"ولاية الفقيه"... السؤال الكبير داخل الجيل الجديد في إيران!

"ولاية الفقيه"... السؤال الكبير داخل الجيل الجديد في إيران!


07/02/2022

يوسف بدر

في الحادي عشر من شباط (فبراير) من كل عام تحتفل إيران بذكرى انتصار الثورة في العام 1979؛ وهو ما يجدد السؤال عن طبيعة النظام الحاكم هناك، الذي ما زال بعد 41 عاماً منذ رحيل الشاه محمد رضا بهلوي، لا يريد أن يفارق مرحلة الثورة التي غيرت وجه إيران داخلياً وخارجياً.

ولاية الفقيه

بغياب الإمام الثاني عشر في المذهب الشيعي الإمامي؛ لا يمكن قيام الدولة العادلة؛ فقد غاب الإمام المعصوم، ودخل الشيعة في عصر الانتظار، وأصبحتْ النظرة الى أي حاكم، هو أنه غاصب لحق الإمام.

ومن هنا، أصبح الشيعة يمثلون جانب المعارضة السياسية في التاريخ الإسلامي. لكن الإمامة مسألة خطيرة لأنها مصلحة لأزمة للجماعة تتعلق بمصيرها. ومن هذا الوجوب تم اختراع نظرية ولاية الفقيه على أساس مبدأ نيابة الإمام العادل؛ لأن احتياجات الأمة تستلزم إقامة الدولة لإدارة شؤون الناس.

خلال الدولة البويهية الشيعية (932هـ - 1055م) في إيران، ظهرت نظرية "الإذن العام" التي تفوض للقادر من شيعة الإمام إقامة العدل حيثما أمكن.

ومع الدولة الإيلخانية الشيعية (بين القرنين السابع والثامن الهجري)؛ ظهر الفكر السياسي السلطاني الذي فصل بين الشرعية الدينية والشرعية السياسية اذ منح "الفقيه" نيابة الإمام في الجوانب الدينية، والسلطان في الجوانب السياسية. ومثلتْ هذه مرحلة التعاضد بين الفقيه والسلطان.

وبظهور الدولة الصفوية، امتزج الفقيه بالسلطان، حيث بحث الفقهاء له عن الدم النبوي؛ ليمثل امتداداً لبيت الأئمة؛ وأشاعوا أن نَسَب الصفويين يمتد إلى الإمام الحسين سبط النبي محمد. ومن هذا التماهي بين الفقيه والسلطان؛ تم القضاء على النهج الثوري للتشيّع، وأصبح الفقهاء يبررون أفعال الحكام؛ وهو ما عزل التشيّع عن قاعدته الشعبية، وأصبح دين الملك. 

وهذا التعانق جعل مصير رجال الدين مرتبطاً بهذه الدولة التي منحتهم مكانة اجتماعية ودينية؛ ولذلك استمروا في تبرير شرعيتها للحفاظ على مكانتهم.

خلال الدولة القاجارية، وبسبب سيطرة رجال الدين على الجانب الديني من شؤون الدولة، اذ باتوا يجمعون الزكاة والخمس والصدقات، ويسيطرون على التقليد والفتوى والقضاء والحسبة والتعليم والعتبات المقدسة؛ فقد تضخمت مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية إلى درجة القدرة على مناكفة الدولة، وأصبح كبارهم ينتمون إلى الطبقة الأرستقراطية الإقطاعية وصغارهم إلى الطبقة المتوسطة، وهو ما أوصل المؤسسة الدينية في إيران إلى التطابق مع السلطة "البابوية الكاثوليكية" الثيوقراطية في أوروبا خلال القرون الوسطى.

العودة الى الثورة

في ظل الهيمنة الثيوقراطية لرجال الدين على المجتمع الإيراني؛ ظهر التحديث والاتجاه إلى مظاهر الدولة الحديثة خلال الدولتين القاجارية والبهلوية؛ ولكن في الأخيرة، استخدم الشاه محمد رضا بهلوي رجال الدين في مواجهة الشيوعيين والماركسيين؛ ما جعل الإسلاميين وأفكارهم يتمددون إلى خارج حوزتهم ومدنهم الدينية؛ فانتشرت أفكارهم بين الشباب الرافض لسياسة قمع الحريات والاستبداد السياسي التي تمارسها السلطة، إلى جانب غياب العدالة الاجتماعية في ظل اكتشافات النفط والثروة.

وكانت سياسة التحديث والتغريب القوية التي تمارسها سلطة الشاه محمد، تمثل تهديداً قوياً لسلطة رجال الدين؛ بخاصة أن والده الشاه رضا، كان قد سافر إلى تركيا لمدة شهر لنقل تجربة كمال أتاتورك العلمانية إلى إيران. وهو ما جعل رجال الدين يقلقون على مكانتهم الاجتماعية.

لكن حقيقةً، لم يكن رجال الدين في جانب المعارضة وحدهم؛ بل كانت هناك الحركات والأحزاب اليسارية والماركسية إلى جانب الحركة الوطنية. بل أن آية الله الخميني، بصفته أحد زعماء الثورة في إيران، استعار الكثير من الأفكار والمبادئ التي شكلت روح الثورة في نفوس الإيرانيين، من مُعلم الثورة علي شريعتي الذي حظرَ رجال الدين قراءة مؤلفاته على أتباعهم؛ لأنه هاجم فيها السلطة الثيوقراطية لرجال الدين، وطالب بتحرير الدين من سلطتهم.

وتدل الأحداث السياسية في تاريخ إيران الحديثة، أن ارتباط ظهور الإسلاميين بزعامة رجال الدين في جانب المعارضة والثورة؛ كان لسبب شعورهم بتهديد مصالحهم من الحياة الجديدة التي ستقضي على مكانتهم الاجتماعية وتلاشي طبقتهم.

ولذلك، نادى الخميني بطرح ولاية الفقيه الذي يدمج السلطة السياسية والدينية في شخص واحد، وهو الفقيه؛ من أجل ضمان الحفاظ على سلطة رجل الدين؛ تحت اسم حماية الشريعة والدين في إيران.

لقد كانت هناك أطروحات أخرى حول نيابة الإمام الغائب، منها ما طرحه الشيخ محمد حسين نائيني خلال الدولة القاجارية، باسم "نيابة الأمة"؛ أي أن الأمر مفوض للأمة بعد غياب الإمام العادل، وهو طرح يدعم ديموقراطية الدولة. ونادى به أيضاً علي شريعتي  مُنظرُ ثورة 1979، خلال خطاباته ومؤلفاته؛ لأن الناس أساس التغيير وغاية الحكم. 

لكن رجال الدين لم يكن يتقبلون مثل هذا الطرح الذي سيقضي على مكانتهم وطبقتهم ومصالحهم داخل المجتمع الإيراني؛ ولذلك أسس الخميني دولته الثيوقراطية التي على رأسها رجل دين، باسم الديموقراطية الإسلامية. ليشرع بذلك مفهوماً خطيراً، وهو أن الدولة لا تكون إسلامية طالما لا يوجد على رأسها أحد رجال الدين.

من الثورة إلى العقيدة

كان المجتمع الإيراني يتقبل الخميني بصفته رجلاً ثائراً، لا كرجل دين؛ ولذلك قلق الإيرانيون من هيمنة رجل الدين على كل مفاصل الدولة، والعودة بها إلى العصور الوسطى، وخرجوا في تظاهرات بعد هيمنة الإسلاميين على الدولة يحذرون من حدوث ذلك. ولكن بين الطبقات العريضة الفقيرة والمحرومة، كانت صفة النزاهة والتقوى التى خيلها رجال الدين حول أنفسهم في أذهان هؤلاء، كافية لإقناعهم بأن الخير قادم مع حكمٍ يكون على رأسه هولاء الأنقياء؛ وهو ما ساعد رجال الدين على استقرار الأمر لهم في إيران.

لكن واقع الأمر، أن نظام ولاية الفقيه أخضع المجتمع الإيراني الى سلطة الرجل الواحد (الفقيه/المرشد الأعلى)، وأخضع مصير هذا المجتمع لمصير طبقة رجال الدين والطبقات الأخرى التي تتعانق مصالحها معها، مثل طبقة العسكريين؛ فالحكم لم يعد لله كما نادى رجال الدين؛ بل الحكم لغاية مصالحهم. 

حتى أن رجال الدين الموالين لنظام ولاية الفقيه، تناسوا أن فكرة هذا النظام كانت مجرد طرح بشري لإيجاد حل لمسألة الدولة بعد غياب الإمام الثاني عشر، واعتبروها جزءاً من "العقيدة والإيمان"، وأن من يعارضها، فهو يحارب الإمام الغائب ودين الله ورسوله.

لعن "رجال الدين"

لقد تحقق ما تنبأ به علي شريعتي الذي قال: "إذا استغل الدين من السلطات الحاكمة لحفظ مصالحها فستحصل أسوأ فاجعة يُسحق فيها الإنسان في الأنظمة المعادية للإنسانية ويصبح الدين شهيداً في سجلات التاريخ". والشاهد اليوم، اذ تخرج التظاهرات المتكررة في إيران لترفع شعار: "مرگ بر خامنه ای/الموت لخامنئي"، "مرگ بر اصل ولايت فقيه/الموت لمبدأ ولاية الفقيه".  ما يعني أن هناك جيلاً جديداً ينتظر الثورة على نظام ثورة 1979، التي أسلمها رجال الدين باسم نظام ولاية الفقيه.

بل تمادى الرفض في المغالاة بين الأجيال الجديدة؛ إلى حد اعتبار أن كل مصائبها هي بسبب رجال الدين والإسلام والعرب الذين خرج منهم هذا الدين؛ وطالبت فئة منهم بعودة الملكية الشاهنشاهية الإيرانية، وأخرى طالبت بالدولة الديموقراطية العلمانية، وأخرى تحولت إلى أديان أخرى مثل البهائية والمسيحية والزرادشتية. وغيرها من مظاهرٍ تأتي في إطار محاولة التغيير والرفض للواقع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه إيران.

والديل على أفول نظرية ولاية الفقيه هو مساعي بعض رجال الدين ورفقاء الخميني إلى إيجاد تعديلات في نظريته؛ خشيةً من أثارها السلبية على مستقبل الدولة الإيرانية، وهو ما ظهر في أفكار آية الله منتظري وآية الله رفسنجاني وغيرهما. وإن كان النظام سعى إلى إخفاء مثل هذه الأصوات وقمعها؛ لكن الشارع ما زال يصرخ بالرغبة في التغيير والإطاحة بالنظام الحاكم. 

المحصلة

إن نظرية ولاية الفقيه طوال مراحل ظهورها التاريخية، كانت الوسيلة التي منحت رجال الدين مكانتهم الاجتماعية وشكلتْ طبقتهم داخل إيران.

إن صعود رجال الدين إلى السلطة، يعني تحولهم هدفاً للمعارضة، وهو ما يستوجب القمع من جانب النظام للحفاظ على وجوده، وذلك بداية الطريق لتآكله وسقوطه.

إن النظام الحاكم في إيران، سعى إلى ترسيخ ولاية الفقيه عقيدة إيمانية؛ من أجل ضمان استمرارية تأييدها بين أتباعه، ومن أجل توسع هذه النظرية وانتشارها خارج حدود إيران باسم التحضير لدولة المهدي المنتظر. 

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية