نزيف داعش: كيف يُثبت الإصدار الجديد للتنظيم حالة الهزيمة التي يعيشها في سيناء؟

نزيف داعش: كيف يُثبت الإصدار الجديد للتنظيم حالة الهزيمة التي يعيشها في سيناء؟


17/01/2021

مصطفى أمين

بعد مرور ثلاث سنوات على بدء العملية الشاملة للقوات المسلحة المصرية “سيناء ٢٠١٨ “، ونجاحها  في القضاء على بقايا داعش بسيناء، بتكبيده خسائر هائلة في المقاتلين والمعدات ووسائل الدعم اللوجستي، كشف إصدار جديد للتنظيم حمل عنوان “نزيف الحملات” عن حجم التقويض الذى سببته الحملة لبنيته العملياتية والاقتصادية والبشرية.

وهو ما طرح العديد من التساؤلات والفرضيات حول ماهية توقيت الإصدار ودلالاته، وما هو الوضع القائم حالياً للتنظيم، ومدى فاعلية حملات الجيش والشرطة المصرية في تقويض بنيته العملياتية ومدى نجاح محاولاته لتعويض مصادر دعمه وقدراته البشرية التي خسرها، وكذلك مدى تأثيره على الحواضن المجتمعية فى سيناء.

ماهية الإصدار الداعشي وتوقيته؟

كان تنظيم ولاية سيناء قد نشر إصداراً منذ أيام أربعة مضت ومدته 25 دقيقة في توقيت متأخر للغاية، حيث يفصل بينه وبين الإصدار السابق للتنظيم 15 شهراً وهو الذي حمل عنوان “عهد وثبات” والمبثوث في ١٩سبتمبر ٢٠١٩م ، وبعد 12 شهراً من دعوة أبوحمزة القرشي المتحدث باسم التنظيم الإرهابي في إصدار صوتي حمل عنوان “دمر الله عليهم وللكافرين أمثالهم” والذي تم بثه في ٢٧يناير ٢٠٢٠م.

الإصدار لا يتعدى كونه مجرد محاولة لتصدير مشهد غير حقيقي بالتواجد في سيناء، وتمرير رسائل دعائية لجذب مقاتلين جدد لترهيب الدولة المصرية وأهالي سيناء، وهو ما يثبت نفس الإصدار عكسه تماماَ ، حيث أوضح عن دون قصد أن التنظيم بات هزيلاً على مستوى الأعداد، وأنه انحسر عن معظم الجغرافيا السيناوية بعد أن قضت حملات القوات المسلحة المصرية على غالبية بؤره.

يضاف الى ذلك انه بالرغم من استخدام دواعش سيناء لأحدث تقنيات وسائل الإعلام في الحرب الدعائية عبر بث مواد تعبر عن إلحاق التنكيل والتخريب لخصوم التنظيم، الا أن رسائله جاءت ضعيفة وتحمل بصمة واضحة بعدم الاحترافية، وهو ما يتضح بانتقائية الأخبار والأسلوب الدعائي الفج، وعدم وضوح الرؤية وافتقار مضمونها للهدف والغاية المراد الوصول اليها.

ما حقيقية تمدد داعش في سيناء؟ 

شهد عام ٢٠٢٠م محاولة من داعش لاختراق مناطق وجوده التقليدية  داخل مدن وقرى  المثلث  السيناوي “رفح- الشيخ زويد- العريش” الى مناطق جديدة من خلال انتهاج  استراتيجية تعتمد على الضغط على تلك المناطق من هوامشها الصحراوية والتمدد نحو منطقة بئر العبد غرباً ونحو الجنوب باتجاه وسط سيناء، معتقداَ انها ربما تشكل ملاذات آمنة لعناصره  بعيداَ ً عن مواقع انتشار القوات المسلحة على طول الطريق الدولي والشمال السيناوي، وأن الضغط من تلك المناطق سيشكل عنصر استدراج للقوات المسلحة، مما يتيح له إحداث بعض  الخسائر بها تساعده في الترويج لبقائه .

وفى هذا السياق قام التنظيم بمهاجمة كمين للشرطة المصرية في منطقة عيون موسى القريبة من رأس سدر في محافظة جنوب سيناء، يوم السبت 13 ابريل 2019م وفشل بشكل كامل في عمليته الإرهابية التي قتل فيها عنصري التنظيم المهاجمين.

وكما لم ينجح في التمدد نحو الجنوب السيناوي، فإنه فشل ايضاً في محاولة التمدد نحو الشمال الغربي لسيناء وتحديداَ في منطقة بئر العبد بعد أن هاجم كمين ومعسكر بلدة رابعة يوم الثلاثاء 21 يوليو2020م ، ليتراجع  في محاولة للانتشار نحو توابع البلدة المترامية الأطراف بقرى قاطية وأقطية والمريح والجناين، ولكنه لم ينجح في مسعاه أيضاَ بعد دخوله في مواجهات مع قوات الجيش المنتشرة بها، مما دفعه إلى التقهقر والانحسار في عمق الصحراء وسط مزارع النخيل والزيتون والخضراوات والفواكه الممتدة لأكثر من 1000 فدان.

هذا الانحسار يفند ادعاء التنظيم داخل الإصدار بالتوسع خارج قواطعه” المدعاة “في سيناء “رفح – الشيخ زويد – العريش – جبل الحلال بوسط سيناء” والتي تآكلت فيها سيطرته بشكل شبه كامل بعد سيطرة قوات الجيش والشرطة المصرية على كافة محاور محافظتي شمال وجنوب سيناء، واستمرار إجراءات التفتيش الدقيقة والدائمة وتأمين الكمائن بكفاءة عالية.

ما هو الوضع العملياتي لفلول داعش؟ 

يعد تآكل البنية العملياتية لتنظيم داعش بعد 3 سنوات منذ أن بدأت العملية الشاملة سيناء 2018 هو الملمح الأبرز والأهم لحالة التنظيم الحالية. حيث تسببت هذه العملية في شل التنظيم عن توجيه عمليات كبيرة او متوسطة ضد القوات المسلحة والشرطة المدنية، حيث لم ينفذ خلال هذه الفترة سوى عدد محدود من العمليات الصغيرة لم تتجاوز ثماني عمليات إرهابية خلال عام 2018م وأربع عمليات إرهابية خلال 2019م وثلاث عمليات خلال 2020م، وفي المقابل تم إحباط العشرات منها بعمليات استباقية بالتعاون بين القوات المسلحة والشرطة المدنية.

هذا التآكل يكشف عنه الإصدار بشكل واضح، حيث لا يتضمن مشاهد توضح عدد عملياته الارهابية وحجم المكاسب التي حققها منها، على خلاف عادة التنظيم الذي يوثق ويروج دائماً لكل مكاسبه ونجاحاته حتى الصغيرة منها.

كما أن التنظيم نفسه اعترف في أكثر من تقرير منشور في مجلته الاسبوعية “النبأ” منذ يناير ٢٠١٨م بدعوة عناصره الى عدم مواجهة حملة الجيش وتفويض مسئولي القواطع بالتعامل حسب الوضع في كلاً من قاطع العريش والشيخ زويد ورفح لتتحول عملياتهم الإرهابية الى مجرد عمليات “متخفية” متعددة الأنماط كزرع العبوات الناسفة، والألغام الأرضية وعمليات القنص، وتتراجع العمليات التقليدية الكبيرة المتمثلة في الهجوم على الكمائن والمعسكرات بالسيارات المفخخة والعناصر الانتحارية.

ماذا تبقى لداعش من دعم لوجستي؟  

تمتع تنظيم ما عرف باسم “ولاية سيناء” بوسائل دعم هائلة بعد بيعتها للتنظيم الأم في العراق نوفمبر2014م، حيث استطاع من خلالها توجيه العشرات من العمليات الإرهابية ضد القوات المسلحة المصرية على مدار أعوام 2014م،2015م،2016م،2017م، ولكن عقب بدء انتشار عناصر وقوات العملية الشاملة سيناء 2018م، تم تقويض كل وسائل الدعم اللوجستية والمالية والبشرية للتنظيم.

وعلى مدار ثلاث سنوات تم تدمير البنية التحتية لداعش في سيناء والمتمثلة في المئات من الأوكار والخنادق والأنفاق ومخازن الأسلحة والذخائر والعبوات الناسفة والاحتياجات الإدارية والمراكز الإعلامية ومراكز الإرسال، واكتشاف وضبط وتدمير أعداد كبيرة من العربات والدراجات النارية وكميات كبيرة من المواد المتفجرة، والأسلحة، والذخائر، والقنابل، والعبوات الناسفة، وبذلك تكون قد تحققت السيطرة الكاملة للدولة المصرية على كافة مناطق التنظيم بعد تفتيشها وتطهيرها.

هذا الامر دفع التنظيم الى محاولة الإيهام بقدرته على الاستفادة من موارده الذاتية، وإعادة تدوير وسائل دعمه السابقة وانتاج أسلحة ومتفجرات بمكونات محلية وهو ما كشف عنه الإصدار بتطويره حسب وصفه سلاحا نوعياً في شكل قاذفة AMR ، بينما حقيقة  الامر تكشف عن أن هذه المحاولة مجرد نقل واقتباس من تجربة تصنيع داعشية تمت في مدينة الموصل العراقية لتطوير وانتاج بدائل لقذائف الـ RpG . وقد أثبت الإصدار أن اضطرار تنظيم ولاية سيناء للتوجه نحو التصنيع البدائي واليدوي أن العملية الشاملة سيناء 2018 قد نجحت في تجفيف مصادر دعم التنظيم على مستوى التسليح والقضاء على كافة نقاط تهريب السلاح شرقاً عبر أنفاق غزة وغرباً من ليبيا. ما تسبب في انتكاسة قوية للوجستيات التنظيم على مستوى الأفراد والتسليح.

هل يستطيع داعش تعويض خسائره البشرية؟ 

كشف الإصدار الداعشي عن حالة النضوب الواضح في الخزان البشرى الذي يمد تنظيم داعش بعناصره الإرهابية المقاتلة، ويتضح ذلك بشكل كبير بتضاؤل الأعداد المنفذة للعمليات داخل الإصدار وتزايد عمليات استهداف عناصر القوات المسلحة بدون اشتباك او التحام مباشر معها، ويعود ذلك الى حالة الضعف والهشاشة التي تعاني منها حاضنته الفكرية وعجزها عن الاستقطاب والتي كانت تمثل عنصر جذب لانضمام عناصر جديدة لسيناء والوادي والدلتا من بقايا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية والسلفية الجهادية وبقايا حركة حازمون والقاعدة.

كما أن إقامة منطقة عازلة مع قطاع غزة وهدم العشرات من الأنفاق بين غزة وسيناء حال دون تسرب عناصر السلفية الجهادية من القطاع الى الداخل السيناوي ومن ثم الانضمام الى تنظيم داعش، يضاف الى ذلك جهود الأجهزة الأمنية في القضاء على بؤر تلك التنظيمات داخل المحافظات المصرية.

كما شكلت عمليات تصفية قيادات التنظيم وعلى رأسهم أبو دعاء الأنصاري، وأبو أسامة المصري، وسالم الحمادين، وموسى ابو زقول، وخيرت السبكي، وحنفي جمال وغيرهم، عنصر تراجع بشري مؤثر على أداء تنظيم داعش، بالرغم من محاولة بقاياه الظهور بمظهر القوة العددية القادرة على الانتشار والعمل وتنفيذ العمليات وعددهم لا يتجاوز بضع عشرات، ويعانون من حصار شديد وضربات قاتلة بشكل يومي من الجيش والشرطة.

كيف كشف الإصدار عن دور أهالي سيناء في التصدي لتوطين الإرهاب بسيناء؟ 

بالرغم من أن تنظيم داعش الإرهابي حاول على مدار سنوات تكوين حاضنة من الخوف لدى أهالي سيناء بالقتل والتنكيل والقمع، لمنعهم من المقاومة المدنية لأفكاره وأعماله الإرهابية ووثق تلك الأعمال البشعة في كافة إصداراته، الا أن إصداره الأخير يكشف عن أنه وبرغم تكرار التنظيم توجيه تحذيرات لقبائل وأهالي سيناء من التعاون مع الدولة المصرية فإنهم ما زالوا يتعاونون ويساهمون في تكبيد التنظيم خسائر مادية وبشرية فادحة.

وهو ما يكشف بشكل واضح عن حجم الفشل الذي مني به داعش هناك، وبهذا الاعتراف تكون كل محاولاَت التنظيم لترسيخ حاضنة الخوف قد فشلت، وأن استراتيجية نشر العنف والقتل والتنكيل بأهالي سيناء جاءت بنتائج عكسية تماماَ، حيث مازال يواجه رفض ومقاومة كافة أهالي وقبائل شمال سيناء، الذين رفضوا ومازالوا يرفضون وجود الإرهاب ومحاولات توطينه على أرضهم في سيناء.

خاتمة

يكشف الإصدار الأخير حالة واضحة لنزيف شامل يعاني منها التنظيم على كافة المستويات، وهو ما يدفعه بشكل متواصل الى محاولة تصدير مشهد غير حقيقي للصمود والبقاء، في الوقت الذي استطاعت حملات القوات المسلحة والشرطة المصرية محاصرته في كافة معاقله وتصفية معظم عناصره، وحولت مقاومته الى حالة شكلية لإثبات الوجود المتآكل بشكل مستمر.

كما أثبت الإصدار أن استراتيجية الضغط على التنظيم الإرهابي بشكل موسع أثبتت فاعليتها وهوما يتطلب تفعيل تلك المنظومة الشاملة في المواجهة لإحكام السيطرة وتضييق الخناق على ما تبقي منه وقطع وسائل ومسارات امداده ودعمهم بشكل كامل ونهائي .

أثبت الإصدار أيضاَ أن حالة الزخم الإعلامي التي تمتع بها على مدار سنوات فقدت احترافيتها، وهو ما أفشل رسائله الإعلامية وأفقدها أهميتها وهدفها، وهو الامر الذي يجب الاستفادة منه ببث مزيد من المواد الدعائية والإعلامية المفندة لأفكاره ودعايته الفجة.

من المهم الاستمرار في تبني جهود أهالي سيناء والبناء عليها ووضع المزيد من الاستراتيجيات التي تعزز وتحفز مقاومتهم لأفكار وممارسات التنظيم الإرهابي، لضمان القضاء تماماً على حاضنة الخوف التي توهم التنظيم أنه نجح في بناءها بالداخل السيناوي.

عن " مركز الإنذار المبكر"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية