العلاقات الجزائرية التونسية: توتر تتلقفه الجهات الرسمية.. إلى أين يمضي؟

العلاقات الجزائرية التونسية: توتر تتلقفه الجهات الرسمية.. إلى أين يمضي؟

العلاقات الجزائرية التونسية: توتر تتلقفه الجهات الرسمية.. إلى أين يمضي؟


13/02/2023

رغم أنّ العلاقات بين تونس والجزائر تمر بأفضل أوضاعها منذ عقود خاصة بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد في 25 تموز (يوليو) 2021 والتي حظيت بدعم وقبول من الجارة الغربية، إلا أنّ تعرّض عدد من التونسيين العائدين من الجزائر للتضييق، من قبل الدرك (الأمن) الجزائري، وإجبارهم على ترك أمتعتهم في المعابر الجزائرية، في طقس شديد البرودة، أثار استياء شديداً لدى التونسيين، الذي تحدّثوا عن تغير المعاملات بين البلدين.

ورغم ميل الجانب التونسي في الآونة الأخيرة لدعم السياسات الجزائرية على حساب دول إقليمية أخرى مثل المغرب، لكن لم يستبعد مراقبون أن يثير ترحيل الناشطة السياسية الجزائرية أميرة بوراوي، من تونس باتجاه فرنسا، كثيراً من التداعيات الدبلوماسية.

تونسيون عالقون في الجزائر

هذا وتناقلت وسائل إعلام تونسية، الجمعة، أخباراً مفادها أنّ هناك عشرات العائلات التونسية العالقة في معبر "ببوش" الحدودي الواقع بين تونس والجزائر، مؤكدين أنّ السلطات الجزائرية منعت قرابة 200 سيارة من العبور إلى الجزائر.

وتحدث مواطنون تونسيون إلى وسائل إعلام محلية تونسية من المعبر الحدودي "ببوش"، أكدوا أنّهم عالقون منذ الخميس الماضي في المعبر بعد أن طلبت منهم السلطات الجزائرية إفراغ بضائعهم ومقتنياتهم سواء من أكل أو لباس وانتظارهم لساعات طويل رغم البرد القارس.

ونقل موقع "تونيزي تيليغراف" عن شاهد عيان "أنّ أكثر من 200 عربة تونسية من مختلف الأحجام ظلت تنتظر منذ ليلة الخميس حتى السبت الإذن لها بدخول الأراضي التونسية، وذلك على مستوى المعبر الحدودي ببوش؛ بسبب إصرار سلطات الحدود الجزائرية على تفريغ كامل الشحنات من المواد وأغلبها غذائية اقتناها تونسيون من المتاجر الجزائرية".

 هناك عشرات العائلات التونسية العالقة في معبر 'ببوش' الحدودي الواقع بين تونس والجزائ

وشدد أحد التونسيين العالقين في المعبر لإذاعة "موزاييك" التونسية، الخميس أنّهم لم يتمكنوا من الدخول رغم البرد القارس، وأنّهم عانوا من صعوبات ومضايقات حتى داخل المدن الجزائرية من قبل الشرطة فيما لم تعلق السلطات الجزائرية على هذه التطورات.

وأوضح آخر، للمصدر ذاته، أنّهم حاولوا في البداية الدخول من معبر "أم الطبول" لكن أجهزة الأمن الجزائرية هناك رفضت ذلك، وأكدت وجود أزمة دبلوماسية بين تونس والجزائر على خلفية ملف الناشطة أميرة بوراوي.

في المقابل دافع مغردون عما حدث من السلطات الجزائرية ومنهم من نقل أوامر الرئيس عبد المجيد تبون، فأكدت مغردة أنّ الرئيس الجزائري أمر بعدم مضايقة التونسيين عند معبر ببوش لتهدئة الأوضاع.

ولم يسبق للسلطات الجزائرية أن شددت من إجراءاتها على المعابر والحدود مع تونس بهذا الشكل رغم قيام الجمارك في الأشهر الأخيرة بمنع تونسيين من إدخال مواد أساسية مدعمة بل وألقت القبض على بعض الأشخاص الذين سعوا إلى تهريب كميات كبيرة من المواد سواء عبر سياراتهم الخاصة أو عبر حافلات سياحية.

الجزائر تتلقف الأزمة وتتهم الصحافة الفرنسية

من جانبه، نفى وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني، إمكانية تأثر العلاقة بين الجزائر وتونس بسبب قضية أميرة بوراوي، وشدد على أنّ "العلاقات الجزائرية- التونسية متينة، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، ولن تزعزعها شطحات إعلامية معلومة الأهداف، لوسائل الإعلام الفرنسية التي لم يرق لها ولا لعرابيها أن تكون الجزائر سيدة قراراتها"، مضيفاً أنّ " لجزائر اختارت أن تكون بجانب تونس بكل ما تحمله الكلمة من معنى".

العلاقات بين تونس والجزائر تمر بأفضل أوضاعها منذ عقود خاصة بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيّد

واتهم عضو الحكومة الجزائرية الإعلام الفرنسي، وقال إنّ قضية الإجلاء غير القانوني للجزائرية أميرة بوراوي، "أسقطت الأقنعة" عن الصحافة الفرنسية التي تقوم بحملة شعواء لمحاولة ضرب الجزائر، داعياً وسائل الإعلام الجزائرية بكل فئاتها، إلى التصدي لكل هذه الحملات القذرة باحترافية ومهنية عاليتين.

وتابع الوزير أنّ أميرة بوراوي كانت تطبق "أجندة لقوى أجنبية معروفة، والدليل على ذلك هو الموقف الفاضح لوسائل الإعلام الفرنسية العمومية التي شنت حملة شعواء على الجزائر، وذلك كما جرت العادة منذ التسعينيات، حيث عملت كل ما في جهدها لإسقاط الدولة الجزائرية آنذاك، واستهدفت بوضوح الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني.

تونس تتكتم

هذا ولم يصدر عن السلطات التونسية، أي رد فعل على ما تعرض له التونسيون من مضايقات غير أنّ الرئيس الجزائري أمر "بعدم إزعاج وعرقلة التونسيين في مراكز العبور الراغبين في الدخول إلى الجزائر"، وذلك وفق ما نقله التلفزيون الجزائري.

نفى وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني، إمكانية تأثر العلاقة بين الجزائر وتونس بسبب قضية أميرة بوراوي

وتباينت مواقف التونسيين بين مندد بممارسات السلطات الجزائرية بحق المواطنين التونسيين الذين لا دخل لهم في المسائل السياسية والدبلوماسية الرسمية بين البلدين، وبين من يرى أنّ وضع تونس الاقتصادي الصعب هو ما دفع التونسيين إلى التبضع من الجزائر، خصوصاً بالنسبة إلى سكان المناطق الحدودية، محملين الدولة التونسية مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد".

الرئيس الجزائري على الخط

وأوضح الوزير في حوار مع الموقع الإخباري المحلي "الجزائر الآن"، رداً على قضية تهريب بوراوي أنّه "بعد المحاولات اليائسة للصحافة الفرنسية لاستغلال قضية العار للهاربة بوراوي لزعزعة العلاقات المتينة والأخوية بين الجزائر وتونس، فإنّ رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون وحرصاً منه على قوة العلاقة بين الشعبين، قرر أن يوجه أمراً بتسهيل عبور المواطنين التونسيين، و عدم عرقلتهم في الدخول إلى الجزائر عبر مراكز الحدود، وبالتالي فإنّ الرئيس تبون أغلق هذا الباب نهائياً".

شهدت العلاقات بين تونس والجزائر فتوراً بعد عام 2011 في زمن حكم الإسلام السياسي (حركة النهضة)

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وصف مراراً نظيره التونسي بالصديق، كما دعمت الجزائر تونس اقتصادياً سواء عبر تقديم هبات وقروض أو كميات من الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء في خضم أزمة اقتصادية تمر بها تونس.

ورغم أنّ الموقف الرسمي الجزائري لم يتعاطَ بسلبية إلى حد الآن مع تونس في الملف، سوى من بعض الإجراءات المشددة على المعابر، لكن السلطات الجزائرية وجهت انتقادات حادة وغير مسبوقة للموقف الفرنسي وصل إلى حد استدعاء السفير الجزائري للتشاور.

من هي أميرة بوراوي؟

وعرفت أميرة بوراوي، وهي في الأصل طبيبة وتبلغ من العمر 46 عاماً، بمشاركتها في عام 2014 بحركة "بركات" ضد ترشح الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رابعة.

وتعدّ بوراوي من وجوه الاحتجاجات الشعبية، المناوئة للحكومة الجزائرية، اشتهرت في الاحتجاجات التي عرفت باسم "الحراك"، ودفعت بالرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، إلى التنحي عن الحكم في 2019، وتحمل بوراوي الجنسية الفرنسية، إلى جانب جنسيتها الجزائرية، وكانت تقدم برنامجاً سياسياً على إذاعة "أم" المعارضة على الانترنت.

وكانت بوراوي أكدت في تصريح "لقناة تي في 5" الفرنسية أنّ "السلطات التونسية سمحت لها بالسفر تحت حراسة أمنية بعد التنسيق مع الجانب الفرنسي، فيما أكدت صحيفة لوموند الفرنسية أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد، "سمح شخصياً بخروج بوراوي عبر مطار قرطاج".

يُذكر أنّ العلاقات التونسية الجزائرية مرت بمحطات عدة، من الفتور زمن حكم الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان منحازاً إلى المعسكر الغربي، بينما كانت الثورة الجزائرية مرتبطة أكثر بالمعسكر الاشتراكي، إلى تحسن نسبي في العلاقات في حكم زين العابدين بن علي، ففتور بعد عام 2011، في زمن حكم الإسلام السياسي (حركة النهضة)، ثم عودة الروح إلى العلاقات الثنائية بعد قرارات 25 تموز (يوليو) 2021.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية