هل يصوّت المسلمون في فرنسا كتلة واحدة؟

هل يصوّت المسلمون في فرنسا كتلة واحدة؟


23/04/2022

أحمد نظيف

هل يذهب المسلم الفرنسي إلى صندوق الاقتراع مدفوعاً بعقيدته أم بوضعه الطبقي والاجتماعي؟ أعتقد أننا يجب أن نطرح هذا السؤال المركزي قبل الركون إلى عمليات المسح والاستطلاعات التي تحاول تجميع مسلمي فرنسا في كتلة واحدة تصوت ضمن نسق واحد لمرشح واحد.

قبل ساعات من حسم السباق الانتخابي الرئاسي، لا يكف الإسلام وقضاياه الفرعية عن الحضور بقوة في مشهد الاستقطاب السياسي بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون وزعيمة التجمع الوطني اليمينية المتشددة مارين لوبن. بين النقاشات حول الحجاب وتمويل المساجد وتساؤلات حول توافق المسلمين مع الجمهورية، لا تفوت الحملات الانتخابية الفرصة في تحويل الإسلام إلى ورقة انتخابية، باعتباره الديانة الثانية في البلاد التي يبلغ عدد أتباعها قرابة 5 ملايين، من دون الأخذ بالاعتبار قطاعاً واسعاً من المسلمين المهاجرين الذين لا يحق لهم التصويت لكنهم يساهمون بقوة في الاقتصاد ويدفعون الضرائب من دون تمثيل سياسي.

لكن الحديث عن تصويت إسلامي محدد كما تريد دراسات سبر الآراء حول نوايا التصويت أن تقدمه على نحو كمي يبدو مجرد وهم حسابي لا يمكن ترجمته في صناديق الاقتراع وهو ما تثبته دائماً النتائج النهائية لأي انتخابات منذ العام 2002، تاريخ دخول المسلمين بقوة إلى الحسابات الانتخابية الفرنسية بعد صعود مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبن للمرة الأولى للدور الثاني. قبل ذلك لم يكن المتغير الديني مركزياً في تحليل اتجاهات التصويت الفرنسية في بلد فصل الدين عن الحياة العامة، لا سيما السياسية، بشكل شديد الصرامة إلى حد القسوة منذ أكثر من قرن. في فرنسا، يُعد قياس الأصول في المسوح الاجتماعية السياسية حديثاً نسبياً، على عكس الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حيث كانت الأسئلة متاحة في الاستطلاعات الانتخابية التي تميز بين السود والبيض منذ عام 1948 وبين السود والبيض والأسبان والآسيويين والهنود، منذ عام 1972.

من ناحية أخرى، لم يكن هذا هو الحال في فرنسا بالنسبة إلى الدين الذي يُعتبر أحد أكثر المتغيرات الاجتماعية تفسيراً للسلوك السياسي منذ سبعينات القرن الماضي، إذ تم دمج القياس التفصيلي للأصول فقط في عام 2007 لاستطلاعات الرأي الانتخابية الوطنية. احتل الإسلام والمسلمون مساحة كبيرة في النقاشات حول التعددية الثقافية في العقد الماضي، بما في ذلك التحليلات "المشتركة" للتصويت. أصبح الإسلام منذ فترة طويلة الديانة الثانية في فرنسا، لكنه لا يزال بعيداً عن الأول: 8 في المئة من السكان المقيمين في فرنسا الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 50 عاماً يعلنون أنفسهم مسلمين، مقابل 43 في المئة من الكاثوليك. ومع ذلك، فقد أصبح الإسلام بالفعل المعيار الذي نحكم من خلاله على الاندماج في فرنسا، وحتى في أوروبا.

هذا التأخر الفرنسي في اعتبار الدين ضمن المتغيرات أو المحددات التي تحكم اتجاهات التصويت جعل أغلب التحليلات تتجه نحو التعظيم من المسألة الحسابية الكمية، من خلال اعتبار نوايا التصويت على أساس ديني دليلاً على وجود "توجه إسلامي انتخابي واحد" وهذا يبدو قصوراً لفهم طبيعة الوجود الإسلامي في فرنسا في حد ذاته وهو فهم قائم أساساً على التعميم، الذي يميل إلى إعطاء الانطباع بأن الناخبين المسلمين يصوتون كرجل واحد بسبب دينهم. ومع ذلك، لا يوجد محدد إسلامي لهذا التصويت كما تثبته الأرقام نفسها. الناخبون المسلمون الذين يذهبون إلى صناديق الاقتراع هم من المسلمين لكنهم يحملون اعتبارات متعددة: تدخل الاحتمالات المرتبطة بمهنة كل شخص ومتغير الطبقة الاجتماعية في تحديد الخيارات. ذلك أن بعض المسلمين يصوتون حسب حساسيتهم تجاه قضية الإسلاموفوبيا، فيما سيقرر الآخرون التصويت وفقاً للقضية الفلسطينية بينما سيقرر آخرون بشكل أساسي حسب القضايا الاجتماعية والاقتصادية. في وقت التصويت، نحن لا نعرف بدقة أي متغير يحسم خيار الأفراد.

لكن السائد أن المسلمين يصوتون بكثافة لليسار. قديماً كانت أصواتهم تذهب للحزب الإشتراكي والأن أصبحوا أكثر قرباً من جان لوك ميلانشون، بحسب أرقام عمليات المسح التي وقعت على ضوء النتائج النهائية للدور الأول من سباق الرئاسة، لكن الأرقام ذاتها تثبت أن المسلمين لا يصوتون لمرشح واحد ضمن كتلة واحدة. فقد صوّت الناخبون المسلمون في الجولة الأولى إلى حد كبير لصالح المرشح اليساري الراديكالي ميلانشون في الجولة الأولى (69 في المئة)، متقدماً على الرئيس ماكرون (14 في المئة) بل إن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن حصلت على (7 في المئة). لذلك فإن هذا التصويت الهائل للمسلمين لصالح ميلانشون يثبت بشكل متناقض أنه لا يوجد محدد إسلامي. لأنه إذا اعتبرنا أن المسلمين يصوتون بدافع عقائدي، فإن أصواتهم بالتأكيد لن تذهب لمرشح يساري يدعم زواج المثليين على سبيل المثال، لذلك فإن التوصيف الأقرب لتصويت المسلمين في فرنسا هو أنهم يصوتون باعتبارهم أقلية، والأقليات دائماً أكثر قرباً من اليسار. وفي إمكاننا القول أيضاً إن هناك حساسية يسارية بين هؤلاء الناخبين بسبب المسار الاجتماعي والاقتصادي للمسلمين، الذين ينتمون غالباً إلى خلفيات من الطبقة العاملة.

اليوم، وأمام جولة انتخابية ثانية بين ماكرون ولوبن سيتجه أغلب المسلمين للتصويت لصالح الرئيس المنتهية ولايته، ليس لأنه الأفضل بالنسبة إليهم كأقلية من أصول مهاجرة ينتمي قطاع واسع منهم للطبقات العاملة والشعبية، بل لأنه الأقل سوءاً قياساً بمرشحة اليمين المتطرفة. ذلك أن عدداً كبيراً منهم، شأنهم شأن قطاع واسع من الفرنسيين يشعرون بخيبة أمل كبيرة من الولاية الأولى للرئيس ماكرون والتي زادت فيها أوضاع الطبقات الوسطى انحداراً نحو الأسوأ. أما إذا عدنا إلى المحدد العقائدي في توجهات التصويت، فإن ماكرون سيكون الخيار الأفضل باعتباره أقل تطرفاً في مقاربة المسائل الإشكالية المتعلقة بالمساجد وبخاصة بالحجاب، حيث تلوّح لوبن بإصدار قانون لحظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة ومعاقبته بـ"الغرامة". وقد استوعب ماكرون هذه الثغرة واستغل حظر الحجاب كوسيلة لتذكير الناخبين بماضي التجمع الوطني اليميني، وقال في مقابلة إذاعية: "يواجهني مشروع يميني متطرف يريد أن يجعل فرنسا أول دولة في العالم تحظر الحجاب في الأماكن العامة"، مضيفاً أن الحجاب بالنسبة إليه "لم يكن هوساً". لكن تعليقات ماكرون الأخيرة تتناقض مع تصريحاته السابقة، ما يثير تساؤلات عما إذا كان يغير مساره لجذب ناخبين جدد - بخاصة الناخبين المسلمين - قبل الجولة الثانية. ففي عام 2018، قال ماكرون إن الحجاب "جعل الناس يشعرون بعدم الأمان" وأنه "ليس سعيداً بشكل خاص" لرؤية النساء يرتدينه.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية