطة". مضيفاً في تصريحات صحفية: "الدبيبة أكبر معرقل لإجراء الانتخابات، وترشحه هو ما أفشلها". لافتاً إلى أنّ الأخير أخلّ بالتزامه أمام المجتمع الدولي بألا يترشح للانتخابات.

وتابع قائلاً: "أي تقارب بين الأطراف السياسية، وخاصّة بين مجلسي النواب والدولة، يقلق الدبيبة؛ لأنّه يدرك أنّ ذلك يهدد وجوده غير الشرعي في العاصمة طرابلس". مشيراً إلى أنّ مسألة "الجهوزية" مجرد تضليل يتحدث عنه الدبيبة.

ولفت بليحق إلى أنّ الدبيبة بنى تحالفات مع المجموعات المسلحة، رغم أنّه يدرك أنّ هذا لن يخدم مصلحة الوطن، بل يخدم مصالحه الشخصية، على الرغم من أنّ المستشار عقيلة صالح طالب في السابق، أنّ يكون مقر عمل حكومة الدبيبة في مدينة سرت؛ بعيداً عن سطوة الميليشيات.

البحث عن التوافق

من جانبه؛ قال فتحي المريمي، المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، إنّ عقيلة صالح رئيس البرلمان، وخالد المشري رئيس مجلس الدولة الاستشاري، لم يصلا إلى تفاهم حول شروط الترشح للانتخابات، فيما يخص حاملي الجنسيات الأجنبية، وترشح العسكريين.

المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب الليبي، عبدالله بليحق: الدبيبة أكبر معرقل لإجراء الانتخابات، وترشحه هو ما أفشلها

وأضاف المريمي، أنّ الميليشيات أحد أهم أسباب القوة القاهرة؛ التي أدت إلى تأجيل الانتخابات، ولفت إلى أنّ مجلس النواب أصدر قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلّا أنّ المفوضية العليا للانتخابات أعلنت حالة القوة القاهرة، نتيجة لممارسات المليشيات.

ودافع المريمي عن المستشار عقيلة صالح، واصفاً إياه بأنّه "أحد حكماء ليبيا ومن القانونيين، ويسعى من خلال منصبه لحل أزمة البلاد". مشدداً على أنّ هدف اجتماعات عقيلة صالح في القاهرة؛ تقريب وجهات النظر بين الليبيين، والعمل على توحيد المؤسسات، ووضع إطار دستوري للانتخابات.

وأشار إلى أنّ مجلسي النواب والدولة أصبحا أكثر تقارباً بشأن توحيد المؤسسات السيادية، والاتفاق على سلطة تنفيذية واحدة؛ تقود البلاد إلى حين إجراء الانتخابات. كاشفاً في الوقت نفسه عن أنّ عقيلة والمشري، سيبحثان في القاهرة القاعدة الدستورية للانتخابات، والعمل السياسي والدستوري والاقتصادي، والسلطة التنفيذية.

السنوسي إسماعيل: ما يزال مجلس النواب متمسكاً بحكومته التي منحها الثقة، بينما يصر مجلس الدولة على خيار الذهاب إلى تشكيل حكومة ثالثة توافقية

من جهته، أكّد السنوسي إسماعيل، الكاتب السياسي الليبي، والمتحدث السابق باسم مجلس الدولة، في تصريحاته لـ"حفريات"، أنّ اجتماع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، جاء بعد مداولات واسعة بين المجلسين، ورغم وجود خلافات حول القاعدة الدستورية، إلّا أنّها باتت في يد اللجنة المشتركة؛ المنبثقة عن المجلسين، والتي ينتظر أن تجتمع بحضور وإشراف بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وهذا ما يسمى المسار الدستوري، الذي تستضيفه مصر بتكليف من مؤتمر برلين.

وفيما يتعلق بالمناصب السيادية، يشير السنوسي إلى أنّها تأتي ضمن المادة 15 من اتفاق الصخيرات، الذي نص على توافق مجلسي النواب والدولة حول تعيين المناصب السيادية، ومن ضمنها مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، وديوان المحاسبة؛ بهدف توحيدها وضخ دماء جديدة في مجالسها، مما يسهم في خفض التوتر، وتعزيز الثقة بين الأطراف السياسية الليبية.

جبريل أوحيدة: هناك بون شاسع بين قناعات الطرفين، حول آلية وعنوان حل بعض النقاط الخلافية

ويردف السنوسي قائلاً إنّه من المرجح توافق المجلسين حول تسمية المناصب السيادية؛ بهدف توحيدها وتوسيع مشاركة الكوادر الليبية من الشرق والغرب والجنوب، بحسب ما تمّ الاتفاق عليه بين المجلسين في مدينة بوزنيقة المغربية.

وبخصوص وضعية السلطة التنفيذية، يرى السنوسي أنّ ثمّة سيناريوهات متعددة تحيط بهذا الأمر، ولازال مجلس النواب متمسكاً بحكومته التي منحها الثقة، بينما يصر مجلس الدولة على خيار الذهاب إلى تشكيل حكومة ثالثة توافقية، وفي هذا الصدد، يرى السنوسي أنّه بالإمكان التوافق نحو توسيع المشاركة؛ لتشمل وزراء من الحكومتين؛ بهدف دمجهما في حكومة ثالثة، مؤكداً أنّ الأهم هو تشكيل مجلس رئاسي جديد توافقي، يضم شخصيات فاعلة قوية؛ يمكنها بسط سلطة الحكومة في أقاليم ليبيا الثلاث.

من جانبه، أبدى النائب جبريل أوحيدة، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، ترحيبه بنجاح أي لقاء بين القيادات السياسية الليبية؛ يؤدي إلى حل الأزمة في أسرع وقت ممكن؛ لتغيير المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، لكنّه أعرب في الوقت نفسه عن تشككه في التوصل إلى حل حقيقي من خلال الاجتماع مع خالد المشري، أو الوصول إلى آلية تنفيذية على أرض الواقع، مستشهداً بمصير اتفاقات بوزنيقة السابقة، وكذلك الاتفاق الذي نتج عنه التعديل الدستوري الثاني عشر؛ لتنفيذ خارطة طريق، سرعان ما تملص منها المشري ومن معه، والسعي تجاه فرض سياسة الأمر الواقع في العاصمة طرابلس؛ بدعم من أطراف خارجية.

يضيف النائب البرلماني أنّ هناك بوناً شاسعاً بين قناعات الطرفين، حول آلية وعنوان حل بعض النقاط الخلافية، متوقعاً أن تمضي تلك المباحثات إلى طريق مسدود، وصولاً لحوار جديد على نهج حوار جنيف؛ يحقق منه البعض مراكز سلطة جديدة برعاية دولية، ولكن ذلك سيضحى بعيداً عن آمال وطموحات الليبيين.

مواضيع ذات صلة:

هل فقدت البعثة الأممية في ليبيا مصداقيتها؟ 

لماذا تخلى إخوان ليبيا عن فتحي باشاغا؟

مناورات الإخوان وملف المرتزقة في ليبيا.. إلى أين؟

الصفحة الرئيسية