نسخة جديدة من "الظلال"... مراجعة أم تنصل الإخوان من العنف؟

نسخة جديدة من "الظلال"... مراجعة أم تنصل الإخوان من العنف؟

نسخة جديدة من "الظلال"... مراجعة أم تنصل الإخوان من العنف؟


02/01/2023

في محاولة جديدة لتنصل الإخوان من العنف والإرهاب، الذي ارتبط بالتنظيم، فكراً وحركة، بعد أن تكشّفت أفكاره خلال الأعوام القليلة الماضية، أعلن القيادي الإخواني عصام تليمة إصدار نسخة جديدة من كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب، تحمل أفكاراً منقحة لتفسيرات بعيدة نسبياً عن فكر قطب المتشدد.

و"الظلال" هو أحد أهم الأعمال الخاصة بمُنظّر العنف لدى تنظيم الإخوان سيد قطب، صدرت منه نسختان؛ الأولى تحمل تفسيراً مبسطاً لعدد من أجزاء القرآن الكريم (18) جزءاً تقريباً، ولم يرد فيها الكثير من الأفكار المتشددة، إذا ما قورنت بالطبعة الثانية التي تحمل مرجعية وتأصيلاً للفكر المتطرف والعمل العنيف لدى الجماعة، مثل "المجتمع الجاهلي، العزلة، الحاكمية"...، وغيرها.

ماذا وارء إصدار نسخة جديدة من كتاب الظلال؟

الإصدار الجديد جاء كخطوة أولى في مخطط كبير، كان قد وضعه القائم بأعمال المرشد العام  إبراهيم منير وقيادات داخل التنظيم الدولي بهدف تبرئة الإخوان من العنف، وبدء مرحلة جديدة مع المجتمعات العربية، بدءاً من إعادة صياغة الأفكار التي تمثل مرجعية التنظيم، وصولاً إلى تحولات حقيقية في مسار العمل الحركي والتنظيمي للإخوان تشمل اعتزال العمل السياسي في الدول التي سقط فيها التنظيم بشكل مؤقت، لكنّ منير رحل قبل أن ينفذ خطته، رغم أنّه ألمح إليها في عدة مناسبات.

خطة إعادة الاندماج، أو اختراق المشهد السياسي، تعتمد أيضاً، وفق معلومات "حفريات"، على تدشين مجموعة من المراكز الثقافية والإعلامية والمؤسسات الأهلية، لا تتبع التنظيم بشكل مباشر لكنّها ستعمل على إعادة نشر أفكاره وخلق أذرع جديدة له في تلك الدول.

 أعلن القيادي الإخواني عصام تليمة إصدار نسخة جديدة من كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب

الخطة التي تقوم عليها قيادات جبهة لندن، ويدعمها رجال أعمال بارزون داخل التنظيم، لا تلقى قبولاً في مجملها عند جبهة إسطنبول، أو مجموعة القيادات الذين ينتمون لفكر سيد قطب ويعتبرونه مرجعاً فكرياً للتنظيم لا يمكن الحيد عنه.

دفاع عن سيد قطب أم اعتراف بتطرفه؟

فيما بدا واضحاً أنّه اعتراف من جانب القيادي الإخواني المحسوب على جبهة لندن، الذي شغل سابقاً منصب مدير مكتب يوسف القرضاوي، حاول تليمة في منشور عبر صفحته على "فيسبوك"، تبرئة قطب من الفكر المتطرف، مدعياً أنّ الأفكار التي جاءت تحمل فكراً متشدداً كانت نتيجة التنقيح الذي خضع له الكتاب.

الغريب أنّ هذا التفسير الذي أراد تليمة أن يسوقه للناس، ويقنعهم به، يرفضه الإخوان أنفسهم ويعتبرون أنّ كل ما قاله قطب كان ضرورياً للوصول إلى السلطة، بل إنّ العمل الحركي والمسلح كان أحد أهم الأدوات من أجل تحقيق أهداف التنظيم.

الإصدار الجديد جاء كخطوة أولى في مخطط كبير، كان قد وضعه القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير وقيادات داخل التنظيم الدولي بهدف تبرئة الإخوان من العنف

ويقول تليمة: "تفسير "في ظلال القرآن" في كل طبعاته المعروفة والمُتداولة، بداية بالطبعة الثانية لعيسى البابي الحلبي المتوفرة بالنت، "وهي المزيدة والمُنقحة"، ثم طبعات دور النشر اللبنانية، ثم طبعة الشروق المصرية، ثم مؤخراً طبعة الأصول العلمية، هو التفسير الذي أتم سيد تنقيح وإعادة كتابة (14) جزءاً منه، وبقيت الأجزاء المُتبقية بصيغة نشرها الأولى، أي بالمنهج الأول لسيد قطب قبل إعادة الكتابة".

ويضيف: "جميع الموضوعات والأفكار التي ثار حولها الجدل في فكر سيد قطب كانت في الـ (14) جزءاً التي خضعت للتنقيح والإضافة".

ويتابع: "اليوم، وبعد (3) أعوام من الجمع والتدقيق والمُطابقة، أصدرت دار "جسور للترجمة والنشر" تفسير "في ظلال القرآن" بصيغته الأولى التي اكتملت في عام 1959، أي بالمنهج الأول لسيد قطب قبل إضافاته اللاحقة، وقبل التغيّر الذي شهده فكره ومنهجه وتصوراته".

تليمة: جميع الموضوعات والأفكار التي ثار حولها الجدل في فكر سيد قطب كانت في الـ (14) جزءاً التي خضعت للتنقيح والإضافة

ويقول: "هذا أول جمع للطبعة الأولى كاملة وإصدار لها، وهي تهمّ كل المعنيين بسيد قطب وبتفسيره البلاغي الإعجازي للقرآن وتأملاته الفكرية والشرعية، والمهتمين بتاريخ الأفكار وتطورها في سياقات وظروف سياسية واجتماعية ونفسية مختلفة، خاصة تجاه شخصية لها كل هذا الحضور والتأثير الواسع داخل التيار الإسلامي وفي الفكر العربي الحديث، وأثارت كل هذا الجدل".

هل يُسقط الإصدار الجديد جرائم العنف؟

الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان يقول لـ "حفريات": إنّ الطبعة الجديدة من كتاب في ظلال القرآن، وما صحبها من جدال حول شخصية سيد قطب، ليس وليد اللحظة، لكنّه مرتبط تاريخياً بشخصية قطب، المُنظّر الأهم في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، وهو جدال قائم ومتجدد بين مجموعتين هما: القطبيون أو المتعاطفون والمنتمون لفكر سيد قطب، وقيادات التيار الرافض لفكرة العنف داخل التنظيم، أو من يطلقون على أنفسهم تيار "الإصلاح".

الطبعة الأخيرة التي أعلن عنها القيادي الإخواني عصام تليمة مؤخراً، بحسب سلطان، هي الطبعة الأولى من كتاب في ظلال القرآن، فقد قام قطب سابقاً بإصدار طبعتين من الكتاب؛ الأولى تحمل فكراً أقل عنفاً، وتشمل تفسيراً جزئياً للقرآن الكريم من الجزء الأول حتى الـ (18)، والطبعة التالية التي أعاد قطب كتابتها فترة سجنه في مصر، وهي التي يتداولها الإخوان منذ عدة عقود، وتمثل المرجعية الفكرية لهم.

أحمد سلطان: لا يمكن نفي وجه التطرف من كتابات سيد قطب، حتى إذا حاول هو أو من بعده من الإخوان تزييف الرسائل الواردة فيها؛ لأنّها كتابات تعجّ برسائل التطرف وتضع مرجعية شرعية لممارسة العنف

وقد حملت الطبعة الثانية أفكاراً متشددة؛ أبرزها فكرة الجاهلية، والعزلة الشعورية، والطاغوت، وكل الأفكار التي تمثل المرجع ليس فقط للتنظيمات المسلحة التي انبثقت عن جماعة الإخوان، لكنّها تمثل المرجعية الفكرية أيضاً لمعظم الجماعات الإرهابية والمتطرفة في العالم.

هذه الطبعة بما تحتويه من مصطلحات وأفكار متشددة أثارت جدلاً داخل الإخوان منذ طباعتها، وقد عارضها عدد من قيادات التنظيم آنذاك، وكان سيد قطب يبرر أفكاره بأنّه لا يقصد تكفير المجتمع، وكما يرى سلطان أنّ المشكلة الحقيقية في كتابات قطب تتمثل في أنّها تحمل أكثر من وجه، ويمكن فهمها وفق أكثر من معنى ودلالة.

وبحسب سلطان، لا يمكن نفي وجه التطرف من كتابات سيد قطب، حتى إذا حاول هو أو من بعده من الإخوان تزييف الرسائل الواردة فيها؛ لأنّها كتابات تعجّ برسائل التطرف وتضع مرجعية شرعية لممارسة العنف، لكن يبقى التلاعب بالألفاظ والمصطلحات أحد سمات الإخوان الواضحة.

لماذا يرفض الإخوان نسخة جديدة؟

سبب الضجة حول النسخة الصادرة أخيراً من الكتاب، وفق سلطان، أنّها تتعارض مع الأفكار التي تبنّاها سيد قطب وأنهى بها حياته، وأيضاً يعتبر الإخوان تلك الطبعات التي تحتوي على أفكار متطرفة هي الطبعات الشرعية لآراء سيد قطب، وما عداها لا يُعترف به.

ويشير سلطان إلى أنّ فكر سيد قطب قد مرّ بمراحل من التطرف، بلغت أوجها خلال فترة سجنه في مصر في الفترة من عام 1954 حتى بداية الستينات، وفي هذه الفترة غلب الفكر المتشدد على جميع كتابات قطب.

الإخوان يرون أنّ ما فعله عصام تليمة في الوقت الراهن يُعدّ انقلاباً على الأفكار الشرعية لسيد قطب، خاصة أنّ المجموعة القطبية هي المتحكمة بشكل كبير في كافة الأمور القيادية داخل الجماعة؛ وبالتالي ترفض أيّ فكر مغاير لما تربت عليه وتعتبره ثوابت تنظيمية.

ويصف سلطان الأمر برمّته بأنّه خطوة رمزية من جانب عصام تليمة، ليست مؤثرة على الأفكار أو الثوابت التي يسير عليها الإخوان منذ عقود طويلة، وستبقى أفكار قطب المتشددة هي المرجعية الحاضرة والأكثر ثباتاً في فكر التنظيم الإرهابي.

مواضيع ذات صلة:

مَن سبق سيد قطب بتجهيل المجتمعات؟

كيف تسبّبت "هجرة سيّد قطب" في الدفع بآلاف الشباب المسلم إلى المحرقة؟

كتاب سفر الحوالي يبعث سيد قطب من جديد

الصفحة الرئيسية