بعد صعودهم إلى السلطة... كيف خرج "إخوان العراق" منها؟ وما دور البعثيين في إزاحتهم عن منصات الاعتصام؟

 بعد صعودهم إلى السلطة... كيف خرج "إخوان العراق" منها؟ وما دور البعثيين في إزاحتهم عن منصات الاعتصام؟

بعد صعودهم إلى السلطة... كيف خرج "إخوان العراق" منها؟ وما دور البعثيين في إزاحتهم عن منصات الاعتصام؟


03/08/2023

تحاول أغلب القوى الحاكمة التي شكلت النظام السياسي في العراق، بعد نيسان (أبريل) 2003 أن تثبت وجودها في المساحات الاجتماعية المؤيدة لها، تارةً بفعل العقيدة المذهبية والقومية، وتارةً وفق مبدأ الزبائنية السياسية الرائجة في البلاد، لذا  دائماً ما تترجم القوى الحاكمة حضورها عبر السباق الانتخابي، أو التحشيد الجماهيري، حينما تتعرّض لأزمة جانبية  مفتعلة من قبل المنافسين أو الخصوم.

المفارقة التي تكمن في الخارطة السياسية المعتمدة منذ (13) عاماً هي غياب جماعة الإخوان المسلمين عن المشهدين الاجتماعي والسياسي، رغم أنّهم من المؤسسين الأوائل، مع حلفائهم السياسيين من الشيعة والكرد، للنظام القائم في العراق. حيث يتعرّض رصيد جماعة الإخوان مع كل موسم انتخابي جديد إلى القضم، وصولاً إلى فقدانهم كل مناصب السنّة العرب، في الدولة العراقية، لصالح منافسيهم الآخرين من المكوّن ذاته. ما السبب الذي يجعل البراغماتية الإخوانية تفقد حضورها الرسمي في مرافق الدولة، وأفول نجمها السياسي في سماء الساحة السياسية السنّية من جديد؟

الجدير بالذكر أنّ الإخوان المسلمين، عبر ممثلهم (الحزب الإسلامي العراقي)، كانوا قد شاركوا في مجلس الحكم الانتقالي، غداة الاحتلال الأمريكي للعراق، وشغلوا أغلب المناصب الرئاسية والوزارية والنيابية الخاصة بالمكون السنّي، وقد قاطع أغلب أبناء المكوّن من جمهور وقيادات وزعامات بداية تشكيل العملية السياسية الجديدة حينذاك، ممّا جعل (الحزب الإسلامي العراقي) يستفرد بالقرار السنّي لغاية العام 2010، الذي شكّل موسمه الانتخابي صدمةً لجماعة الإخوان المسلمين، بعد هيمنة القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي على صوت الناخب السنّي، وظفرها بـ (91) مقعداً، وهو ما جعل مقاعد الإخوان تتراجع إلى (7)، بعدما كانت تقترب من الـ (40). ثم توالت الهزائم الانتخابية إلى حدّ نيل الجماعة الإخوانية مقعدين أو (3) في كل اقتراع تشريعي.

 كيف خسر الإخوان أرضيتهم؟

تهيمن العلمانية السياسية على المزاج السياسي للمجتمع السنّي في العراق، وتتأتى هذا الهيمنة بُعيد سيطرة الشخصيات المدنية على مقاليد الحكم منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، حيث دائماً ما يؤيد السنّة العرب قادة الأنظمة السياسية التي تتوالى على الحكم، ممّا جعل الوعي السياسي لأبناء السنّة ينشطر بين تياري (الحركة القومية) و(حزب البعث العربي الاشتراكي)، والتياران كلاهما علمانيان، مع حضور نسبي ضعيف للحركات الإسلامية، بشقيها السلفي والإخواني.

رئيس الوقف السني السابق أحمد عبدالغفور السامرائي

حاولت جماعة الإخوان المسلمين عبر ممثلها (الحزب الإسلامي العراقي) أن تخلق أرضية لها في الساحة السنّية الناقمة على تغيير نظام صدام حسين على يد القوات الأمريكية وحلفائها الغربيين، وتمكن الحزب الذي شارك القوى المعارضة العراقية السلطة الجديدة من كسب تأييد الشيعة والكرد، وهو ما جعله يهيمن على مجمل المناصب المخصصة للمكون السنّي في تلك السلطة.

حاول الإخوان أن يجدوا لهم موقع قدم في الشارع السنّي المعارض، علماً أنّهم متهمون بالانحياز لصالح السلطة التي يرفضها أبناء المناطق الغربية، لذا عمدوا إلى وضع قدم في السلطة، وأخرى في المعارضة.

كانت الجماعة الإخوانية تحاول أن تكسر العناد الاجتماعي السنّي تجاه النظام السياسي، عبر إغراء أبناء المكوّن بالتعيينات والوظائف والحضور السياسي، لكنّ الإسلاميين السنّة وقعوا في مطب الحزبية كشرط في نيل الوظيفة، أو النجاة من المتابعة الأمنية في حال كان الفرد منتمياً للتنظيمات الإرهابية أو البعثية المحظورة. وفي أوج الصراع بين رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، وزعامات سنّية قومية وليبرالية، حاول الإخوان أن يجدوا لهم موقع قدم في الشارع السنّي المعارض، علماً أنّهم متهمون بالانحياز لصالح السلطة التي يرفض أبناء المناطق الغربية الاعتراف بها. لذا عمد (الحزب الإسلامي العراقي) على وضع قدم في السلطة، وأخرى في المعارضة، كمحاولة براغماتية لعلها تكسب العاطفة السنّية الغاضبة، ولكن ماذا حدث؟ وكيف كانت النتائج؟  

 ساحات الاعتصام

سعى الحزب الإسلامي العراقي إلى ركوب موجة الاحتجاجات السنّية (2012-2013)، التي انطلقت في المحافظات الـ (6) التي يقطنها أبناء المكوّن ضد حكومة نوري المالكي، وأعلنت قيادات الحزب تبنّيها لمطالب المظلومية السنّية من الحكومة التي وصفت بـ "الطائفية". إلا أنّ المسار الإخواني في التأسيس لحضور جماهيري له داخل الاجتماع السنّي المعارض، اصطدم فيما بعد بالمحركات الميدانية للتيارات القومية والبعثية، فضلاً عن تنظيم القاعدة، ممّا أدى إلى سحب البساط من تحته، وخروجهِ من السلطة والمعارضة معاً.

يكتب ياسين مجيد، نائب ومستشار حكومي سابق، عن دور (الحزب الإسلامي العراقي) في التأسيس لساحات الاعتصام المعارضة ضد حكم المالكي، ولا سيّما في محافظتي الأنبار ونينوى، ويكشف عبر مؤلفه الذي حمل عنوان "الـ (8) الصعبة"، إصدار دار المعارف اللبنانية، عام 2023، كيف أنّ جماعة الإخوان المسلمين سعت لإثبات حضورها في الأوساط الاجتماعية السنّية، وقيادة تظاهراتهم التي انتهت إلى قيادة أخرى محسوبة على البعثيين والقوميين والقاعدة.

ياسين مجيد: بعد تصدّر تنظيم القاعدة للمشهد في الرمادي، انقلبت كفة قيادة التظاهرات في الموصل من الحزب الإسلامي وجماعة الإخوان إلى جيش النقشبندية الذي يُعدّ الجناح العسكري لحزب البعث.

يقول في الفصل المعنون بـ "الأخطاء القاتلة": إنّ "الحزب الإسلامي ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين، يُعدّان المحرك الأساس للاعتصامات في بداية انطلاقتها، قبل أن تنتقل قيادتها إلى تنظيم القاعدة والفصائل المسلحة التابعة لحزب البعث، وقد وفّر ديوان الوقف السنّي الذي يمتلك إمكانيات مادية هائلة، وآلاف الخطباء، والمشايخ الذين يعملون موظفين رسميين في الهيئة، دعماً شرعياً ومادياً ولوجستياً استثنائياً للتظاهرات".

 ويضيف أنّ "شخصيات معروفة بانتمائها لجماعة الإخوان المسلمين ترأست هيئة الوقف السنّي، مثل: عدنان الدليمي الذي ترأس جبهة التوافق في الدورة الأولى لمجلس النواب، وأحمد عبد الغفور السامرائي"، مشيراً إلى "تصدر الشخصيات السياسية والدينية والعشائرية، التي ترتبط بعلاقة وثيقة بالحزب الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين، منصات الاعتصام"، التي انطلقت في ذلك الوقت. 

الإخوان خارج الموضوع

ويلفت الكاتب النظر إلى امتيازات (الحزب الإسلامي العراقي) داخل النظام السياسي، والحكومة تحديداً، في الوقت الذي كان فيه أبناء السنّة العرب خارج معادلة الحكم التي رفضوها منذ البداية.

رئيس مجلس شورى الحزب الإسلامي إياد السامرائي كان قد تولى منصب رئاسة البرلمان العراقي ممثلاً عن السنة العرب

ويشير إلى "جانب ديوان الوقف السنّي الذي ظل حكراً على الإخوان خلال (10) أعوام إلى حين سحب المالكي يد أحمد السامرائي عام 2013 بتهم الفساد، وشغل قادة الحزب الإسلامي جميع المناصب العليا في مؤسسات الدولة من حصة المكوّن السنّي، التي ساهمت في تعاظم نفوذ الإخوان والحزب الإسلامي العراقي الذي احتكر الدرجات الوظيفية على أعضائه ومؤيديه الذين يتوزعون على شرائح وقطاعات واسعة في الطائفة السنّية"، مبيناً أن السلطة في المحافظات السنّية "كانت مرتكزة بيد قيادات الحزب الإسلامي".

ويشرع الكاتب في كيفية تأسيس الإخوان للجان إدارية تدير الاحتجاج السنّي نهاية 2012، حيث شكلوا لجنة مركزية في محافظة الأنبار، وبموازاتها "تشكلت لجنة مماثلة في الموصل للإشراف على التظاهرات، وتولى رئاسة لجنة الموصل العميد المتقاعد كنعان بشير، وهو عضو سابق في جماعة الإخوان، كما انضم إلى اللجنة  مدير الوقف السنّي في الموصل الشيخ أبو بكر كنعان، وهو ابن العميد كنعان، ومدير الوقف السنّي السابق صالح الأصيفر، وعضو مجلس محافظة نينوى حسام العبار، وهو عضو الحزب الإسلامي، ويرتبط بعلاقة قوية مع القاعدة، وعضو الحزب الإسلامي حسن العلاف الذي أصبح نائباً عن محافظة نينوى".

ويضيف: "خلال الشهر الأول من الاحتجاجات، التي كان يقودها كنعان بشير، كانت مشاركة حزب البعث، وجيش النقشبندية، ضعيفة بالمقارنة مع الإخوان والحزب الإسلامي اللذين استعانا، كما في الأنبار، بخطباء وأئمة المساجد".

وعن كيفية سحب البساط الاحتجاجي من جماعة الإخوان، ذكر مجيد :"كما في جميع الأزمات، دخل حزب البعث على خط الأزمة الجديدة، بعد أن أصبح شريكاً فاعلاً في إدارتها من خلال (اللجنة المركزية)، فقد وجد في التظاهرات فرصة سياسية ذهبية لا تعوّض؛ فبعد تداخل خنادق "الأصدقاء والخصوم" في ساحات الاعتصام، لم يعد أعضاء حزب البعث، من مدنيين وعسكريين وأمنيين، يواجهون أيّ حرج في الاتصال بالشخصيات الدينية والسياسية، التي تتبوأ مناصب حكومية في بغداد والرمادي"، مشيراً إلى أنّه "في مقابل تصدّر تنظيم القاعدة للمشهد في الرمادي، انقلبت كفة قيادة التظاهرات في الموصل من الحزب الإسلامي وجماعة الإخوان إلى جيش النقشبندية الذي يُعدّ الجناح العسكري لحزب البعث". 

مواضيع ذات صلة:

ضم عناصر إخوانية... الإعلان عن تحالف سُنّي جديد في العراق

كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى سوريا؟

العراق: سجال بشأن مفهوم "الجندر"... هل يحاول الإسلاميون إشغال الناس عن قضاياهم الرئيسة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية