بعد حرقه للمصحف... هل قدم (موميكا) للإسلام السياسي فرصة لإعادة استثمار الدين؟

بعد حرقه للمصحف الشريف... هل قدم (موميكا) فرصة للإسلام السياسي في استثمار الدين لصالحه؟

بعد حرقه للمصحف... هل قدم (موميكا) للإسلام السياسي فرصة لإعادة استثمار الدين؟


25/07/2023

يبدو أنّ إيقاعات المشهد السياسي العراقي تسير على أنغام فعاليات لاجئ متعصب في السويد، يُدعى سلوان موميكا. إذ يقوم الأخير بإرباك الدولة العراقية، في كل مرة يقوم فيها بعملية حرق نسخة من المصحف الشريف، فضلاً عن علم بلاده في المنفى الذي يقطن فيه. ردود الأفعال السريعة والغاضبة من أعلى هرم في السلطة العراقية، وصولاً إلى الزعامات السياسية المتناكفة، تؤشر إلى حاجة قادة النظام العراقي إلى التعبئة الاجتماعية، واستمالة العواطف الدينية المتأججة من السلوكيات المتطرفة لموميكا، لصالحها.

وتبدأ حدة المزايدات العقائدية داخل المكون المذهبي الواحد، لتصل إلى المكون الديني الأوحد، واضطرار سائر الطوائف الدينية "المسالمة" إلى إعلان التضامن، والبراءة بشكل مبالغ، في إثبات أنّها تدور في فلك الهوية العقائدية للحاكمين. وبدأت أولى المزيدات بين الطرفين العقائدييَّن الشيعييَّن (التيار الصدري)، و(الإطار التنسيقي)، فقد اغتنم الطرف الأول فرصة إحراق اللاجئ المتعصب نسخة من المصحف الشريف، أول مرة في بداية تموز (يوليو) الحالي، للعودة إلى المشهد السياسي والجماهيري، وذلك بعد اعتزال زعيم التيار مقتدى الصدر العملية السياسية قبل أكثر من عام، احتجاجاً على عدم إناطة كتلته الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، حيث صعّد (التيار الصدري) من خطابه الديني العقائدي عبر منصاته الإعلامية، داعياً إلى التظاهر السلمي أمام مبنى السفارة السويدية في بغداد.

وخشية أن يتصدر الزعيم الشيعي الشاب المشهد الديني والسياسي من جديد، نشّط تكتل (الإطار التنسيقي)، المقرّب من إيران، تحركاته الإعلامية والشعبية عبر الشجب والاستنكار، والتظاهر  في شوارع بغداد، وبعض المحافظات الجنوبية، من أجل معادلة كفة "الحرص العقائدي" مع الصدر، وإشعار الشارع المحلي بأنّه في أوج الدفاع عن مشاعره الدينية.

رئيس الحكومة العراقية يأمر بطرد السفيرة السويدية من بغداد وسحب القائم بالأعمال العراقية من السويد

ويتواصل التصعيد الإعلامي، بعد أن يُقدّم سلوان موميكا هديةً لقوى الإسلام السياسي، عبر قيامه بحرق نسخة من المصحف الشريف، وعلم بلاده العراق، للمرة الثانية خلال شهر تموز (يوليو) الجاري، الأمر الذي جعل (التيار الصدري) يعبّئ أنصاره منذ لحظة إعطاء السلطات السويدية الموافقة للّاجئ المتعصب على التظاهر أمام مبنى السفارة العراقية في مدينة ستوكهولم، حيث اقتحم الصدريون فجر اليوم نفسه مبنى السفارة السويدية ببغداد، وقاموا بحرقها. وقد جابه (الإطار التنسيقي) الفعاليات الصدرية بإصدار سلسلة تعليمات للحكومة العراقية، أبرزها طرد السفيرة السويدية من البلاد، وسحب القائم بالأعمال العراقية من السويد، مع حملة إعلامية تستنهض المشاعر الدينية في العالم الإسلامي.

المحور السياسي السنّي أخذ يسابق الإسلاميين الشيعة في "نصرة القرآن الكريم" وردّ "اعتبار العلم العراقي"، فقد علا صوت "الحزب الإسلامي العراقي"، الذي كان خافتاً بعد خساراته المتوالية في آخر (3) مواسم انتخابية، بالتنديد والوعيد للفاعل

ويبدو أنّ الصدريين أرادوا تأكيد أنّهم أكثر عقائدية من "الإطاريين"، حينما شرعوا باقتحام المنطقة الرئاسية الخضراء (حيث تتواجد البعثات الدولية)، وأنزلوا أرتالَ جناحهم المسلح (سرايا السلام) إلى شوارع بغداد والبصرة، ووقفوا على أعتاب المنطقة الرئاسية، في محاولة لإحراج واستفزاز الحكومة المحسوبة على قوى (الإطار التنسيقي). في الوقت الذي أدانت فيه أمريكا، ودول عدة، عملية حرق السفارة السويدية في بغداد، وعدّوا ما حصل انتهاكاً للأعراف الدبلوماسية بشكلٍ عام، وهو ما دفع قادة (الإطار التنسيقي) إلى تبنّي خطاب يؤكد على ضرورة تغليب مصلحة الدولة على المشاعر العاطفية الدينية، وعدم الانجرار خلف العنف. خطاب موجه إلى الخارج أكثر منه إلى الداخل، من أجل الحفاظ على المكاسب الدولية المتحققة لحكومة محمد شياع السوداني، وكذلك تبرأ الائتلاف السياسي للحكومة من العمليات "العبثية" لخصومهم في (التيار الصدري).

المفارقة في الأمر أنّ المحور السياسي السنّي، بشقيه الإسلامي والقومي، أخذ يسابق الإسلاميين الشيعة في "نصرة القرآن الكريم"، وردّ "اعتبار العلم العراقي"، حيث علا صوت "الحزب الإسلامي العراقي"، الذي كان خافتاً بعد خساراته المتوالية في آخر (3) مواسم انتخابية، بالتنديد والوعيد من الفاعل، وراح رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بالتعاون، مع حليفه الشيخ خميس الخنجر، يدعم إجراءات الحكومة في طرد السفيرة السويدية، وإصدار بيان نيابي رئاسي، يؤكد موقف السلطة التشريعية العراقية إلى جانب السلطة التنفيذية.

حرق مقر السفارة السويدية في بغداد من قبل أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر

ارتفاع بورصة المزايدات الدينية بين القيادات الإسلامية دفع الطوائف الدينية الأخرى، أمثال المسيحيين، والصابئة المندائيين، والايزيديين، إلى تبنّي خطاب إعلامي شديد اللهجة، يستنكر فعل الحرق الذي طال الكتاب المقدّس للمسلمين. علماً أنّ الخطاب الإعلامي للأقليات الدينية في العراق كان أكثر شدةً من الخطاب الإعلامي للمؤسستين الدينيتين الشيعية والسنّية. وكانت نبرة الألم واضحة في الخطابين الاستنكاريين لكلتا المؤسستين المسلمتين، إلا أنّ خطاب الأقليات الدينية الأخرى سادت فيه لغة التبرئة من الحارق للمصحف الشريف، على وجه خاص، والتنديد بعملية حرق العلم العراقي، على وجه عام، لا سيّما أنّ الفاعل ينتمي مجتمعياً إلى الطائفة المسيحية، بعد أن أعلن موقفه اللّاديني، في المقاطع التي عرضت عملية حرق المصحف الشريف والعلم العراقي، على منصات التواصل الاجتماعي المحلي.

الإطار التنسيقي رفض حرق الصدريين للسفارة السويدية، ودعا إلى ضرورة تغليب مصلحة الدولة على المشاعر العاطفية الدينية، وعدم الانجرار خلف العنف

 خطاب الأقليات الدينية في العراق، الذي كان شديد الاستنكار من الفعل الأخير، أكد أنّ تلك الأقليات كانت تتقصد التصعيد الإعلامي بموازاة التصعيد الآخر لقوى الإسلامي السياسي بشقيّه الشيعي والسنّي، وذلك من أجل المحافظة على سلامة أبنائها المقيمين في البلاد التي يزدهر فيها الاستعراض الديني المسلح.

مواضيع ذات صلة:

السلطات العراقية تضيق الخناق على اللاجئين السوريين... ما الجديد؟

كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى سوريا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية