لماذا يستشهد الجهاديون بابن تيمية بشكل متكرر؟

لماذا يستشهد الجهاديون بابن تيمية بشكل متكرر؟

لماذا يستشهد الجهاديون بابن تيمية بشكل متكرر؟


07/05/2024

يظل أحمد بن تيمية، وهو عالم سلفي من القرن الرابع عشر، من أكثر علماء العصور الوسطى الذين يستشهد بهم الجهاديون.

ففي المئات من كتبهم ومنشوراتهم وغيرها من المواد الدعائية، يستشهد الجهاديون بالعديد من العلماء المسلمين في العصور الوسطى والمعاصرة في محاولاتهم لتبرير شن العنف على الآخرين، ولكن دائماً يبرز اسم واحد: أحمد بن تيمية.

كان ابن تيمية عالم لاهوت وفقيهاً متشدداً ولد في سوريا في القرن الرابع عشر، وقد كتب مئات المجلدات حول موضوعات إسلامية مختلفة، بما في ذلك فتاواه المثيرة للجدل حول الجهاد والتكفير. كان أكثر نشاطاً في جدالاته المناهضة للمغول والنصيرية (العلويين حالياً)، حيث كتب ثلاث فتاوى بارزة، جميعها تسمى فتاوى ماردين. ولا يزال الجهاديون يستخدمون هذه الأحكام حتى اليوم لتبرير تكفير حكام المسلمين، كما فعل ابن تيمية نفسه مع المغول (التتار) والشيعة النصيرية وغيرهم من المسلمين الذين وصفهم بالمرتدين.

وأصدر ابن تيمية فتاوى ماردين على وجه التحديد في السياق التاريخي لمحاولات المغول فتح سوريا بعد سقوط بغداد عام 1312. وأصدر الفتاوى لمعالجة المعضلة التي كان يعيشها هو وبعض السوريين نتيجة اعتداءات المغول الذين تحولوا بالفعل إلى الإسلام. ومن خلال تقديم فتاوى يمكن أن تعسكر المغول إلى جانب “أعداء” آخرين مثل “الكفار” و”البغاة” (المتمردين)، حاول تبرير حمل السلاح ضدهم، على الرغم من أن القوة المغولية كانت مزيجاً من المسلمين وغير المسلمين.

وقد تم الاستشهاد بأعمال ابن تيمية على نطاق واسع من قبل بوكو حرام، الجماعة الإرهابية التي ظهرت في شمال شرق نيجيريا. وقد برّزه مؤسس الجماعة، محمد يوسف، في منشوراته، بما في ذلك منشوره الأكثر شهرة، “هذه عقيدتنا”. كما ذكره أبو بكر شيكاو، خليفة يوسف وزعيم بوكو حرام الراحل، عدة مرات في خطاباته.

كما أصدر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والجماعات التابعة له وجماعات القاعدة منشورات تستند في حججها إلى ابن تيمية. ولم يقتصر اقتباسهم على القضايا الجهادية فحسب، بل امتد أيضاً إلى موضوعات لاهوتية مختلفة أخرى. ومع استمرار تفاقم الانقسامات بين الجهاديين، فإنهم يستشهدون أيضاً بنصوص أخرى لابن تيمية لتبرير الهجمات على بعضهم البعض.

وفي محاولاتهم للنأي بأنفسهم عن الجهاديين مع استخدام نصوص ابن تيمية أيضاً، جادل السلفيون السائدون (المدافعون عن التفسيرات النقية للإسلام) بأنه يجب قراءة ابن تيمية في سياقه التاريخي. ويقولون إن فتاواه ضد المغول كانت خاصة بزمانه وظروفه. وبينما يعتقد التيار السلفي أن فتاوى ابن تيمية كانت دفاعية ضد العدوان الخارجي، يعتقد الجهاديون أنهم أساءوا الفهم لأن المغول اعتنقوا الإسلام لكنهم لم يمارسوا الشريعة (القانون الإسلامي).

وفي سياق هذا النضال لاستعادة ابن تيمية، نشر جابر ساني مايهولا، الواعظ السلفي النيجيري، كتاب “ابن تيمية في أدب الجهاديين المعاصرين”، مجادلاً، مثل العديد من الكتاب الآخرين من قبله، بأن الجهاديين يخطئون في اقتباس أحكام ابن تيمية أو يسيئون تطبيقها. ويرد الكتاب على محاولات الجهاديين استخدام مؤلفات ابن تيمية كمبرر لحملاتهم العنيفة. ويرى مايهولا، في الكتاب الذي يقع في أقل من مائة صفحة، أن الجهاديين ينتقون من أعمال ابن تيمية ويتجاهلون تطبيقها السياقي لتبرير قرارهم المسبق بالانضمام إلى الجهاد العنيف.

ويحلل الكتاب عملين، “الفريضة الغائبة” و”العمدة في إعداد العدة”، اللذين كتبهما المنظران الجهاديان المصريان عبد السلام فرج وعبد القادر عبد العزيز، لتقديم تطور تاريخي مفصل لكيفية بدء الجهاديين قبل تنظيم القاعدة في الاعتماد على ابن تيمية كمصدر للإلهام منذ أوائل عام 1980.

ولاحظ المؤلف أن “الفريضة الغائبة” كانت أول تفسير جذري لأعمال ابن تيمية. أما الكتاب الآخر، بحسب قوله، فقد أظهر كيف أنه لم يتم استخدام أعمال ابن تيمية فحسب، بل أيضاً أعمال علماء كلاسيكيين آخرين لتبرير الحملات الجهادية العنيفة.

ويتناول الفصل الثاني الإشارات إلى ابن تيمية في أدبيات تنظيم القاعدة وداعش وبوكو حرام، ولا سيما في مجلاتهم: دابق، ومدد، وإنسباير. وبعد تحليله، يرى الكاتب أن السلفية الجهادية “تشبه الفترة المعاصرة بفترة الغزو المغولي لسوريا، وبالتالي يقسمون الناس إلى ثلاث مجموعات كما فعل ابن تيمية”.

الفلترات الجهادية

يتشارك السلفيون الجهاديون والسلفيون السائدون في بعض المصادر الأساسية. ومع ذلك، فقد انخرطوا في نقاش فكري ساخن حول من يملك سلطة تفسير المصادر. كان ابن تيمية بمثابة الشخصية الأب لكليهما، وتم تسمية العديد من المساجد والمراكز السلفية، بما في ذلك مسجد بوكو حرام في مايدوغوري، باسمه.

ومع ذلك، كما قال ألكسندر ثورستون، بينما يشترك السلفيون في بعض المصادر، فإنهم يفسرون أدبيات العصور الوسطى بشكل مختلف، مثل تلك التي أنتجها ابن تيمية. قد تكون المصطلحات الواردة في النصوص واحدة، لكن تفسيراتها تختلف باختلاف السلالم التي يصعدها القراء المختلفون.

حتى عندما يغرق السلفي اليوم في مفردات مستعارة مباشرة من ابن تيمية وغيره من علماء العصور الوسطى ـ كمصطلح أهل السنة والجماعة الذي يصف به نفسه ـ فهو يستخدم فهم هذه المصطلحات التي تمت تصفيتها “من خلال وسطاء مختلفين”، كما كتب ثورستون في كتابه “السلفية في نيجيريا”.

وهذا يفسر سبب اختلاف تفسيرات الجماعات السلفية المختلفة لنفس نص ابن تيمية. ففي حين يعتمد التيار السلفي في الغالب على أعمال العلماء المعاصرين مثل ناصر الدين الألباني وابن باز وغيرهما من العلماء السلفيين لفهم النصوص الكلاسيكية، فإن الجهاديين لديهم علماؤهم الخاصون، بما في ذلك أبو محمد المقدسي، المنظر السلفي الجهادي الأردني.

وأكد مايهولا أن ابن تيمية يدعو إلى الجهاد الدفاعي، على عكس الجهاد الهجومي الذي يدعو إليه الجهاديون المعاصرون، كما لاحظ أن ابن تيمية ذكر أنه يجب قتل المقاتلين فقط في الجهاد، وأنه يجب أن يتم تحت إشراف قائد.

وكتب المؤلف: “في الفتاوى المعادية للمغول، فإن أسلوبه [ابن تيمية] القاسي مع المغول بسبب الخطر العملي الذي كان يواجهه هو والدمشقيين عرض فتاواه للاختطاف من قبل الجهاديين”.

السياق التاريخي

وقد تطرق الكتاب إلى بعض الأسئلة المهمة المحيطة بحضور ابن تيمية في الأدب الجهادي. لكن بسبب صغر حجمه، فهو يفتقر إلى التفاصيل، وغير قادر على التعمق في بعض الأسئلة التي يطرحها الباحثون الذين يحاولون العثور على الجذور البعيدة للإرهاب الإسلامي والجهادي.

وبينما حاول المؤلف إبعاد ابن تيمية عن الأعمال الجهادية، ووصفها بأنها اختلاس لفتاواه، فإنه لم يتمكن من تفسير سبب سيطرة ابن تيمية على الأدب الجهادي أكثر من أي عالم آخر كتب بنفس القدر عن الجهاد والقضايا العقائدية الأخرى. العلماء الكلاسيكيون، مثل ابن حزام وابن حنبل، موجودون في الأدب الجهادي ولكن ليس على نفس مستوى ابن تيمية.

يمكن للمرء أن يجادل بأن الفرق الرئيس بين ابن تيمية وغيره من الكتاب عن الجهاد هو أنهم عاشوا في فترة سلمية، في حين عاش ابن تيمية في فترة أزمة. ومثل سيد قطب، الذي شهد السقوط التدريجي للدول العربية وتحول إلى التطرف الذي دفعه إلى إنتاج نصوص جهادية أثناء وجوده في السجن، عاش ابن تيمية في زمن الغزو المغولي وسُجن بالمثل بسبب آرائه الدينية المتطرفة.

واستطاع الكاتب أن يصور أن الأشخاص ذوي المواقف العقائدية المختلفة يمكنهم قراءة النص نفسه لابن تيمية وتطبيقه على نحو مختلف. ويرى المؤلف أن هناك توازياً بين عصر الإمبراطورية المغولية الذي عاش فيه ابن تيمية والعالم المعاصر. ومع ذلك، بالنسبة إلى الجهاديين، فإن الفتاوى خالدة دون أي اعتبار للسياق التاريخي.

وسواء تمت قراءته داخل السياق أو خارجه، فإن تأثير ابن تيمية على الأنشطة الجهادية واضح. وبينما ذكر مايهولا أن ابن تيمية برر الانتحار، فقد أخذ الجهاديون ذلك ووسعوه ليشمل الهجمات على كل من المسلمين وغير المسلمين. يمكن لمايهولا أن يجادل بأن إضفاء الشرعية على العمليات الانتحارية لا يمكن أن يتم إلا من خلال “الجهاد الحقيقي”، وسيرد الجهاديون بأن “جهادهم حقيقي”، وبأن دعوتهم لحمل السلاح مشروعة.

عن "المركز العربي لدراسات التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية