الهجوم الانتحاري في أنقرة.. هل ينهي عسكرة الملف الكردي بتركيا؟

الهجوم الانتحاري في أنقرة.. هل ينهي عسكرة الملف الكردي بتركيا؟

الهجوم الانتحاري في أنقرة.. هل ينهي عسكرة الملف الكردي بتركيا؟


04/10/2023

لم يكن الهجوم الانتحاري الذي تبنّاه حزب العمال الكردستاني، في مديرية الأمن التابعة لوزارة الداخلية في العاصمة التركية أنقرة، سوى جزء من سلسلة الصراع الممتد بين الطرفين، والذي يعود إلى (4) عقود، بلغت ذروتها في تسعينيات القرن الماضي. ومع استمرار الجانب التركي في قصف المناطق الكردية بشمالي سوريا والعراق، فإنّ الهجوم الأخير يؤشر إلى تفجر الصراع كردّ فعل على الضغوط التركية المتواصلة والعنيفة. 

الحزب الكردي الذي تأسس في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، بخلفية يسارية (ماركسية لينينية)، خاض صراعاً مسلحاً ضدّ تركيا، وبينما يلحّ بشأن الحقوق الثقافية والتاريخية والاجتماعية لأكراد تركيا، والبالغ عددهم نحو (15) مليون نسمة، يعاني الأكراد في تركيا من قمع بالغ طاول هوياتهم وثقافتهم، وفق تقارير حقوقية ورسمية غربية وأمريكية. وقد أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الممارسات بحق أكراد تركيا، وصدور أحكام بالإعدامات الجماعية للمدنيين الأكراد، ثم التعذيب، والتهجير القسري، فضلاً عن تدمير القرى. 

هذه الصورة، أو بالأحرى العلاقة المحتدمة بين الطرفين، لا تجعل دائرة العنف تهدأ بشكل مستمر، حيث إنّ فرص اندلاع المواجهات تظل قائمة. فالملف الكردي ورقة سياسية وانتهازية، يستخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لصالح تحقيق أغراض تتعلق بالاستحقاقات الانتخابية، أو ابتزاز أطراف إقليمية ودولية. كما أنّ الحلول الأمنية والقمعية لن تؤدي إلّا لمزيد من المواجهات المتفلتة أمنياً وعسكرياً. فالهجوم الذي حصل على وزارة الداخلية التركية، كان بالقرب من محيط مقر البرلمان، وكان ذلك بالتزامن مع حضور أردوغان للبرلمان، حيث قال في الجلسة الافتتاحية: إنّ "التنظيمات الإرهابية لن تستطيع منعنا من السير باتجاه أهدافنا".

ردّ فعل انتقامي

حلّقت الطائرات التركية بعد الحادث، وباشرت تنفيذ قصف جوي في قرى بمرتفعات جبل قنديل، الذي تتواجد فيه قيادات وعناصر حزب العمال الكردستاني، كما نفذت قوات الأمن التركية حملة قصوى في (26) منطقة بمدينتي إسطنبول وكيركلاري، عقب التفجير الانتحاري. ووفق وسائل الإعلام التركية، جرى اعتقال (20) كردياً على الأقل في المدينتين؛ منهم أعضاء في حزب "اليسار الأخضر"، المؤيد للأكراد، والذي كان يعرف في السابق بـ "الشعوب الديمقراطي".

 الهجوم الأخير يؤشر إلى تفجر الصراع كردّ فعل على الضغوط التركية المتواصلة والعنيفة

إنّ الخطاب السياسي القائم على الكراهية تجاه الأكراد، الذي يقلص من حقوقهم المواطنية، فضلاً عن عسكرة وأمننة الملف الكردي بدلاً من الانفتاح السياسي عليه، سيجعل الأطراف جميعها على الحافة وفي المواجهة والصدام. وقد سبق للمحكمة الدستورية التركية الموافقة على لائحة اتهام بحق ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان، لمجرد دعمه للأكراد، واتهمته بوجود صلات بينه وبين حزب العمال. بالتالي يصبح الكردي أو داعموه في خطاب الحكومة الرسمي متهماً بالضرورة، بل جزءاً من المنظمة المسلحة التي تتهمها تركيا بـ "الإرهاب" وتعتبرها مهددة لـ "أمنها القومي".

الحزب الكردي الذي تأسس في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، بخلفية يسارية (ماركسية لينينية)، خاض صراعاً مسلحاً ضدّ تركيا

إذاً، يجب القول إنّ حدوث مثل هذه العملية "ثغرة أمنية" مهمة، حسبما يوضح الباحث التركي والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط إسلام أوزكان، خاصّة إذا كانت الادعاءات التي تم نشرها في وسائل الإعلام التركية، بأنّ الجناة قتلوا شخصاً في مدينة قيصري وسرقوا سيارته، ثم قطعوا مسافة تقارب (400) كيلومتر دون أيّ عراقيل حتى وصلوا إلى أنقرة، صحيحة. وعليه، فإنّ هذا كله "سوف يعزز بشكل كبير المزاعم المتعلقة بثغرة الأمن. فالحكومة التي تدّعي أنّها قضت على تنظيم حزب العمال الكردستاني، كيف ستبرر هذا العمل المعقد الذي تم تنفيذه في قلب العاصمة؟".

ويقول الباحث التركي إسلام أوزكان لـ (حفريات): إنّ إمكانيّة وصول هؤلاء الأشخاص إلى مكان قريب جداً من مبنى وزارة الداخلية، حيث تمّ اتخاذ أقصى التدابير الأمنية هي "فضيحة" أيضاً. وهنا تبرز نقطتان: الإهمال، أو وجود أشخاص داخل قوات الأمن يسهلون مهمة الجناة. ليس لدينا أيّ دلائل مؤكدة بشأن وجود مثل هؤلاء الأشخاص حتى الآن. وفي الوقت نفسه، وحتى كتابة هذه السطور، تؤكد الأخبار أنّ منظمة مسلحة تُسمّى "وحدة الخالدين"، المرتبطة بـ (حزب العمال)، مسؤولة عن هذه العملية. ويتابع أوزكان: "حتى إذا تمّ تنفيذ هذا العمل بوساطة التنظيم الكردي فعلاً، فإنّه ينبغي عدم تجاهل احتمال التلاعب بنتائج العملية، واحتمال استخدام الأطراف المتصارعة لها كورقة في تصفية حسابات داخلية. ومن الناحية الأخرى، فإنّ عمليات التنظيم الكردي في العامين الأخيرين تثير شكوكاً، حيث إنّ العمل الذي نفذوه في مدينة مرسين قبل الانتخابات الأخيرة، أثار انطباعاً بأنّه يهدف إلى إضعاف المعارضة، وبالتالي دعم الحكومة لأنّها تخدم المصالحة السياسية للحكام في البلاد".

تداعيات التطهير الأمني

من الناحية الزمنية، هناك دلالة لافتة، تتمثل في العمليات الأمنية التي قامت بها قوات الأمن بعد تولي وزير الداخلية علي يرلي قايا منصبه، ضدّ "مكونات مافيوية"، ترتبط بوزير الداخلية السابق سليمان صويلو. ويثير توقيت هذا العمل انتباهاً كبيراً، حيث يأتي مباشرة بعد العمليات المذكورة أعلاه. في هذه الأيام تشهد وزارة الداخلية عملية تطهير كبيرة في صفوفها، حيث يتم إبعاد العناصر المقربة من وزير الداخلية السابق صويلو من قوات الشرطة. توقيت هذا العمل يجعل من الصعب تجاهل احتمال تصميم العملية، بحيث تخدم أهداف "الأطراف المتصارعة، حتى إذا لم يكن تمّ تنفيذها من قبل الأطراف الداخلية"، كما يقول أوزكان لـ (حفريات).

أخيراً، هناك قلق واسع في الرأي العام، من أنّ هذا العمل قد يؤدي إلى مزيد من تقييد الحريات في تركيا، حيث تزداد انتهاكات حقوق الإنسان تدريجياً، بحسب الباحث التركي المختص بشؤون الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، عدم وجود أعمال مسلحة في تركيا منذ فترة طويلة، تزيد من الشكوك والأسئلة بشأن هذه العمليات الارهابية، التي ليس لها أيّ خلفية وأهداف واضحة، ولا يُعرف من تخدم.

احتمالات تمرير الهجوم

الحزب الكردي ينفذ هجمات بين الحين والآخر ضد حزب العدالة والتنمية، إلا أنّه نادراً ما يجد ثغرات أمنية لتنفيذ مخططاته، وذلك رداً على الهجمات والانتهاكات التركية المستمرة ضدّه. لكنّ المثير في هذا الأمر هو أنّ تركيا وكأنّها تعمدت فتح ثغرات أمنية في أوقات حساسة، ولصالح حزب العدالة والتنمية، كما يبدو وفق خبراء ومراقبين، مثل الهجوم الذي حدث أمام مبنى وزارة الداخلية التركية مطلع الشهر الحالي، حيث يهدف أردوغان إلى كسب أكبر عدد ممكن من الأصوات في انتخابات البلدية المقبلة في آذار (مارس) 2024.

وثمّة سوابق عديدة لذلك، منها الهجوم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، الذي أسفر عن مقتل (6) أشخاص وإصابة (81) آخرين، ولم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عنه، لكنّ الحكومة التركية اتهمت حزب العمال الكردستاني. وتزامن ذلك الهجوم مع إعلان تركيا تهديداتها المتكررة بشن حملة عسكرية في شمال شرق سوريا، وتحديداً المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية. لكنّها لم تحظَ بقبول من الأطراف الدولية، فضلاً عن رغبة الرئيس التركي في تصدير أزماته بهذه الحرب الجديدة، وخلق استقطاب جديد لكسب الرأي العام التركي، قبل الانتخابات الرئاسية، وقتذاك، في أيّار (مايو) 2023.

إسلام أوزكان: إمكانيّة وصول هؤلاء الأشخاص إلى مكان قريب جداً من مبنى وزارة الداخلية، حيث تمّ اتخاذ أقصى التدابير الأمنية، هي فضيحة

ونتيجة لهذا، واصلت تركيا، بعد فشل مخططها بشن حملة في شمال سوريا، التضييق على السوريين في تركيا، فاعتقلت نحو (46) شخصاً، من بينهم امرأة سورية اتهمتها بأنّها زرعت العبوة الناسفة. على الرغم من أنّ الحزب الكُردي يتبنّى كل الهجمات التي ينفذها. لكن كانت هناك حاجة ملحة لتوظيف الحادث لصالح عدة قضايا في الاستقطاب الانتخابي، وعلى رأسها ملف اللاجئين السوريين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية