هل يذوب الجليد بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي؟

هل يذوب الجليد بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي؟

هل يذوب الجليد بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي؟


19/06/2023

بعد أن سيطرت الخلافات والتوترات والاتهامات على علاقتهما، وانقطع بينهما اللقاء لمدة زادت عن العامين، تبدو العلاقات بين الاتحاد العام التونسي للشغل والرئيس التونسي قيس سعيّد تتجه نحو التهدئة، وسط ترجيحات بذوبان الجليد بين الطرفين خلال الفترة المقبلة.

هذا الهدوء والمهادنة يأتيان بعد فترة من التصعيد تبادل خلالها الطرفان الرسائل المشفرة، فقد لمح سعيّد أنّ "من يقومون بقطع الطرق وسكك الحديد أو التهديد بذلك بعلل واهية، لا يمكن أن يبقوا خارج دائرة المساءلة"، مضيفاً أنّ "الحق النقابي مضمون بالدستور، لكنّه لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية لم تعد تخفى على أحد".

ورفض الاتحاد تلك الاتهامات الموجهة إلى قياداته، ولوّح بالتصعيد للردّ على ما اعتبره "شيطنة قيادات".

الطبوبي يتبنّى مواقف قيس سعيّد

وبعد غياب عن المشهد طيلة الأسابيع الماضية، ألمح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي الأحد إلى رفض المنظمة الشغيلة لأيّ وصفات خارجية لمساعدة تونس، وقال مستلهماً خطابه من مفردات للرئيس التونسي: "علينا التعويل على الذات، وعدم انتظار أيّ مساعدات خارجية".

وأضاف أنّ البلاد تواجه معركة اقتصادية واجتماعية، وهي تخوض معركة وجود، موجهاً خطابه إلى الحكومة "إلى السادة مسؤولي الدولة، نحن تحمّلنا نقص الأدوية ونقص الغذاء، ولكن لن نقبل أن تتحول بلادنا إلى محتشد متعدد الجنسيات... نعم نحن نحترم حقوق الإنسان، ولكن نتمسّك بسيادتنا الوطنية على ترابنا"، في إشارة إلى زيارة المسؤولين الأوروبيين إلى البلاد، وما يدور من حديث عن توطين المهاجرين، وهو موضوع أعلن الرئيس سعيد عن رفضه مراراً.

تبدو العلاقات بين الاتحاد العام التونسي للشغل والرئيس التونسي قيس سعيّد تتجه نحو التهدئة

من جانبه، قال المتحدّث الرسمي باسم اتّحاد الشغل سامي الطاهري الأحد، في تصريحات لإذاعة (موزاييك) المحلية: إنّ الاتحاد يرفض مقايضة غذاء التونسيين باتفاق "توطين المهاجرين في تونس"، معتبراً أنّ "الدولة التونسية التي تعاني من أزمة اقتصادية ومالية لم تتمكن من إعاشة (12) مليون تونسي، فما بالك بأعداد مضاعفة بفعل منع المهاجرين من الوصول إلى الجانب الأوروبي وفتح المجال التونسي لتوطينهم؟".

وتشهد تونس في الفترة الأخيرة حراكاً أوروبياً لافتاً تجاهها، تُرجم في الزيارات المتتالية للقادة والمسؤولين الأوروبيين، وآخرها الزيارة الجارية لوزيري داخلية ألمانيا وفرنسا، والتي ستركز على ملف الهجرة غير النظامية.

تطابق في المواقف

هذه المواقف نفسها كرّرها الرئيس قيس سعيّد، إذ أكد دائماً أنّه غير موافق على مسألة رفع الدعم الواردة باتفاق صندوق النقد الدولي، في وقت تواجه فيه تونس ضغوطاً للتوصل إلى اتفاق نهائي لحلحلة الأزمة المالية والاقتصادية.

ويطالب صندوق النقد بضمانات حقيقية لتطبيق حزمة إصلاحات قبل البدء بصرف الشريحة الأولى من اتفاق قرض بقيمة (1.9) مليار دولار أمريكي، من بينها خفض تدريجي لنظام الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الأجور.

تشهد تونس في الفترة الأخيرة حراكاً أوروبياً لافتاً تجاهها، تُرجم في الزيارات المتتالية للقادة والمسؤولين الأوروبيين

ويعارض الرئيس بشكل خاص النقطة المتعلقة بخفض الدعم، وبدل ذلك يقترح توجيهه إلى مستحقيه، أو فرض أداءات على المصنعين المستهلكين للمواد المدعمة.

ويضغط شركاء تونس في الخارج من أجل أن تتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد لمنع انهيار مالي محتمل، في وقت يتدفق فيه المهاجرون بأعداد كبيرة من سواحل البلاد نحو السواحل الإيطالية.

بالمقابل، يتمسك سعيّد بموقفه الذي يدعمه فيه اتحاد الشغل، وقال في آخر تصريحاته: "أقولها عالياً لكل العالم إنّنا لن ننحني إلا لله ربّ العالمين، عزّ وجلّ"، قبل أن يُضيف: "لم تَنزل سورة في القرآن اسمها صندوق النقد الدولي".

وأردف رئيس الجمهورية قائلاً: "نحن بإمكانياتنا وقدراتنا يمكننا تصور طرق جديدة لخلق الثروة"، بحسب تعبيره.

ودعا رئيس الجمهورية الحاضرين إلى بعث مشاريع خاصة، واستغلال الأراضي الفلاحية لإحيائها وخلق الثروة، مشيراً كذلك إلى آلية بعث الشركات الأهلية، قائلاً: "أنا لا أبيع الأوهام، وأنا أُمهّد لكم الطريق لخلق الثروة عن طريق الشركات الأهلية".

اتحاد الشغل يهادن

ومؤخراً، عاد الاتحاد من جديد لطرح مبادرة جديدة من أجل "الخروج من الأزمة السياسية" الراهنة.

هذا، وتنكبّ قيادات اتحاد الشغل ومجموعة من الشركاء الاجتماعيين على الانتهاء من المبادرة، لعرضها قريباً على الرئيس سعيّد، ويعتبر خبراء الدستور بتونس أنّها "ولدت ميتة"، وقال أستاذ القانون الدستوري: إنّ "مبادرة الاتحاد وُلدت ميتة، باعتبار أنّ الجهة التي سيتم التحاور معها رافضة للحوار، وهنا نعني رئاسة الجمهورية"، وفق تعبيره.

 الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي

وأشار اللغماني خلال تصريح لإذاعة (موزاييك) التونسية إلى رفض قيس سعيّد الحوار خارج المؤسّسات المنتخبة، وبالتالي فإنّ إطار هذا الحوار هو مجلس نواب الشعب، وإنّ الأجسام الوسيطة لا يمكن أن تكون بديلاً لذلك الإطار، وفق تصوّر رئيس الجمهورية.

المبادرة التي تم تغيير اسمها من مبادرة "الإنقاذ الوطني" إلى مبادرة "تونس المستقبل"، شارك فيها إلى جانب اتحاد الشغل كلٌّ من عمادة المحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ويرى مراقبون أنّ الاتحاد لم يعد قادراً على الضغط وعلى التصعيد، حتى لو تمسكت قيادته بذلك، لأنّ التيار الغالب داخله يتجه نحو التهدئة والتصالح مع الحكومة، وهو ما كشف عنه اتفاق نقابة الثانوي الذي لا يمكن وصفه سوى بأنّه قبول بتهدئة دون اشتراطات، وصادر عن أهم النقابات وأكثرها وزناً وتأثيراً.

ورغم انطلاق مشاوراتها قبل الدور الثاني للانتخابات التشريعية، إلّا أنّ المبادرة لم تجهز بعد، وما تزال المنظمات الراعية لها منكبّة على وضع اللمسات الأخيرة عليها، مفضلة عدم تحديد موعد للإعلان عنها، لكنّها تؤكد أنّه قريب.

عودة إلى التهدئة بعد التصعيد

وكانت المنظمة قد عملت طيلة أشهر على إظهار أنّ بمقدورها تحريك الشارع لإجبار السلطة على الاستجابة لمطالبها، تنفيذاً لتهديدات أطلقها أمينها العام نور الدين الطبوبي، مؤكداً من خلالها أنّ المنظمة لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء الأزمة التي تعيشها البلاد.

هذه المواقف نفسها كرّرها الرئيس قيس سعيّد، إذ أكد دائماً أنّه غير موافق على مسألة رفع الدعم الواردة باتفاق صندوق النقد الدولي

وكان سعيّد قد أكد في أكبر ثكنة للحرس الوطني، بالعوينة قرب العاصمة، أنّ "الحق النقابي مضمون، ولكن لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية"، داعياً إلى "ضرورة اتخاذ إجراءات ضد من يتآمرون على الأمن القومي أو ضد الشركات العامة.

ويُعرف الاتحاد التونسي للشغل، أكبر نقابة بالبلاد، بتأثيره القوي على المشهد السياسي بالبلاد حيث يضم مئات الآلاف من المنخرطين، معظمهم في القطاع العام.

وتعاظم هذا الدور بعد هروب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011، وكان له دور حاسم في التواصل لتوافق سياسي بعد إشرافه على حوار أدى إلى صياغة دستور 2014.

ولكن منذ وصول الرئيس سعيّد إلى الرئاسة في 2019، لم تلقَ مبادرات الاتحاد للحوار من أجل الخروج من الخلافات بين الرئيس والأحزاب الأغلبية في البرلمان تجاوباً، قبل أن يتخذ سعيّد تدابيره الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) 2021.

مواضيع ذات صلة:

النهضة الإخوانية واتحاد الشغل التونسي.. تناقضات عميقة تجعل التقارب مستحيلاً

اتحاد الشغل التونسي يقاضي استعجالياً عبير موسي... لماذا؟

الغنوشي يفاقم إحراج اتحاد الشغل التونسي... ماذا فعل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية