الناشطة نسرين الريش لـ "حفريات": ترحيل السوريين من لبنان حكمٌ بالموت (1-2)

الناشطة نسرين الريش لـ "حفريات": ترحيل السوريين من لبنان حكمٌ بالموت (1-2)


06/08/2022

أجرى الحوار: حامد فتحي

باتت قضية النزوح واللجوء المعلم الأبرز للأزمة السورية، والجانب الأشدّ مأساويةً فيها، بعد أن صارت أعداد النازحين واللاجئين تتصدر الأرقام العالمية، ولا تحتاج قضايا اللجوء والنزوح إلى الحديث عن الجوانب المأساوية فيها؛ فهي في حدّ ذاتها شيء مأساوي؛ أن يضطر الإنسان لترك موطنه وحياته بعد افتقاد أبسط الحقوق الإنسانية وهي الأمن.

وقصة النزوح السوري، منذ تحول الثورة السورية، عام 2011، إلى حرب أهلية بين النظام الحاكم والمعارضة مليئة بالآلام، التي طاردت النازحين في غربتهم، خصوصاً في الدول التي استقبلت أعداداً كبيرة من النازحين، مثل لبنان وتركيا والأردن، فضلاً عن معاناة الهجرة إلى أوروبا.

وبالإضافة إلى ذلك؛ بات النازح واللاجئ السوري مهدداً في غربته، بسبب التضييق والعنصرية اللذين يعاني منهما في بلدان النزوح، وخطط الحكومات لإعادته قسراً إلى الموطن الذي فرّ منه بحثاً عن أبسط مقومات الحياة.

وفي لبنان، الذي يستضيف حوالي 1.5 مليون سوري، بين نازح ولاجئ ومقيم، يتهدّد السوريين خطر الترحيل إلى بلادهم بعد طرح الحكومة اللبنانية خطةً لترحيل 15 ألف نازح شهرياً، اعتماداً على ضمانات قدمها النظام الحاكم، رغم معارضة المنظمات الدولية المعنية بملف اللجوء.

وللوقوف على وضع اللاجئين والنازحين السوريين في لبنان، والتحولات التي عايشها هؤلاء من الترحيب إلى النفور من أكثرية الشعب اللبناني، وموقف حزب الله من النزوح السوري، وتأثير الأزمة الاقتصادية السياسية في لبنان على أوضاع السوريين، حاورت "حفريات" المهندسة السورية، نسرين الريش، رئيسة مجلس إدارة منظمة "جنى وطن" السورية، المعنية بمناصرة قضايا اللاجئين، والتي أسستها منذ النزوح السوري إلى لبنان، عام 2014، وانتقلت معها إلى تركيا عقب اضطرارها مغادرة لبنان، وهي ناشطة في العمل الإغاثي ومناصرة حقوق اللاجئين حين كانت في سوريا ثم في لبنان واليوم في تركيا."

هنا نصّ الحوار

كيف تنظرين إلى الخطة اللبنانية لإعادة 15 ألف سوري شهرياً إلى بلادهم؟

تعود قصة اللجوء السوري إلى لبنان إلى عام 2014، ومرت بمحطات عديدة، وتقلبات ما بين القبول الواسع من اللبنانيين إلى تغير ذلك نحو الرفض، وظهور العنصرية، وخلال هذه المسيرة التي امتدت ثمانية أعوام ظلت شرائح لبنانية داعمة للنازحين السوريين على طول الخطّ، وحتى اليوم.

 لبنان يستضيف حوالي 1.5 مليون سوري، بين نازح ولاجئ ومقيم

والخطة الحكومية اللبنانية لترحيل 15 ألف نازح سوري شهرياً، فيما أسمتها العودة الطوعية، هي في حقيقتها ليست طوعية؛ إذ إنّ سوريا ليست أمنة لعودة النازحين، وهو أمر رصدته منظمتنا بالتعاون مع المنظمات المحلية والدولية العاملة في حقل الإغاثة وقضايا اللجوء، وصدر عنها تقرير بعنوان "أنت ذاهب إلى الموت"، وغير ذلك من التقارير التي رصدت حالات الاعتقال والتعذيب والقتل التي طالت عدداً من العائدين.

وفي لبنان، بات السوريون هم الشماعة التي يعلق عليها الساسة إخفاقهم الذي أوصل البلاد إلى حالة تشبه "الإفلاس"، مما كان له تداعيات على الأفكار الجمعية تجاه السوريين، وتغذت بتحويل الساسة كلّ مشاكل بلدهم إلى الوجود السوري الحالي.

وقبل طرح الخطة الحكومية لترحيل النازحين، وجدت مسألة العودة لدى السوريين أنفسهم حضوراً، بسبب عوامل الدفع والسحب.

ما هي عوامل الدفع والسحب نحو العودة إلى سوريا؟

عوامل الدفع هي التي تتعلق بالواقع اللبناني الذي يدفع السوريين نحو العودة إلى سوريا، وهي العوامل الأساسية وراء عودة مئات السوريين، وعوامل السحب تتعلق بالواقع السوري الذي يجعل النازح يفكر بالعودة، والأخيرة ليست أساسية في عملية العودة، وتقتصر على آمال معلقة على الحديث عن المصالحات.

لن يلتزم النظام السوري بأيّ شيء تجاه العائدين، حتى في تقديم الخدمات العامة، بذريعة لا يفتأ يكررها وهي أنّ العقوبات الدولية هي السبب في الانهيار العام للمؤسسات

عوامل الدفع هي الأهم، ومنها؛ انعدام فرص العمل أمام السوريين سواء بسبب الأزمة الاقتصادية وقوانين العمل اللبنانية التي تطبق عليهم، والأزمة الاقتصادية في لبنان التي لا تختلف كثيراً عن الوضع في سوريا، والحياة داخل مخيمات لا تتيح متطلبات الحياة الإنسانية، والعنصرية التي يتعرض لها السوريون في لبنان خلال الأعوام الأخيرة، ومنها حرق المخيمات وإطلاق الكلاب المتوحشة على المخيمات، وحوادث القتل التي طالت سوريين لأسباب عديدة، منها قتل أصحاب العمل اللبنانيين لعمال طالبوا بدفع أجورهم، وما تتعرض له السوريات من استغلال جنسي من عدد من أصحاب البيوت المؤجرة للسوريين، وكذلك شبكات الدعارة التي تضطر سوريات للدخول فيها لتأمين لقمة العيش لأسرهن، وتواطؤ السلطات مع اللبنانيين في قضايا الاستغلال الجنسي؛ حيث صار التهديد بالسجن أداة لإجبار نساء سوريات على ممارسة الجنس.

عوامل الدفع هي التي تتعلق بالواقع اللبناني الذي يدفع السوريين نحو العودة إلى سوريا

وتزداد المعاناة بعدم قدرة السوريين على اللجوء إلى القضاء لنيل حقوقهم؛ ففي حوادث القتل تُسلم الجثة إلى الأسرة التي تعود إلى سوريا لدفنها، وهناك يصبح رب الأسرة بين خيارين؛ تأمين الحياة للأسرة، أو العودة إلى لبنان لبدء رحلة البحث عن حق ابنه، كما في حالات مرصودة، ولهذا يترك كثيرون حقوقهم أمام صعوبة الحياة وانعدام القدرة، وفوق كلّ ذلك تصبح الحالة النفسية لكثيرين من النازحين غاية في الصعوبة، بما يدفع العشرات نحو الانتحار.

هل رحّلت حكومة لبنان سوريين قسراً؟

نعم، في نيسان (أبريل) عام 2019، صدر قانون بتسليم أيّ سوري يدخل لبنان عن طريق التهريب، إذا لم يكن عليه ملفّ أمني لدى النظام السوري، ومنحت الحكومة اللبنانية تطمينات للنازحين السوريين بعدم ترحيل من دخل قبل صدور القانون، لكن ما حدث أنّ الحكومة استغلت القانون واعتقلت العديد من النازحين، بسبب عدم تجديد الإقامة، دون مراعاة عدم قدرة معظم النازحين على دفع عدة مئات من الدولارات لتجديد الإقامة، وجرى اعتقال العشرات من أماكن العمل، بذريعة تهمّ تتعلق بالإرهاب.

ولأنّ تاريخ تطبيق القانون تزامن مع ظهور جائحة كورونا، فلم تكن المحاكم تعمل، واكتظت السجون بالسوريين لمدة أشهر دون محاكمة، فقامت الحكومة اللبنانية بتسليم عدد كبير منهم إلى الحكومة السورية، لأنّها لم تكن تقدر على محاكمتهم، ولم ترد الإفراج عنهم حتى لا يظلوا في لبنان.

كيف هو التنسيق الأمني اللبناني السوري؟

لم ينقطع التعاون الأمني بين الأنظمة الأمنية في سوريا ولبنان أبداً، سواء عبر المطارات والمعابر، حتى أنّ السلطات الأمنية اللبنانية قامت بملاحقة الناشطين السوريين في لبنان تحت بند التعاون الأمني بين الطرفين، وحتى الخطة اللبنانية لترحيل السوريين تعد أمنية في الأساس.

ومن تبعات هذا التنسيق أنّ عمليات الترحيل لم تنقطع، لكنها لم تتخذ شكلاً منظماً ومتواتراً، مثلما هي الخطة المطروحة اليوم، وقامت السلطات الأمنية في لبنان بترحيل المئات، ومنذ حوالي ستة أعوام لجأت الحكومة إلى إجبار سوريين على التوقيع على أوراق لدى مفوضية شؤون اللاجئين بشأن العودة الطوعية، والحقيقة أنها لم تكن طوعية، بل جاءت نتيجة لعوامل السحب والدفع التي ذكرتها.

ماذا حدث للعائدين إلى سوريا؟

جزء من العائدين تعرضوا للاعتقال، ولم تُجدِ التطمينات اللبنانية السابقة نفعاً. وكان هناك حديث عن عودة طوعية برعاية الأمم المتحدة، تتضمن تقديم إغراءات للعودة، منها؛ منح دراسية، وسلال غذائية، وضمانة المفوضية والأمم المتحدة لأمن اللاجئين، لكن إذا كانت المفوضية والأمم المتحدة لا تستطيع الخروج من مكاتبها في لبنان لمتابعة أحداث العنف ضدّ المخيمات والأحداث المرتبطة بالمخيمات، مثلما حدث من هجوم على مخيمات عرسال، عام 2014، فكيف بها وهي في سوريا، ولهذا جاء موقف المفوضية الرافض للخطة اللبنانية.

ولهذا أرى أنّ الحكومة اللبنانية حين تطرح خطتها لترحيل السوريين تهدف إلى ابتزاز المجتمع الدولي، طلباً للمساعدات، بعد أن تراجع تقديمها خلال الأعوام الأخيرة، وهو أمر يتحمل لبنان مسؤولية عنه.

إذاً، ما الظروف المطلوبة لضمان عودة آمنة؟

حددت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 22 عتبة حماية لا ينبغي أن تكون هناك أيّ جهود نشطة لإعادة اللاجئين السوريين دون تحقيقها، وبالنسبة إليّ هذه العتبات قائمة على فكرة تأمين الحدّ الأدنى من الخدمات، وتجاهل المناخ العام في سوريا الذي لا يوجد فيه أدنى من احترام لحقوق الإنسان بأشكالها كافّة، فضلاً عن غياب الخدمات العامة التي دمرها عدوان النظام والحرب الأهلية.

جزء من العائدين تعرضوا للاعتقال

ولهذا، فلا عودة آمنة إلى سوريا قبل حلّ سياسي شامل، وقتها تُطرح مسألة عودة النازحين واللاجئين، وإلا، حتى مع وجود عتبات الحماية الـ 22، لن يلتزم النظام السوري بأيّ شيء، حتى في تقديم الخدمات العامة، بذريعة لا يفتأ يكررها وهي أنّ العقوبات الدولية هي السبب في الانهيار العام للمؤسسات.

بالعودة إلى طرح الحكومة وجزء واسع من الشعب في لبنان أنّ السوريين مسؤولون عن الانهيار الاقتصادي؛ كيف تقيّمين الدعم الدولي للنازحين السوريين في لبنان؟

هذا موضوع طويل، متعدد الأبعاد، منذ النزوح السوري إلى عرسال في 2014 حتى اليوم؛ بدايةً هناك عدة حقائق حول هذا الموضوع؛ وهي أنّه ممنوع ترخيص جمعيات سورية في لبنان، ولهذا كانت الإغاثة الدولية تصل إلى خمس جمعيات لبنانية، ثم تقوم هذه الجمعيات بتوزيعها على السوريين، والمنظمات السورية العاملة في لبنان مقراتها وتصاريحها في دول أخرى، وحتى لو أراد سوريون إنشاء منظمة أو جمعية إغاثية لا بدّ من أن تكون الأوراق الرسمية باسم لبنانيين، والجمعيات بهذا الشكل قليلة.

وحين نزحتُ إلى عرسال، عام 2014، وجدت من سبقوني دون أيّ دعم من الأمم المتحدة، والتي لم تتدخل إلا بعد عدة شهور، وتنوعت مصادر الدعم للسوريين في لبنان؛ جزء منها جمعته منظمات سورية من الدول الخليجية، والدور الإغاثي للمنظمات الدولية، والأموال التي حصل عليها لبنان من الدول المانحة، وتحويلات المغتربين السوريين في أوروبا والخليج وتركيا إلى أسرهم وعائلاتهم في لبنان، وبالطبع الدعم الدولي ضعف خلال الفترة الأخيرة، وكانت المنظومة اللبنانية، بكلّ ما فيها من فساد، حاضرة في عملية إدارة هذا الدعم.

ألا يشكّل النازحون السوريون عبئاً على الاقتصاد اللبناني؟

لم يشكّلوا عبئاً؛ لم تصرف الحكومة اللبنانية عليهم، كانت مصادر دخلهم متعددة؛ إما من أموالهم، أو العمل، وأذكر مثلاً أنني وجدت السوريين في عرسال يعملون في المحاجر، وهو عمل مرهق وشاق جداً، وكانت أجورهم لا تتعدى 10 دولارات في اليوم، وبعضهم لم يكونوا يحصلون على كامل أجورهم، وبعض العمال تعرضوا لإصابات عمل، وآخرون ماتوا جراء كوارث في العمل، وفي كلّ مكان تجد السوري يعمل في البناء والزراعة، وبعضهم افتتحوا مشاريع صغيرة، وآخرون حققوا نجاحات.

وأبداً لم يكن السوري عبئاً، وأستشهد بالنساء اللاتي عملت كثيرات منهنّ في مجالات الحياكة وغير ذلك، حتى أموال الإغاثة التي جاءت من جهات مانحة متعددة كانت تأتي على اسمهن ويصرفنها في لبنان.

تتفاقم العنصرية التي يتعرض لها السوريون في لبنان خلال الأعوام الأخيرة، ومنها حرق المخيمات وإطلاق الكلاب المتوحشة على المخيمات، وحوادث القتل التي طالت سوريين لأسباب عديدة

حتى المعتقلين السوريين لم تكن الدولة اللبنانية تصرف عليهم شيئاً، كانت وجبات الطعام تأتيهم من منظمات إغاثية.

أما حديث الساسة في لبنان عن استنزاف الخدمات من قبل النازحين فهذا افتراء، ولنأخذ قطاع الصحة على سبيل المثال؛ كانت الأمم المتحدة تغطي 75% من تكاليف العلاج وبعض العمليات الجراحية للاجئين في المستشفيات الخاصة والعامة، ويدفع السوري 25%، فماذا حدث؟

رفعت المستشفيات اللبنانية الأسعار بشكل كبير جداً لتحصل على أموال طائلة من الأمم المتحدة، واضطر السوري إلى دفع الغالي والنفيس من أجل أبسط الخدمات الطبية جراء ذلك؛ فمثلاً عملية "لوز" بسيطة كانت تكلف 4 آلاف دولار، وعملية الولادة تكلّف ألفيْ دولار، أما عن تعامل المشافي اللبنانية مع اللاجئين السوريين فهو في غاية السوء؛ كانت الجثث تحجز لحين دفع المستحقات، وتكلفة الليلة 650 دولار، ونساء ولدن على باب المشافي لأنهن لم يمتلكن المال.

وبخصوص السكن، إذا وضع السوري خيمة كان يدفع إيجاراً مقابلها، وليحصل على الكهرباء دفع رسوم توصيل الخدمة، ودفع فواتير الاستهلاك مثل اللبنانيين، فضلاً عن الدعم الدولي للحكومة اللبنانية في قطاع المرافق العامة، ووصل الأمر بها أن تطلب دعماً لكلّ شيء باسم السوري، مثلاً سفلتة طريق، لأنّ النازحين يمرون عليه، وهكذا. لكن ما لم تذكره الحكومة اللبنانية هو تعرض الدعم للفساد.

يتبع جزء ثانٍ



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية