أية رسائل حملتها زيارة وزير خارجية إيران إلى لبنان؟

أية رسائل حملتها زيارة وزير خارجية إيران إلى لبنان؟


27/03/2022

عروض سخيّة في توقيت لافت هي عنوان الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، الذي يواجه أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ حقبة السبعينيات، تفاقمت منذ انفجار مرفأ بيروت في أيلول (سبتمبر) 2020، ففجأة ودون سابق إنذار انهالت على لبنان العطايا والعروض الإيرانية لمساعدته على الخروج من أزمة عمرها عامان بالتزامن مع أنباء عودة السفير السعودي لبيروت قبل شهر رمضان.

زيارة عبد اللهيان هي الثانية له منذ تولّيه السلطة في آب (أغسطس) الماضي، حيث زار بيروت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقد حمل معه حينها عروضاً تختلف نوعاً ما عن تلك التي أعلنها خلال زيارته الخميس الماضي، باستثناء استعداد طهران لبناء محطتين لتوليد الكهرباء.

زيارة عبد اللهيان هي الثانية له منذ تولّيه السلطة في آب (أغسطس) الماضي

وخلال زيارة عبد اللهيان الأولى قبل بموجة وعاصفة غضب واسعة، فقد انطلقت مسيرة رافضة لتواجد الوزير الإيراني على أراضي لبنان، ورفع المحتجون شعارات مختلفة من بينها: "لا أهلاً ولا سهلاً بممثل الاحتلال الإيراني، ولا لسلطة الخضوع، ولا لطاقم الحكم الفاسد صنيعة هذا الاحتلال"، بدا أنّ هذا الاستقبال قد يجعل زيارة أخرى شبه مستحيلة، إلا أنّ الأزمة اللبنانية مع دول الخليج قدم لإيران فرصة من ذهب لإعادة إنتاج نفسها وأذرعها في لبنان مستغلة احتياجه وأزمته الاقتصادية.

تأتي الزيارة قبل شهرين من انتخابات نيابية تغيب عنها للمرة الأولى الكتلة السنّية بزعامة سعد الحريري

وفي حين تحتاج إيران نفسها لاستيراد نحو 8 مليارات طن من القمح بعد تلف محصولها الصيف الماضي بسبب موجة جفاف هي الأسوأ منذ 50 عاماً، نقل الرئيس اللبناني ميشيل عون، في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر، عن أمير عبد اللهيان تأكيده استعداد طهران دعم لبنان في كل المجالات وخاصة توفير القمح.

رسائل غير معلنة

مشهد هذه الزيارة والعروض الإيرانية لا يمكن قراءتها بمعزل عن العلاقات اللبنانية الخليجية، ولاسيما في ضوء تقارير إعلامية عن إشارات خليجية إيجابية وعن مبادرة سعودية لإنقاذ لبنان، فقد قال غسان ريفي، نائب نقيب الصحفيين اللبنانيين، في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر، "سيكون هناك مبادرة سعودية تجاه لبنان تتمثل بعودة السفير وليد البخاري مع بداية شهر رمضان والبدء بصرف الهبة المالية، فضلاً عن زيارات لبنانية قريبة إلى المملكة وذلك تمهيداً لعودة المياه إلى مجاريها".

وكشف ريفي، المقرب من رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، في مقال على صحيفة "سفير الشمال" اللبنانية، "قبل نحو ثلاثة أشهر فتح الاتصال الثلاثي الذي جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ثغرة في الجدار الخليجي المرفوع بوجه لبنان، خصوصاً أنّ بن سلمان أكد لميقاتي خلال الاتصال رغبة السعودية بفتح صفحة جديدة."

 أوساط سياسية: عون صار مستعداً لامتداح إيران وتبرئة حزب الله من كل المآسي التي سبّبها للبنان

وأضاف "تلقّفَ ميقاتي الرغبة السعودية، وعمل على توسيع هذه الثغرة من خلال أداء سياسي ثابت تجاه دول الخليج، أثمر عن ترجمة التوافق الفرنسي ـ السعودي في الإعلان عن دعم المؤسسات الاجتماعية والإنسانية والتربوية في لبنان بمبلغ 36 مليون دولار كهبة مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة، والتي لم تكن عبارة عن هدية رفع عتب بقدر ما كانت بداية حقيقية لإعادة وصل ما انقطع مع الشعب اللبناني."

اقرأ أيضاً: هل يعرقل سلاح حزب الله التقارب الخليجي اللبناني مجدداً؟

الرغبة اللبنانية في إصلاح العلاقات مع دول الخليج، بعد تدهورها على خلفية تصريحات غير مسؤولة أدلى بها وزير الإعلام السابق جورج قرداحي انتقد فيها التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد ميليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن، عبّر عنها سياسيون كثيرون من بينهم سمير جعجع رئيس حزب "القوات اللبنانية"، ووليد جنبلاط رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" منتصف الشهر الجاري.

بيد أنّ لبنان لم يكد يحتفل بالأنباء الإيجابية عن عودة العلاقات اللبنانية الخليجية، حتى جاءت زيارة أمير عبد اللهيان لتلّبد الآفاق بمخاوف جديدة من أن تنقل إيران، عبر أذرعها الإرهابية، التصعيد ضد دول الخليج إلى لبنان، مع عروض قالت عنها أوساط سياسية لبنانية إنّها تهدف إلى ربط لبنان أكثر بإيران واستباق عودة دول الخليج بخطوة.

رسائل مباشرة

تأتي زيارة أمير عبد اللهيان قبل شهرين من انتخابات نيابية تغيب عنها للمرة الأولى الكتلة السنية بزعامة سعد الحريري والذي اعتزل العمل السياسي مطلع العام الحالي، تاركاً الساحة خالية لخصمه التاريخي المدعوم من إيران "حزب الله" اللبناني. 

 

اقرأ أيضاً: ما هي رسائل حزب الله في كشف شبكات تجسس إسرائيلية في لبنان؟

ونقلت وكالة "رويترز" عن أوساط سياسية لبنانية قولها إنّ إعلان عون عن الدعم الإيراني فيه رسالة سياسية مباشرة تتعلق بالانتخابات، مشيرة إلى أنّ الرئيس اللبناني وصهره جبران باسيل رئيس حزب "التيار الوطني الحر"، المعروف أيضاً باسم التيار العوني، في حاجة إلى حركة من هذا النوع لتحريك حظوظ الحزب في الانتخابات، خاصة بعد تراجع حضوره في الحاضنة المسيحية، والتقدم الواضح لحزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع على نطاق واسع، ما سيجعله الحزب الأكثر تمثيلاً للمسيحيين.

وترى هذه الأوساط أنّ عون، الذي كان أكثر شخصية تضررت صورته من انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، بات يتمسك بأي بارقة أمل سواء من حليفه حزب الله أو إيران لإنقاذه من الوضع الصعب الذي يمر به سياسياً وشعبياً، كما خسر صورته الخارجية، وأنّه صار على استعداد لامتداح إيران وتبرئة حزب الله من كل المآسي التي سبّبها للبنان.

والتقى أمير عبد اللهيان في لبنان حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وممثلي حركة أمل والفصائل الفلسطينية؛ "الجهاد الإسلامي" و"حماس".

غياب الخليج العربي 

غياب دول الخليج عن لبنان، وبخاصة المملكة العربية السعودية، إلى جانب قرار الحريري باعتزال العمل السياسي، والذي فكّك الكتلة السنّية لصالح حزب الله، كلها أمور تحاول إيران استغلالها لملء الفراغ الذي تركته دول الخليج ولاسيما السعودية لإعادة تقديم نفسها على أنها نصير للبنانيين وداعم لهم في أزماتهم المختلفة باستباق الخطوات الخليجية المختلفة، إلا أنّ تلك العروض والوعود التي قطعتها إيران ليس بالضرورة تنفيذها.

 لم يكد لبنان يحتفل بالأنباء الإيجابية عن عودة العلاقات اللبنانية الخليجية حتى جاءت زيارة عبداللهيان لتلّبد الآفاق

ونقلت وكالة "رويترز" عن مراقبين قولهم: إنّ ما يهم إيران ليس دعم لبنان، وهي مهما فعلت لن تبلغ ما قدمته إليه السعودية، وأنّ هدفها الآن هو استثمار قرار الرياض الذي يقضي بوقف التعامل مع لبنان حتى يحسم السياسيون أمرهم، فإما يظلون في خدمة حزب الله أو يفضلون مصالح لبنان، وهو ما يستدعي إظهار موقف واضح من أنشطة الحزب وهيمنة سلاحه على المشهد اللبناني وخوضه معارك خارجية تجلب المزيد من الأزمات إلى البلاد.

وأشار هؤلاء المراقبون إلى أنّ مقارنة بسيطة بين ما قدمته إيران منذ ظهور حزب الله وتوسع هيمنته وبين ما قدمته السعودية تفضي إلى نتيجة واضحة، رجوح كفة السعودية، وأنّ استمرار غيابهم عن المشهد ستكون له نتائج سلبية كبيرة.

والسعودية هي رابع أكبر أسواق لبنان الخارجية، وغيابها سيعني خسارة استثمارات كبيرة وصلت في العام 2015 إلى ما يقرب من مليار دولار، كما أنّ منع رعاياها من السفر إلى لبنان سيحرم بيروت من تدفق العملات الأجنبية التي هي في أمسّ الحاجة إليها، والتي يصرفها السياح السعوديون في الأسواق اللبنانية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية