حملات إعلانية في اليونان وتركيا تُعيد صليل السيوف

حملات إعلانية في اليونان وتركيا تُعيد صليل السيوف

حملات إعلانية في اليونان وتركيا تُعيد صليل السيوف


06/06/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

انتهت الانتخابات وها هو الصّيف يُومئ، ممّا يعني حلول الموسم السّياحيّ عبر بحر إيجه ووقت تبادل الاتّهامات وصليل السّيوف بالنّسبة إلى كلّ من تركيا واليونان.

في واقعة غريبة من وقائع جَدولة المناسبات السّياسيّة، غطّت الانتخابات التّركيّة الأخيرة - الانتخابات البرلمانيّة والرّئاسيّة في 14 أيار (مايو) وجولة الإعادة في 28 أيار (مايو) - على انتخابات اليونان في 21 أيار (مايو). في كلا البلدين، تحدّى الزّعيم التّوقعات ورسّخ سلطته.

في تركيا، فاز الرّئيس رجب طيب أردوغان بولاية أخرى، يوم الأحد، بعد أسبوعين من قيام تحالف حزبه الحاكم، حزب العدالة والتنمية، بإحباط المعارضة والحفاظ على الأغلبيّة البرلمانيّة. في اليونان، سحق حزب الدّيمقراطيّة الجديدة، الذي يتزعّمه رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، خصمه الرّئيس، حزب سيريزا، بأكثر من عشرين نقطة، في أفضل أداء لزعيم يونانيّ شاغل للمنصب منذ نصف قرن.

العنف المعادي لليونانيّين

قرّر ميتسوتاكيس الواثق من نفسه عدم تشكيل حكومة ائتلافيّة ودعا، بدلاً من ذلك، إلى انتخابات جديدة، ربما في أواخر حزيران (يونيو)، على أمل الحصول على أغلبيّة برلمانيّة بفضل قانون التّصويت الجديد الذي يمنح الفائز مقاعد إضافيّة.

كما أوضحتُ سابقاً، الأتراك واليونانيون في صراع منتظم تقريباً منذ أقدم العصور. أعقبت فترة من الودّ النّسبيّ حرب الاستقلال التّركيّة وتبادل السّكان عام 1923، لكنّ الجارتين كانتا على خلاف منذ ذلك الحين: العنف المعادي لليونانيّين في تركيا عام 1955، والغزو التّركيّ لقبرص عام 1974 وما تلاه من تقسيم للجزيرة، وأخيراً، الاقتراب من الحرب في أعوام 1987، و1996، و2020.

من العرض العسكري بمناسبة الذكرى 62 لاستقلال قبرص عن الحكم الاستعماري البريطاني في نيقوسيا في أكتوبر الماضي

الآن، فيما يتعلّق بصلاتهما بالغرب، من المتوقّع أن يستمرّ هذان الزّعيمان المعاد انتخابهما في مسارات متباينة. من المرجّح أن يُعمّق ميتسوتاكيس العلاقات مع حلف شمال الأطلسيّ والولايات المتحدة، التي عزّزت وجودها العسكريّ في اليونان منذ الغزو الرّوسيّ لأوكرانيا في أوائل العام الماضي. وفي أيار (مايو) 2022، مدّدت أثينا لمدة خمسة أعوام اتّفاقيّة عسكريّة تمنح الجيش الأمريكيّ حق الوصول المستمرّ إلى ثلاث قواعد في البرّ اليونانيّ الرّئيس والتّواجد بحريّاً في جزيرة كريت.

أطلقت هيئة السّياحة التّركيّة حملة إعلانيّة ترحّب بالزّوار في «تُركجيان» (أي بحر إيجة التّركيّ). انتقدت اليونان الأمر، لكنّ الاتّحاد الأوروبيّ والولايات المتّحدة سمحا بالمصطلح

قبل أسبوعين، وافق الاتّحاد الأوروبيّ على استثمار 26 مليون دولار في ميناء ألكساندروبوليس اليونانيّ، الذي يرحّب بالسّفن الأمريكيّة وسفن حلف شمال الأطلسيّ، ويمكن أن يصبح نقطة دخول للطّاقة إلى الاتّحاد. برزت تلك المدينة السّاحليّة الواقعة شرق البحر المتوسّط، وعاصمة مقاطعة إيفروس اليونانيّة، بوصفها مركزاً جيوسياسيّاً في العام الماضي، حيث تدفّق دبلوماسيّون، ومستثمرون، وشحنات عسكريّة من دول حلف شمال الأطلسيّ لدعم أوكرانيا في صراعها مع روسيا.

أسماء "إرهابيين" في السويد

في غضون ذلك، حافظت تركيا على مسافة من حلفائها الغربيّين. فعلى الرّغم من الموافقة على انضمام فنلندا، تواصل أنقرة منع السّويد من عضويّة الحلف. وقال مسؤولون أتراك، الأسبوع الماضي، إنّهم أرسلوا إلى ستوكهولم قائمة تضمّ أسماء مائة وعشرين إرهابيّاً مزعوماً يرغبون في تسلُّمهم، وتقول السّويد إنّها لم تتلق هذه القائمة.

في منتصف أيار (مايو)، ندّدت تركيا بوجود سفينة بحريّة أمريكيّة، هي «يو إس إس أرلي بيرك»، في ميناء ليماسول في جنوب قبرص، قائلة إنّ ذلك يخلّ بالتّوازن الإقليميّ على حساب القبارصة الأتراك. يأتي هذا بعد أقلّ من عام على رفع الولايات المتّحدة حظر الأسلحة المفروض على قبرص والذي كان ساري المفعول منذ عام 1987، ممّا مكّن واشنطن من شحن أسلحة إلى جمهوريّة قبرص، العضو في الاتّحاد الأوروبيّ، للمساعدة في دفاعها ضدّ جمهوريّة شمال قبرص التّركيّة، المعترف بها من قبِل تركيا فقط.

هل بإمكان الرئيس التركي والزعيم اليوناني، بدعم من انتصاراتهما الانتخابيّة المفاجئة، إيجاد أرضيّة مشتركة وتهدئة هذه المياه المضطّربة قبل أن تضرب عاصفةٌ حقيقيّة

وكما لو أنّ الأتراك واليونانيّين لم يكن لديهم بالفعل ما يكفي للجدل - الحدود البحريّة، وقبرص، والسّيادة، وانتهاكات المجال الجويّ، وآيا صوفيا، والتّاريخ، والتّعامل مع المهاجرين، والعلاقات الغربيّة - يمكننا إضافة ملف آخر إلى القائمة: اسم البحر الذي يفصل بينهما.

"تُركجيان" و"يونانجيان"

أطلقت هيئة السّياحة التّركيّة الطّلقة الأولى في العام الماضي بحملة إعلانيّة ترحّب بالزّوار في «تُركجيان» (أي بحر إيجة التّركيّ). انتقدت اليونان الأمر، لكنّ الاتّحاد الأوروبيّ والولايات المتّحدة سمحا بالمصطلح لأغراض الاستخدام التّسويقيّ.

في نيسان (أبريل)، بدت أنقرة وكأنّها تواصل التّحدّي حين ظهر المصطلح في إعلانات على صفحة كاملة في صحيفة النيويورك تايمز وصحيفة اللوموند الفرنسيّة وعلى تلفزيون بلومبرغ، بالإضافة إلى حسابات وسائل التّواصل الاجتماعيّ الخاصّة بـ«غوتركيا». وبالنّظر إلى أنّ تركيا شكّكت مراراً وتكراراً في السّيادة اليونانيّة على عدد من جزر بحر إيجة، لم يكن استياء أثينا مفاجئاً.

قال أردوغان إن الانتخابات كانت "الأهم" في تركيا في العصر الحديث

قال وزير الخارجيّة اليونانيّ السّابق جورج كاتروغالوس إنّ المصطلح يشير إلى أنّ بحر إيجة تركيّ، ممّا يضع الحدود البحريّة والسّيادة اليونانيّة موضع تساؤل. وتعمل اليونان منذ ذلك الحين على منع المصطلح التّركيّ في الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ.

وحثّ المسؤولون اليونانيّون مفوضيّة الاتّحاد الأوروبيّ على إلغاء صلاحية المصطلح، واستعانت أثينا بمكتب محاماه كبير في واشنطن لطرح قضيّتها في الولايات المتّحدة. كما تُجهّز تركيا جانبها من القصة، على الرّغم من عدم توقّع قرار في هذا الشّأن قريباً. على الأقلّ في الوقت الحاليّ، تتمتّع أنقرة بحرّيّة التّرويج لقضاء العطلات في «تُركجيان». قد نسمع قريباً عن «يونانجيان»؟

إنّ التّأكيد اللفظيّ على ملكيّة جسم مائيّ دوليّ أمر، على ظاهره، سخيف إلى حدّ ما، وما من أحد يُشكّك في أصل الاسم المشتقّ من الملك اليونانيّ القديم إيجيوس، الذي ربما يكون والد ثيسيوس، مؤسّس أثينا.

هذه مجرّد حملة إعلانيّة سياحيّة، وليس تأكيداً من مسؤول تركيّ كبير، لكنّ هذا لا يجعل المخاوف اليونانيّة أقلّ خطورة. وقد وصفها مسؤول تركيّ، مؤخّراً، بأنّها «جنون عظمة خالص من جانب أثينا». لكن كما يُظهر التّاريخ، فإنّ جنون العظمة بين هذين البلدين يميل إلى أن يكون نهجاً معقولاً.

ويتساءل المرء عمّا إذا كان بإمكان أردوغان وميتسوتاكيس - بدعم من انتصاراتهما الانتخابيّة المفاجئة إلى حدّ ما وتطلّعهما إلى بداية جديدة - إيجاد أرضيّة مشتركة وتهدئة هذه المياه المضطّربة قبل أن تضرب عاصفةٌ حقيقيّة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 30 أيار (مايو) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية